في غذائك، قاعدة صحية يرددها الكثيرون، وباعتبار اللحوم أحد أهم مكونات الوجبة الغذائية التي أضحت صعبة المنال لأغلب الأسر اليمنية، التي لا تتناولها سوى في المناسبات الضرورية والحالات النادرة، وعلى الرغم من أسعارها الباهظة فإن هذه اللحوم لا تخضع للمعايير الصحية، وقد يشتري المواطن من خلالها داءً بماله، وما حالات التسمم الغذائي الوافدة إلى المستشفيات خصوصاً أيام الأعياد أو بعدها أو في رمضان إلا أحد أبرز الأدلة، ولعل أماكن الذبح (المسالخ)، وطريقة الذبح، وفحوص الحيوانات، من أسباب ذلك فماذا عن واقع المسالخ؟ ودور الإدارات المعنية بها؟ والصعوبات التي تواجهها؟ أمور عدة يجيب عنها التقرير التالي. بالإطلاع على واقع المسالخ في اليمن بما في ذلك أمانة العاصمة التي توصف في الغالب بالنموذج في كل المجالات، نرى بجلاء أنه لا توجد مسالخ مركزية مناسبة وإن وجد مسلخ تحت مسمى مركزي فإنه لا يرقى إلى مستوى المسالخ الصغيرة والعادية في دول مجاورة، لأن المسالخ في بلادنا لا تخضع لرقابة صحية، سواءً من حيث صحة الحيوانات المذبوحة وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي، أو الإشراف على ذبحها فبعض الجزارين يأتي باللحوم محملة على ظهور (شقاة) إلى سوق بيع اللحوم "ما يسمى مسالخ" من دون أن يعلم المواطن المشتري هل يشتري لحماً ميتاً أم مذبوحاً وفق الشريعة الإسلامية، صحيحاً أم مليئاً بالأمراض، كذا مستوى نظافة اللحوم المباعة والأماكن التي تباع فيها، فترى مظهر اللحوم والمكان وسخة ومقززة مليئة بالذباب والرائحة الكريهة فتشمئز نفسك لهذه اللحوم وتندم على ما تدفعه من مال لشرائها لولا أن شراءها صار عادة لاسيما أوقات الأعياد والمناسبات الضرورية، كما أن ما هو حاصل حتى في أمانة العاصمة، وجود جزارين في الحارات والزقاقات يعملون بشكل فردي، ولا أحد يعرف ما يذبحون ولا أين ولا كيف وما يراه المواطن لحوم تباع في حانوت ليس إلا أو على رصيف لشارع عام وترك المكان بوساخته، والأكثر غرابة ما تراه في دكاكين ذبح وبيع الدجاج، فريحة المكان تؤذيك عن بعد وأنت مار في الشارع ليس إلا، أما عندما تريد أن تكون كزبون يشتري هذه الدجاج، فمنذ دخولك الدكان ترى مكاناً أشبه بمقلب قمامة بل يزيد مخلفات الدجاج الحي تملأ المكان، ومخلفات ما ذبح منها مكشوفة للعيان ترى الذابح وكأنه كما يقال في الوصف الشعبي "وسط بكير من النحل"، لكن هنا ليس نحلاً بل ذبابة، حتى غسل الدجاجة المذبوحة لا يرقى إلى50% لإزالة مخلفات الذبح من دم غير ذلك، واقع مؤلم وتعاملات عشوائية غريبة تدفع المواطن للتأقلم معها ولو على مضض لعدم وجود البديل الأفضل والمناسب. غياب ويستغرب الجميع من المواطنين عندما تقول له إن في بلادنا إدارة للمسالخ لاسيما بأمانة العاصمة تتبع هذه الأمانة، لكنها لا تلتزم الأمانة في عملها، فليس لهم هم سوى تقاضي مستحقات ومكافآت تحت مسميات وأعمال وهمية وإن بدت حركتها في بعض المناطق فهي كما يصفها العاملون في مهنة الذباحة حركات ابتزازية كان اليمني القبيلي يكره أن يطالب جزاراً بعدالة الوزن وهو يشتري منه، أما هؤلاء فيبتزون باسم صرفيات، وغير ذلك كما يرى العاملون بالذبح أن إدارة المسالخ لم تفد المواطن وصحته بشيء، لا بفحص على الحيوانات ولا رقابة على الأماكن، ولم تهتم بصحة المواطن بل تزيده أعباءً على كاهله من خلا ل ما تفرضه على الجزار في بعض المناطق من ضرائب وواجبات ورسوم نظافة، ومجالس محلية، وكلها تضاف فوق سعر اللحوم الذي يتحمله في النهاية المستهلك، معللين بذلك ارتفاع أسعار اللحوم.. أما غيرهم من الجزارين أصحاب الحوانيت، فيرفعون الأسعار لما يرونه في أسواق اللحوم، والرفع لصالحهم الشخصي وليس لإدارة مسالخ أو لصحة مواطن. وتزداد غرابة عندما ترى ضرر ما يعرف بالمسلخ المركزي بأمانة العاصمة والذي يصل ضرره إلى جيرانه من منازل ومدارس تبعد عنه مئات الأمتار يصاب طلابها وموظفوها بريحته النتنة والتي تؤدي إلى إصابات عدة بالربو أو حساسية الصدر والشعب الهوائية وغيرها من الأمراض.. فعيب على القائمين عليه ممارسة الفساد المالي على حساب صحة الناس، وعار عليهم إذا لم يخدموا المجتمع ويكونوا أهلاً لذلك التطفل على مهنة اعتبرها أباؤهم وأجدادهم خدمة مجتمعية لا تليق بهم!؟ وكما يقول المثل ب"دع النجارة للنجار و... " وكذا "كل على مهنته سلطان". وهو ما يراه عدد من العاملين في مهنة المجزارة أن إدارة مسالخ للجزر لابد أن تكون من العاملين في هذا المجال، ويرى بعضهم أن بعضاً منهم ممن هم في الهيكل الإداري تناسوا أنفسهم ولم يعودوا يهتمون بتنظيم هذه المهنة أو صحة الناس بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية، الخلل موجود وفي أكثر من محور، وهو بحاجة إلى تصحيح يخدم المجتمع أو إلغاء إدارة المسالخ وما تسببه للدولة من أضرار وموازنات وتوفير ذلك لمشاريع خدمية أخرى، وترك هذه المهنة كما هي عليه بل هي كما هي عليه في الواقع. صعوبات من جانب أخر يرى المعنيون على المسالخ بالمحافظات أن صعوبات وجود مسالخ منظمة وخاضعة للرقابة والإشراف الصحي تبرز من قبل المواطنين أنفسهم، والذين يرفضون قيام مسالخ جماعية، وكل فئة يريدون الاحتفاظ بالجزار التابع لهم، هذا ما تحدث عنه الأخ محمد الدبيس المدير الإداري بإدارة مسالخ محافظة صنعاء بالقول: "الصعوبة التي تواجهنا في محافظة صنعاء هي قلة وعي الناس بأهمية المسالخ وضرورتها إذ وُجهنا برفض كثير من الناس والقبائل للذبح في المسالخ وإدخال الجزارين التابعين لهم إلى هذه المسالخ، ويرفضون إخضاع الجزارين لما نريده ونطلبه، خصوصاً إخضاع الحيوانات التي يذبحونها، للكشف الصحي، ويرددون: هؤلاء الجزارون تبعنا من زمان ولا دخل لكم بهم "، وهذه المشكلة واجهتنا في عدد من مديريات المحافظة، بل إن عدداً من مندوبينا تعرض للطرد. مشيراً إلى أن إدارة مسالخ محافظة صنعاء رغم حداثتها أنجزت عدداً من المسالخ بالمحافظة منها: مسلخ مديرية همدان في شملان، ومسلخ في حزيز، ومسلخ طور الإنشاء في مديرية أرحب، وأخر في جحانة خولان، مؤكداً على أن هناك مشاريع مستقبلية أخرى للإدارة بالمحافظة تتمثل في فتح مسالخ عدة منها مسلخ مناخة الذي وعد به محافظ المحافظة. أما دور الإدارة إلى جانب إنجاز المسالخ ونشر الوعي لدى العاملين فيها ومن ليس فيها بضرورة التوجه إليها، فيؤكد غياب الدور التوعوي لشحت الإمكانيات، وأن ما تقوم به الإدارة هو إنزال أطباء بيطريين إذ يتبعها7 أطباء مختصين للنزول إلى هذه المسالخ.. وتبقى الرقابة والتوعية غائبتان كأهم أدوات للحفاظ على صحة الناس، لاسيما أن مهمة الطبيب البيطري إن تمت لا تعدو عن الكشف عن الحيوان المراد ذبحه والأمراض التي يعانيها، وهنا يبرز سؤال حتى بعد الكشف عن الحيوان المراد ذبحه.. ما الإجراءات التي تتخذ في حق الحيوان المريض لاسيما أن عامة الناس لم يسمع عن حيوان أرجعه جزار من المجزرة لمرض يعانيه منذ تأسس الإدارة العامة للمسالخ؟! خلاصة الأمر أنه على الرغم من وجود ما يسمى الإدارة العامة للمسالخ فإنها لم تحقق الالتزام بإيجاد مسالخ مركزية ومن ثم إخضاع من يذبح فيها للكشوفات الصحية والنظافة والرقابة واتخاذ الإجراءات الحاسمة اللازمة للحفاظ على صحة المواطن لا المصالح الشخصية لمندوبيها وأن الذبح التقليدي، والعشوائية والغش وعدم النظافة سمات بارزة لأغلب الأماكن ومحال الذبح في بلادنا سواءً في الريف أو المدينة بل إن المدينة أكثر سوءاً. وما يحدث هو أعباء إضافية على المواطن والدولة لصالح أفراد يعملون باسم حماية المواطن مع عدم الاهتمام واللا مبالاة بمتطلبات وتجهيزات المسالخ واقتصادهم ذاتهم للوعي اللازم بما يجب عمله وكيف، وأساليب ذلك، ناهيك عن عدم توعيتهم للمواطن أو العامل في هذه المهنة بما يجب على كل منهما.