يكاد يكون هناك إجماع وطني لدى القوى السياسية في البلد بمختلف توجهاتها لتوصيف الأزمة السياسية الراهنة، وتكاد تكون اطروحاتهم للحلول متقاربة كثيرا إن لم نقل انها متطابقة باستثناء بعض التفاصيل الصغيرة،ويبدو أن هناك قناعة بدأت تتشكل لدى السياسيين للحل،بإمكاننا تلخيصها في ضرورة الإصلاحات الجذرية للنظام السياسي في البلد. والمعبر عنه في بيان اللجنة التنفيذية لحزب رابطة أبناء اليمن"رأي" الأخير بإعادة هيكلة نظام الدولة من أجل التجسيد الكامل لمقتضيات المواطنة السوية بمرتكزاتها المحققة للعدالة في توزيع السلطة والثروة، والديمقراطية المجسدة للتوازن والشراكة الفعلية في المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مناطق الوطن وفئاته، والتنمية الشاملة المستدامة. وبصيغة أخرى في وثيقة الحوار الوطني للإنقاذ الصادرة عن تحالف القوى السياسية من المشترك والتجمع الوحدوي اليمني وبعض الشخصيات السياسية والاجتماعية المستقلة المتحالفة معهم في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي دعت إلى ضرورة صياغة عقد اجتماعي جديد "دستور"لتحقيق الشراكة في الثروة والسلطة. وكما يتبنى حزب (رأي) بصراحة خيار " الفيدرالية" بصيغة الأقاليم رغم غضب السلطة من ذلك تتبنى وثيقة الإنقاذ خيارات أخرى تدور معامها في فلك الفيدرالية إن لم نقل إنها تعاريف وتراجم متعددة للكلمة ممثلة في الحكم المحلي الكامل أو الواسع الصلاحيات أو الحكم المحلي بصيغة وثيقة العهد والإتفاق،مع أن الوثيقة في نسختها قبل المعدلة المعلنة من قبل اللجنة التحضيرية للحوار كانت قد تبنت الفيدرالية وبصيغة الأقاليم على خيارات من إقليمين إلى خمسة،ولم تتخلى عنها إلا من أجل أن تترك الخيارات مفتوحة للمتحاورين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل المزمع عقده في وقت لاحق من العام القادم بحسب توضيحات المسؤولين في لجنة الحوار الوطني. حتى السلطة تتبنى خيار الفيدرالية وإن لم تقل ذلك صراحة مع معاداتها الشديدة لمن يقول بذلك،وإلا ماذا يعني حديثها عن الحكم المحلي الكامل أو الواسع الصلاحيات والتي تقول إنها تنوي تقديمها في التعديلات الدستورية المطلوبة للإصلاحات السياسية في البلد تنفيذا للبرنامج الإنتخابي للرئيس ولإعلانه في حملته الانتخابية في مدينة عدن والتي تحدث فيها ولأول مرة سابقا كل القوى السياسية في البلد-عدا الرابطة ومشروعها للحكم المحلي 1997م- بالحديث عن الحكم المحلي الكامل الصلاحيات،والذي لا أراه إلا تعريفاً آخر للفيدرالية،مع أن تراجع السلطة عن ذلك بالحديث عن حكم محلي واسع الصلاحيات لا يعني إلا إلتفافاً حقيقياً على الفكرة.. ومع ذلك نفهم أن هناك قناعة لدى السلطة بضرورة منح المواطنين صلاحيات كبيرة في إدارة شؤونهم المحلية لتجاوز الأزمات الراهنة المتمثلة في حروب صعدة المتكررة والمطالب الإنفصالية لدى قوى الحراك الجنوبي،مع مانفهمه من حديثها عن الحكم الواسع بانها لم تتوصل بعد إلى قناعة بإحداث إصلاحات حقيقية وشجاعة. إضف إلى ذلك أن معظم القوى السياسية باتت تؤمن اليوم بأهمية الحوار الوطني،فالسلطة والحزب الحاكم يدعوان لحوار وطني وحزب (رأي) يدعو إلى حوار وطني بل يبدو متقدماً بحديثه عن حكومة وحدة وطنية تتحمل مسؤولية تنفيذ مايتوصل إليه المتحاورون من جميع الأطراف في الحوار الوطني الذي لا يستثني أحداً،والمشترك يدعو كذلك إلى حوار وطني لا يستثني أحداً وبدأ بالفعل في التحضير لذلك ويتحدث اليوم عن ترتيب لمؤتمر حوار وطني لمعارضي الخارج الذين لا يستطيعون القدوم للتحاور مع الداخل،نتيجة الظروف الراهنة،يتبعه مؤتمر شامل لقوى الداخل تجاوب معها الحوثيون كقوة موجودة على الساحة وكأحد أطراف الازمة الراهنة،فيما مايزال الدكتور القدير عيدروس النقيب الأمين المساعد للجنة الحوار يبذل جهودا جبارة مع قوى الحراك لإقناعهم بجدوى الدخول في مؤتمر الحوار الشامل،بل وذهب أمين عام الإصلاح عبدالوهاب الآنسي في تفائله بعيدا بقوله في المؤتمر الصحفي للمشترك الأخير إن من ينادون بالإنفصال ومن يحملون السلاح ويتهمون من قبل السلطة بأن لهم طموحات فئوية لن يأتوا بذلك الطرح إلى طاولة الحوار إذا لمسوا توجهاً حقيقياً وجاداً للإصلاحات،وأنهم لم يرفعوا تلك المطالب إلا بعد أن صدت السلطة أمامهم كافة الطرق،وضيقت الخناق على النضال السلمي. وتكاد تجمع القوى الوطنية باستثناء المؤتمر الحاكم على الدعوة للوقف الفوري لحرب صعدة وبأن القوة لن تحل المشكلة،ولن تحل إلا بالحوار،كما يجمعون على ضرورة الاعتراف بالمطالب المشروعة للحراك الجنوبي والتوقف عن قمع الفعاليات السياسية،وملاحقة وإعتقال الناشطين السياسيين ومحاكمتهم وإغلاق الصحف،وبأن الحل في التوقف عن كل ذلك،وإطلاق المعتقيلن السياسيين كمقدمة للحل وللإصلاحات. لا أعتقد أن هناك يوماً كانت فيه القوى الوطنية متفقة فيما بينها إلى هذه الدرجة كما هي اليوم من حيث رفضها للقوة في معالجة الأزمات الراهنة وإيمانها بالحوار الوطني الشامل ليس لغرض الحوار لذاته وإيجاد الحلول الترقيعية،وإنما من أجل الحلول الجذرية والإصلاحات الحقيقة،ربما لخطورة الأزمة التي تواجهها البلد اليوم،وربما التجارب التي خاضتها تلك القوى علمتهم ذلك،وهو ما أعتقد أن الأشقاء والأصدقاء الحريصين على اليمن ووحدته واستقراره يشاركون القوى الوطنية ذات القناعة والتوجه. ومع ذلك لا أعتقد أن ذلك الإيمان بضرورة الإصلاحات الجذرية وحده يكفي،وإنما هو البداية للعمل على تحقيق ذلك الإيمان إلى فعل يتجاوز بالبلد من أخطاره المحدقة،.. إلى اليمن الذي ننشده جميعا القوي الموحد الذي تسوده العدالة والشراكة في السلطة والثروة..هل تفعلها قوانا السياسية..وتنقذ البلد،أما وقد علموا ما عليهم فعله فلن يغفر لهم التاريخ ولا نحن والله من فوقنا جميعا إن تقاعسوا عن ذلك..فليعملوا.."فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم.