أقر المشاركون في ندوة " الاقتصاد اليمني .. سيناريوهات المستقبل " تشكيل فريق اقتصادي لإعداد خطة تتضمن الأولويات الاقتصادية للمرحلة القادمة؛ مرحلة ما بعد الثورة السلمية. وأجمع المشاركون في الندوة التي نظمها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أمسٍ في ساحة التغيير بصنعاء بحضور كبار المتخصصين بالشأن الاقتصادي بأن السيناريو المتفائل هو أبرز ملامح المرحلة المقبلة، والتي تلتي المرحلة الانتقالية. وأكد المشاركون بأن حالة الثقة المجتمعية المنبثقة عن الإرادة الشعبية التي تنشد التغيير تشكل رافعة أساسية لإحداث تحولات اقتصادية مهمة، مشيرين إلى أهمية تجفيف منابع الفساد والاستفادة من المبالغ المهدرة على شراء السلاح، والإنفاق الرئاسي العبثي، وحصص النفط الخفية، وتحصيل الضرائب والجمارك وفق إجراءات عادلة وشفافة، واستيعاب جيد للمساعدات الإقليمية والدولية، وأن ذلك كفيل بتوفير مبالغ كبيرة تساعد على تحقيق نهضة اقتصادية في اليمن. واقترح الخبير الاقتصادي على الوافي عدداً من الإجراءات لتطبيق السيناريو المتفائل لاقتصاد اليمن الحديث، حيث أشار إلى ضرورة بناء مدن ثانوية حديثة، وإقامة مشروعات كبيرة تستوعب عدد كبير من العاملين، وتشغيل الأموال المودعة في البنوك وإعادة تدويرها لخدمة الاقتصاد الوطني. وقال بأن روح التغيير التي تسري في الجسد اليمني، إضافة إلى وقوف دول الخليج ودول العالم مع ثورة التغيير السلمية يشكل عوامل نجاح للسيناريو المتفائل، مؤكدا على ضرورة إعادة توزيع الثروة التي أصبحت في ظل نظام الرئيس صالح من أسفل إلى أعلى، بدلا من أن يكون العكس وتكون الثروة موزعة على أكبر شريحة ممكنة بين السكان. رئيس الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة سابقا ورجل الأعمال جمال المترب استعرض رؤية القطاع الخاص خلال مرحلة ما بعد الثورة، حيث أكد بأن القطاع الخاص متفائل بثورة الشباب ويتوقع أن تحقق اليمن معدلات نمو مرتفعة بعد تجاوز التحديات الراهنة. وقال إن معظم أفراد القطاع الخاص أعلن وقوفه مع الشباب وتعهد بدعم الثورة، لأنه يؤمن بأن اليمن بلد واعد ولديه الكثير من الموارد البشرية والطبيعة، إلا أن النظام الحالي جعل الكثير من رؤوس الأموال تهاجر نحو الخارج كما حول اليمن إلى بيئة طاردة للاستثمار. وأكد المترب : يجب أن ندرك أن الثورة الحقيقية ستبدأ بعد تغيير النظام، مشيرا إلى ثورة البناء، ثورة مكافحة الفساد وبناء المؤسسات، وسيادة القانون. أستاذ الإدارة الدكتور رياض الغيلي تحدث عن دور الإصلاح السياسي في النهوض الاقتصادي، حيث أشار إلى مخاطر المزاوجة بين السلطة والثروة وما خلفته من مشاكل قادت اليمن إلى مرحلة توقف عجلة الإنتاج. واستعرض الأزمات السياسية التي صنعها النظام وفق نظريته للحكم بالأزمات، منها الحراك في الجنوب وحرب صعدة في شمال الشمال، والحرب مع القاعدة وزرع الحروب بين القبائل، مشيرا إلى أن كل تلك شكلت أساسا للازمة التي تعيشها اليمن. وأوضح الغيلي أن الإصلاح السياسي من شأنه وضع اللبنات الأساسية للنهوض الاقتصادي، حيث شدد على أهمية وجود نظام برلماني يفصل بين السلطات، ونظام حكم محلي واسع الصلاحيات، وإدارة كفؤة تقوم على تكافؤ الفرص والشفافية والإفصاح عن المعلومات، إضافة إلى استقلالية كاملة للقضاء. من جهته قال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر في جلسة الافتتاح أن الندوة تعد أولى المحاولات الحوارية التي يتبناها المركز من أجل وضع خارطة طريق لأولويات الاقتصاد اليمني خلال المرحلة المقبلة، مرحلة ما بعد الثورة الشبابية السلمية. وقال إن أية حلول سياسية تصل إليها الثورة ولا تجتث الفساد يجعلها ثورة منقوصة. وأكد نصر على ضرورة محاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة، مشيرا إلى أن الشباب في اليمن وصلوا إلى هذه المرحلة نتيجة معاناة مرة خلال السنوات الماضية. وتحدث في الندوة العديد من الأكاديميين والخبراء في الاقتصاد اليمني، فقد أكد الدكتور طه الفسيل بأن اليمن ستنتقل بعد الثورة إلى الجهاد الأكبر، وهو الجهاد الاقتصادي، مشيرا إلى أن الأيام القادمة ستكون صعبة، فالاقتصاد اليمني اقتصاد هش والحكومة التي ستأتي ستتحمل عبئاً اقتصادياً كبيراً حيث ستواجه ثلاثة تحديات، معالجة الخسائر الاقتصادية الراهنة، ومعالجة الاختلالات المتراكمة من المرحلة السابقة، وتلبية طموحات الناس من أجل التوزيع العادل للثروة. وأكد الفسيل ضرورة وضع رؤية اقتصادية للمرحلة المقبلة، وقال : ما زالت الرؤية غائبة، وهذه تحتاج إلى حوار جاد ، كما أشار إلى أن طول مدة الثورة، وقال كلما طالت الأزمة كلما كانت تكلفتها أعلى. الدكتور محمد الحاوري وكيل وزارة التخطيط المستقيل من منصبه مؤخرا قال بأن هناك ثلاثة سيناريوهات، التشاؤمي والمعتدل، والمتفائل، وأن السيناريو المتشائم قد سقط بفعل الثورة وهو الذي أوصل اليمن إلى مرحلة الدولة الفاشلة بنسبة 100%، وأحد سماتها أنها عجزت عن القيام بوظائفها، أو اتخاذ قرارات جريئة، كما عجزت عن تقديم الخدمات للمواطنين. وأوضح الحاوري أنه ينحاز للسيناريو المتفائل، لاسيما بعد القيام بأكبر عمليات إصلاح سياسي تتمثل بتغيير النظام برمته، وهو مالم يكن أحد يتوقعه، مضيفا بأن الاقتصاد اليمني سيمر بمرحلة انتقالية قد تكون من سنة سنتين، لكن بعدها سنشهد نقلة تلبي طموحات الشباب في التغيير نحو الأفضل. وقال بأن هناك عدة مرتكزات تقوم عليها النظرة التفاؤلية، تتمثل بمدى تحقيق الإصلاحات، واستغلال القطاعات الاقتصادية، والدعم الإقليمي والدولي للتنمية ومدى مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. ويتفق الدكتور محمد الأفندي رئيس المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية مع الدكتور الحاوري، حيث يشير إلى ثلاثة مسارات كارثي وانتقالي، ومسار واعد. وأوضح أن المسار الكارثي نلاحظ تأثيراته في حياتنا اليومية والمتمثلة في غياب تكافؤ الفرص، وبروز القطاع الخاص الانتهازي، واستنزاف الخزينة العامة، والإصدار النقدي دون غطاء، وزيادة الأسعار. وأضاف بأن الحكومة الانتقالية سترث اقتصاداً مدمراً لكن أمامها فرص وتحديات، منها تصفية الخزينة العامة، ولعل أبرز الفرص هو كسب ثقة المجتمع، واستعادة الأموال المنهوبة والتي تتسرب إلى جيوب الفساد. وتوقع أن تستمر الفترة الانتقالية من عام إلى عامين، تليها مرحلة البناء، وهي مرحلة التخلص من 80% من الفساد وتهيئة البيئة الاستثمارية واستقطاب رؤوس الأموال والبدء بمرحلة النهوض الاقتصادي الحقيقي. الدكتور على سيف كليب أكد على نقطة مهمة تتعلق بعدم التهوين أو التهويل في نظرتنا للمستقبل الاقتصادي، مشيرا إلى أهمية أن يكون هناك رصد وتحليل دقيق للفرص المتاحة، وعبر عن أمله في التركيز خلال مرحلة ما بعد الثورة على الكفاءة وليس الانتماء كما حدث خلال فترات ماضية. وقال : لابد من حكومة تتمتع بالثقة. ويشير الدكتور عبدالقادر البنا إلى افتقار نظام الرئيس صالح للرؤية السياسية والاقتصادية الواضحة، وما خلفه من اقتصاد كارثي، إلا أنه عبر عن تفاؤله بالعامل السياسي المساعد لتحقيق مشروع الغد، مشيرا إلى أهمية الدعم الخارجي خلال المرحلة الانتقالية في تخفيف تبعات النظام السابق. من جانبه حذر الدكتور سعيد عبدالمؤمن من ثلاثة أطراف قد تعمل على إعاقة السيناريوهات المتفائلة خلال الفترة المقبلة، وهي القوى الانتهازية، وقوى الفساد ، وذيول النظام السابق، مؤكدا أن مهمة الجميع الحيلولة دون إتاحة المجال لهذه القوى من التأثير على تحقيق النهوض الاقتصادي لليمن. أما أحمد الصباحي فقد أكد على ضرورة إعادة خلق الطبقة الوسطي من خلال تشجيع برامج الإقراض وإيجاد بيئة حاضنة للمشاريع الصغيرة. وأشار الدكتور لطف السرحي إلى ضرورة تبديل أذون الخزانة في الفترة المقبلة بأدوات تعزز من النمو الاقتصادي، حيث تستقطب ما نسبته 60-70% من موارد البنوك، كما تصل فوائدها سنوياً إلى ما يقارب 120 مليار ريال.