اصيب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي امتد حكمه لفترة طويلة بجراح خطرة في الثالث من حزيران (يونيو) نتيجة هجوم على ايدي مجهولين حتى الان، كما يقول موقع "فورين بوليسي" الذي نشر مقالا للصحافي جيب بون، مدير تحرير صحيفة "اليمن". وجاء في هذا المقال مايلي: بدت مغادرة صالح لصنعاء الى المستشفى العسكري في المملكة السعودية لكثير من الناس على انها الحل النهائي للمواجهة الطويلة بين نظام صالح المنهار والتحديات السياسية المختلفة. غير ان الاسابيع اللاحقة جعلت اليمن اكثر غموضا فيما يتعلق بالحل السياسي. فالمحتجون المناوئون للحكومة اقاموا الخيام في بادئ الامر في مدن مثل صنعاء وتعز. وبدأ شيوخ القبائل في اعلان مواقفهم المناوئة لحكومة صالح تدريجيا مؤيدين لحركة الشباب. وما ان بدأ الاسلوب القبلي المرن في حل ارتباطه بالنظام، حتى اشتدت الفوضى في انحاء البلاد، مخلفة قطعة صغيرة من الارض في وادي الجبال الشمالية ليحكم فيها صالح. اما الان وقد استقر صالح في السعودية، فانه يبدو ان ليس هناك من بديل، فمن اذن يدير شؤون اليمن؟. في الفراغ الذي خلفه غياب صالح، فان نائبه المقعد سياسيا ترك لكي يحرس كرسي السلطة الفارغ في صنعاء. وبعد ايام من المغادرة المفاجئة، قام احمد ابن الرئيس صالح باتخاذ قصر الرئاسة مقرا له، وبعث برسائل الى المحتجين ورجال القبائل المناوئين ان ارادة والده ستتحقق بالنيابة عنه. وفي الوقت ذاته فان المعارضة السياسية في اليمن، سيطرت على ميدان التغيير في صنعاء في محاولة لتوحيد الحياة السياسية في ظل حكومة جديدة. وفيما بدأ وسطاء السلطة في صنعاء على انهم يجلسون على مقاعد السلطة، فان الحكومة الينية فقدت السيطرة الكاملة عل باقي البلاد. ونادرا ما كانت مناطق القبائل الشمالية في اليمن تخضع لسلطة الرئيس او الامام او المستعمر الاجنبي المباشرة الى ان تولى السلطة علي عبد الله صالح العام 1978. وعلى ضوء الخبرة التي اكتسبها من فشل العثمانيين والرؤساء الخمسة السابقين، ومنهم اثنان اغتيلا، استخدم صالح اسلوبا اكثر هدءا للسيطرة على المنطقة المقسمة. وبدلا من حكم القبائل اليمنية باستخدام القوة او السيطرة العسكرية، بدأ صالح اختيار القبائل للانضمام الى حكومته وفق نظام رعاية. وقبض بعض الشيوخ مبالغ ماية بينما حصل اخرون على مناسب سياسية وعسكرية دائمة. وطوال حياته السياسية، حافظ الرئيس صالح على استخدام اليد الناعمة ولكن الثابتة للمحافظة عل الحمهورية العربية اليمنية، وتعرف باليمن الشمالي. وفي العام 1990 اصبح اوت حاكم بعد ملكة سبأ يخضع اليمن التاريخي باكمله لسلطته (باستثناء الاقاليم الشمالية التي تخضع الان لحكم المملكة السعودية). ورغم الحرب الاهلية في العام 1994، واصل المحافظة على شمال وجنوب اليمن متماسكين في دولة واحدة. غير ان الشقوق بدأت تظهر في السيطرة الضعيقة لحكم صالح على شمال اليمن في العام 2004، عندما قامت مجموعة من رجال القبائل تطلق على نفسها اسم "الشباب المؤمن" بثورة مسلحة ضد حكومة صالح. وفي الوقت الذي ادعت الحكومة اليمنية فيه ان الشيعة الزيديين في محافظة صعده الشمالية تسعى الى اعادة حكم الامام، ادعى الثوار انهم مهمشون وتتحيز الحكومة في التعامل معهم. وقد قاتل هؤلاء الثوار الحوثيون، نسبة الى قائدهم الميت الان حسين بدر الدين الحوثي، في سلسلة من ستة حروب ضد الجيش اليمني وانتهت اخرها في العام 2009. ومما يجدر بالذكر ان ما كان اكثر اقاليم اليمن تمزقا بسبب الحرب، هو الان اكثرها امنا. وتركز القوات المسلحة الان على الحفاظ على السيطرة في المدن الرئيسة التي اجتاحها المحتجون المناوئون للحكومة، فيما وفر ذك للحوثيين الفرصة لاعادة بناء مجتمعاتهم والعيش في غياب سيطرة الدولة. احتمالات المستقبل ان اي حكومة تخرج من كنف الصراع اليمني، ستواجه المهمة العصيبة في اعادة تشكيل دولة من بلد انزلق نحو السيطرة الاقليمية. فالاقتصاد اخذ يتحول تدريجيا الى ايدي رجال القبائل الاقوياء الذين اخذوا على عتقهم تزويد صنعاء بالوقود والمواد الاساسية، ويرفعون من دخلهم الشخصي ويشددون من قبضهم على الطرقات السريعة. ولا يمكن لليمن أن يستورد معظم الحنطة والمواد الغذائية الاساسية، وظلت سلطة توزيع الوقود على الشاحنات التي تنقل الاغذية الى المدن الرئيسية في ايدي القبائل. واي حكومة جديدة تولد من الفوضي السياسية في اليمن ستواجه هذه القبائل كمافسين اقوياء في وجه توحيد حكومة مركزية. ومع سيطرة القبال على اقتصاد الشمال، فان الجنوب اليمني يظل يعاني من عواقب ما اصبح اساسا ازمة اقتصاد اجنبية. واضافة الى استمرار الامتعاض العميق للشماليين مع استمرار الصراع القتال، فان الجنوب اليمني، يمكن ان يفضل الانفصال مثل الصومال لتحاشي المعاناة غير الضرورية.