بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    الإعلامية مايا العبسي تعلن اعتزال تقديم برنامج "طائر السعيدة"    الصحفي والمناضل السياسي الراحل عبدالرحمن سيف إسماعيل    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    الرياض: تحركات مليشيا الانتقالي تصعيد غير مبرر وتمت دون التنسيق معنا    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    ويتكوف يكشف موعد بدء المرحلة الثانية وحماس تحذر من خروقات إسرائيل    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    قتلى وجرحى باشتباكات بين فصائل المرتزقة بحضرموت    شرعية "الروم سيرفس": بيع الوطن بنظام التعهيد    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    بيان بن دغر وأحزابه يلوّح بالتصعيد ضد الجنوب ويستحضر تاريخ السحل والقتل    الجنوب العربي: دولة تتشكل من رحم الواقع    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    حضرموت.. قتلى وجرحى جراء اشتباكات بين قوات عسكرية ومسلحين    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    الأحزاب والمكوّنات السياسية تدعو المجلس الرئاسي إلى حماية مؤسسات الدولة وتحمل مسؤولياته الوطنية    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    ذمار.. مقتل مواطن برصاص راجع إثر اشتباك عائلي مع نجله    النائب العام يأمر بالتحقيق في اكتشاف محطات تكرير مخالفة بالخشعة    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    مؤسسة الاتصالات تكرم أصحاب قصص النجاح من المعاقين ذوي الهمم    شباب عبس يتجاوز حسيني لحج في تجمع الحديدة وشباب البيضاء يتجاوز وحدة حضرموت في تجمع لودر    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    أبناء العمري وأسرة شهيد الواجب عبدالحكيم فاضل أحمد فريد العمري يشكرون رئيس انتقالي لحج على مواساته    الدولار يتجه نحو أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من 20 عاما    الرئيس الزُبيدي: نثمن دور الإمارات التنموي والإنساني    مصلحة الجمارك تؤيد خطوات الرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    هدوء في البورصات الأوروبية بمناسبة العطلات بعد سلسلة مستويات قياسية    رئيس مجلس الشورى يعزي في وفاة الدكتور "بامشموس"    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    تونس تضرب أوغندا بثلاثية    اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في مديريتي الملاجم وردمان في محافظة البيضاء    وفاة رئيس الأركان الليبي ومرافقيه في تحطم طائرة في أنقرة    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    هيئة الآثار: نقوش سبأ القديمة تتعرض للاقتلاع والتهريب    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس : النظام السابق يعود عبر الانتخابات
نشر في صعدة برس يوم 24 - 12 - 2014

رويترز : بالنسبة الى منتقديه فإن مسيرة الباجي قائد السبسي -السياسي المخضرم الفائز في أول إنتخابات رئاسية حرة في تونس- قد تختزل في أكثر من خمسة عقود من العمل السياسي في نظام حزب واحد قمعي مستبد شغل خلالها وزارات الدفاع والداخلية والخارجية ورئيسا للبرلمان مع الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
لكن بمقدور الزعيم الثمانيني الآن أن يضيف بندا آخر الى سيرته الذاتية ألا وهو انه اصبح أول رئيس منتخب بشكل حر وديمقراطي في تونس التي أطاحت برئيسها السابق زين العابدين بن علي في احتجاجات وقعت قبل أربع سنوات.
تكمن المفارقة في ان الشعب التونسي الذي أطاح بالنظام السابق باحتجاجات ألهبت دول المنطقة عاد بعد أربع سنوات لينتخب مسؤولا عمل مع نفس الرئيس السابق بل كان قياديا في حزبه لاكثر من عشر سنوات.
بالنسبة الى خصومه فإن انتخاب رجل من الحرس القديم انتكاسة وضربة للثورة التي ألهمت المنطقة مثل الانتكاسة التي شهدتها مصر العام الماضي حين أطاح الجيش بالرئيس الاسلامي المنتخب محمد مرسي.
لكن قد لا تكون عودة رجل من الحرس القديم من نظام بن علي للحكم بالضرورة انتكاسة للثورة في مهد انتفاضات الربيع العربي بقدر ما هي نجاح لها وقدرة على دمج كل الفرقاء السياسيين وتجنب السقوط في متاهات قد تكون أكثر قسوة ومرارة من عودة رموز النظام السابق.
وتونس ليست ليبيا التي تتقاتل فيها مجموعات تابعة لنظام الزعيم السابق معمر القذافي مع مجموعات اخرى شاركت في إنهاء حكمه.
في تونس رجع السبسي وحزبه نداء تونس عبر صناديق الانتخابات وأيضا عبر توافقات سياسية مع خصومهم الاسلاميين ما يؤكد انهم يتعاملون بشكل جيد مع الواقع السياسي الجديد في البلاد.
والعام الماضي رفض حزب النهضة الاسلامي وعدة أحزاب علمانية مشروع قانون لاقصاء مسؤولي النظام السابق من المشاركة في الانتخابات ضمن توافق سياسي أنهى أزمة سياسية أعقبت اغتيال اثنين من القادة العلمانيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وأظهر السبسي (88 عاما) -الذي كان أبرز معارض للاسلاميين- قدرة بارعة على الوصول للتوافقات مع خصومه. وكانت لقاءاته مع راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في كل مرة تنهي أزمة سياسية في البلاد التي تسعى لاستقرار سياسي وأمني يكمل سنوات من الانتقال الديمقراطي الهش.
تقول إحدى المؤيدات للسبسي أثناء الاحتفال بفوزه أمام مقر الحزب "إنه الرجل المناسب في المكان المناسب" وتضيف سناء بن سعيد لرويترز "نحتاج خبرته وهدوئه ورجاحة عقله لنكمل الطريق الشاق ونقطع مع سنوات عجاف لم نر فيها سوى كثير من الآلام".
والسبسي الذي بدأ مشوراه كمحام تقلد عدة مناصب مع أول رئيس لتونس بورقيبة ومع بن علي وظل مسؤولا في فترات حالكة من تاريخ البلاد في سجل الحريات.
لكن السبسي يفتخر بسنواته الطوال التي قضاها في خدمة تونس مع بورقيبة ويقول "بورقيبة رجل عظيم قدم الكثير لشعبه ومنح المرأة مكانة متقدمة وكان دائما رجلا متفتحا يريد شعبا متعلما ومتطورا".
ولكن رغم عمله مع بن علي كرئيس للبرلمان في بداية التسعينات وبقائه عضوا في اللجنة القيادية لحزب بن علي لفترة طويلة فان السبسي يحاول في كل مرة ان ينأى بنفسه عن بن علي ويقول إن الفاسدين في نظام بن علي يجب ان يحاسبوا أمام القضاء بينما من حق الآخرين ان يشاركوا مادامت أيديهم نظيفة.
يقول السبسي الذي يقر بان الماضي الديمقراطي لتونس لم يكن مشرقا بأنه سيكون ضامنا لكل الحريات مادام رئيسا للبلاد وان المخاوف من عودة الاستبداد ليست واقعية ولن يسمح بها.
والسبسي نفسه -الذي يخشى معارضوه من ان يعيد تجربة استبداد بن علي وبورقيبة- تعهد بالالتزام "بمستقبل ديمقراطي مشرق يستلهم ايجابيات الماضي ويقطع مع ممارساته السيئة".
ولا يقنع هذا الكلام منتقديه الذين يقولون إن الثورة كانت ضد النظام السابق الذي لم ينتظر سوى أربع سنوات ليعود للهيمنة من جديد عبر رئيس للبرلمان ورئيس للجمهورية من نفس حزب نداء تونس اضافة الى حكومة يتوقع ان يشكلها نفس الحزب خلال أيام بعد فوزه بالانتخابات البرلمانية والرئاسية.
يقول علي المكي وهو شقيق شاب قتل بالرصاص في انتفاضة 2011 لرويترز "دفعنا الثمن غاليا واليوم النظام السابق يعود بشكل جديد وكأن شيئا لم يكن.. سنقاتل من أجل حريتنا ولن نستسلم مهما كلفنا".
لكن السبسي الذي يتمتع بدهاء سياسي وشخصية كاريزمية يقول "لكل التونسيين الحرية الكاملة في ان يلبسوا ما شاؤوا وان يعبروا كما شاؤوا.. سأحترم كل حرياتهم وأكون الضامن لاحترامها بما فيها حرية المعتقد الديني.. كل المخاوف لا مبرر لها".
ويضيف انه لن يلاحق أي صحفي عبر القضاء وانه "يفضل ان يرى صحافة حرة وفيها فوضى على ان تكون صحافة مقيدة".
حتى خصومه السياسيين يشيدون به.
ويقول راشد الغنوشي زعيم النهضة إن السبسي رجل يصلح لرئاسة البلاد وهو قادر على توحيدهم ويتعين مساندته في منصبه الجديد. ونائب رئيس النهضة عبد الفتاح مورو يري بدوره ان "السبسي رجل مسؤول أظهر شجاعة في التعامل مع المواقف ومسؤولية في حل عديد الازمات العالقة وهو رجل وفاق".
والسبسي كان له دور في إنجاح المسار الانتقالي حين سلم الحكم بسلاسة للاسلاميين في 2011 بعد فوزهم في انتخابات المجلس التأسيسي لصياغة دستور جديد. وبعد خروجه ظل معارضا شرسا لهم وأسس حزب نداء تونس ولكن كان في كل أزمة يتفاوض مع الاسلاميين.
ويظهر الترحيب الدولي الذي ناله السبسي عقب انتخابه من قادة غربيين مثل الرئيس الامريكي باراك اوباما انه ليس مصدر قلق ولن يكون حجر عثرة في الطريق الديمقراطي الجديد.
والسبسي نفسه قال في أول تصريح بعد فوزه في الانتخابات إن تونس ستكون بحاجة لخصمه في الانتخابات الرئاسية المنصف المرزوقي وانه يتعين ان تبقى تونس منارة للتغيير الديمقراطي في العالم العربي عبر التوحد والشراكة بين الجميع دون إقصاء أي طرف على حد قوله.
لكن ليس هذا فقط فهناك كثير من المسائل التي قد تجعل من عودة بعض مسؤولي النظام السابق أمرا لا يدعو للقلق من امكانية تفردها بالسلطة من جديد. فحكومة تونس المقبلة التي سيشكلها حزب السبسي ستحتاج قروضا ومساعدات بحوالي اربعة مليارات دولار من الغرب لانعاش اقتصادها المنهار.
ومن المتوقع ان يجبر المقرضون الدوليون الحكومة المقبلة على مزيد من الاصلاحات الاقتصادية الجريئة التي تحتاج حكومة ائتلافية قوية لمواجهة أي توترات اجتماعية نتيجة خفض الدعم ورفع الاسعار.
لكن الواقع السياسي الجديد في تونس سيكون ايضا حائط صد لأي تجاوزات محتملة من قبل السبسي او حزبه نداء تونس الذي كونه قبل عامين للحد من سيطرة الاسلاميين.
فالسبسي ونداء تونس محاطون الان بفسيفساء من الاحزاب السياسية ومجتمع مدني قوي لن يقبل بأي تجاوزات او تكرار لأخطاء الماضي أو الخروج بتونس من نادي البلدان الديمقراطية الناشئة التي أشادت بها واشنطن.
فحركة النهضة والجبهة الشعبية وهما حزبان قويان ومنظمان لا يتوقع ان يسمحا بالتضييق على الحريات وحتى حلفائه الليبراليين مثل آفاق تونس والمسار لا يتوقع ان يصمتا أمام أي ممارسات قديمة والعودة بالبلاد الى ما قبل الثورة.
ولعل تعليقا صحفيا في التلفزيون الحكومي التونسي للسبسي اثناء اول مقابلة له بعد انتخابه رئيسا للبلاد يظهر مدى تشبث التونسيين بالحرية التي منحتها اياهم الثورة مهما كان الرئيس من الحرس القديم او الجديد.
يقول الصحفي معز بن غربية مخاطبا السبسي خلال المقابلة التي أذيعت على الهواء مباشرة "الترويكا (الائتلاف الحكومي الذي قادته النهضة الاسلامية) صبرت علينا كثيرا وسمعت منا نقدا واسعا ونحن نخبرك الان سيدي الرئيس أننا لن نفرط في مكسب حرية التعبير والصحافة وسيأتي الدور عليك بالنقد وانت يجب ان تكون ضامنا لهذه الحريات".
تونس : النظام السابق يعود عبر الانتخابات
براقش نت – رويترز : بالنسبة الى منتقديه فإن مسيرة الباجي قائد السبسي -السياسي المخضرم الفائز في أول إنتخابات رئاسية حرة في تونس- قد تختزل في أكثر من خمسة عقود من العمل السياسي في نظام حزب واحد قمعي مستبد شغل خلالها وزارات الدفاع والداخلية والخارجية ورئيسا للبرلمان مع الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
لكن بمقدور الزعيم الثمانيني الآن أن يضيف بندا آخر الى سيرته الذاتية ألا وهو انه اصبح أول رئيس منتخب بشكل حر وديمقراطي في تونس التي أطاحت برئيسها السابق زين العابدين بن علي في احتجاجات وقعت قبل أربع سنوات.
تكمن المفارقة في ان الشعب التونسي الذي أطاح بالنظام السابق باحتجاجات ألهبت دول المنطقة عاد بعد أربع سنوات لينتخب مسؤولا عمل مع نفس الرئيس السابق بل كان قياديا في حزبه لاكثر من عشر سنوات.
بالنسبة الى خصومه فإن انتخاب رجل من الحرس القديم انتكاسة وضربة للثورة التي ألهمت المنطقة مثل الانتكاسة التي شهدتها مصر العام الماضي حين أطاح الجيش بالرئيس الاسلامي المنتخب محمد مرسي.
لكن قد لا تكون عودة رجل من الحرس القديم من نظام بن علي للحكم بالضرورة انتكاسة للثورة في مهد انتفاضات الربيع العربي بقدر ما هي نجاح لها وقدرة على دمج كل الفرقاء السياسيين وتجنب السقوط في متاهات قد تكون أكثر قسوة ومرارة من عودة رموز النظام السابق.
وتونس ليست ليبيا التي تتقاتل فيها مجموعات تابعة لنظام الزعيم السابق معمر القذافي مع مجموعات اخرى شاركت في إنهاء حكمه.
في تونس رجع السبسي وحزبه نداء تونس عبر صناديق الانتخابات وأيضا عبر توافقات سياسية مع خصومهم الاسلاميين ما يؤكد انهم يتعاملون بشكل جيد مع الواقع السياسي الجديد في البلاد.
والعام الماضي رفض حزب النهضة الاسلامي وعدة أحزاب علمانية مشروع قانون لاقصاء مسؤولي النظام السابق من المشاركة في الانتخابات ضمن توافق سياسي أنهى أزمة سياسية أعقبت اغتيال اثنين من القادة العلمانيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وأظهر السبسي (88 عاما) -الذي كان أبرز معارض للاسلاميين- قدرة بارعة على الوصول للتوافقات مع خصومه. وكانت لقاءاته مع راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في كل مرة تنهي أزمة سياسية في البلاد التي تسعى لاستقرار سياسي وأمني يكمل سنوات من الانتقال الديمقراطي الهش.
تقول إحدى المؤيدات للسبسي أثناء الاحتفال بفوزه أمام مقر الحزب "إنه الرجل المناسب في المكان المناسب" وتضيف سناء بن سعيد لرويترز "نحتاج خبرته وهدوئه ورجاحة عقله لنكمل الطريق الشاق ونقطع مع سنوات عجاف لم نر فيها سوى كثير من الآلام".
والسبسي الذي بدأ مشوراه كمحام تقلد عدة مناصب مع أول رئيس لتونس بورقيبة ومع بن علي وظل مسؤولا في فترات حالكة من تاريخ البلاد في سجل الحريات.
لكن السبسي يفتخر بسنواته الطوال التي قضاها في خدمة تونس مع بورقيبة ويقول "بورقيبة رجل عظيم قدم الكثير لشعبه ومنح المرأة مكانة متقدمة وكان دائما رجلا متفتحا يريد شعبا متعلما ومتطورا".
ولكن رغم عمله مع بن علي كرئيس للبرلمان في بداية التسعينات وبقائه عضوا في اللجنة القيادية لحزب بن علي لفترة طويلة فان السبسي يحاول في كل مرة ان ينأى بنفسه عن بن علي ويقول إن الفاسدين في نظام بن علي يجب ان يحاسبوا أمام القضاء بينما من حق الآخرين ان يشاركوا مادامت أيديهم نظيفة.
يقول السبسي الذي يقر بان الماضي الديمقراطي لتونس لم يكن مشرقا بأنه سيكون ضامنا لكل الحريات مادام رئيسا للبلاد وان المخاوف من عودة الاستبداد ليست واقعية ولن يسمح بها.
والسبسي نفسه -الذي يخشى معارضوه من ان يعيد تجربة استبداد بن علي وبورقيبة- تعهد بالالتزام "بمستقبل ديمقراطي مشرق يستلهم ايجابيات الماضي ويقطع مع ممارساته السيئة".
ولا يقنع هذا الكلام منتقديه الذين يقولون إن الثورة كانت ضد النظام السابق الذي لم ينتظر سوى أربع سنوات ليعود للهيمنة من جديد عبر رئيس للبرلمان ورئيس للجمهورية من نفس حزب نداء تونس اضافة الى حكومة يتوقع ان يشكلها نفس الحزب خلال أيام بعد فوزه بالانتخابات البرلمانية والرئاسية.
يقول علي المكي وهو شقيق شاب قتل بالرصاص في انتفاضة 2011 لرويترز "دفعنا الثمن غاليا واليوم النظام السابق يعود بشكل جديد وكأن شيئا لم يكن.. سنقاتل من أجل حريتنا ولن نستسلم مهما كلفنا".
لكن السبسي الذي يتمتع بدهاء سياسي وشخصية كاريزمية يقول "لكل التونسيين الحرية الكاملة في ان يلبسوا ما شاؤوا وان يعبروا كما شاؤوا.. سأحترم كل حرياتهم وأكون الضامن لاحترامها بما فيها حرية المعتقد الديني.. كل المخاوف لا مبرر لها".
ويضيف انه لن يلاحق أي صحفي عبر القضاء وانه "يفضل ان يرى صحافة حرة وفيها فوضى على ان تكون صحافة مقيدة".
حتى خصومه السياسيين يشيدون به.
ويقول راشد الغنوشي زعيم النهضة إن السبسي رجل يصلح لرئاسة البلاد وهو قادر على توحيدهم ويتعين مساندته في منصبه الجديد. ونائب رئيس النهضة عبد الفتاح مورو يري بدوره ان "السبسي رجل مسؤول أظهر شجاعة في التعامل مع المواقف ومسؤولية في حل عديد الازمات العالقة وهو رجل وفاق".
والسبسي كان له دور في إنجاح المسار الانتقالي حين سلم الحكم بسلاسة للاسلاميين في 2011 بعد فوزهم في انتخابات المجلس التأسيسي لصياغة دستور جديد. وبعد خروجه ظل معارضا شرسا لهم وأسس حزب نداء تونس ولكن كان في كل أزمة يتفاوض مع الاسلاميين.
ويظهر الترحيب الدولي الذي ناله السبسي عقب انتخابه من قادة غربيين مثل الرئيس الامريكي باراك اوباما انه ليس مصدر قلق ولن يكون حجر عثرة في الطريق الديمقراطي الجديد.
والسبسي نفسه قال في أول تصريح بعد فوزه في الانتخابات إن تونس ستكون بحاجة لخصمه في الانتخابات الرئاسية المنصف المرزوقي وانه يتعين ان تبقى تونس منارة للتغيير الديمقراطي في العالم العربي عبر التوحد والشراكة بين الجميع دون إقصاء أي طرف على حد قوله.
لكن ليس هذا فقط فهناك كثير من المسائل التي قد تجعل من عودة بعض مسؤولي النظام السابق أمرا لا يدعو للقلق من امكانية تفردها بالسلطة من جديد. فحكومة تونس المقبلة التي سيشكلها حزب السبسي ستحتاج قروضا ومساعدات بحوالي اربعة مليارات دولار من الغرب لانعاش اقتصادها المنهار.
ومن المتوقع ان يجبر المقرضون الدوليون الحكومة المقبلة على مزيد من الاصلاحات الاقتصادية الجريئة التي تحتاج حكومة ائتلافية قوية لمواجهة أي توترات اجتماعية نتيجة خفض الدعم ورفع الاسعار.
لكن الواقع السياسي الجديد في تونس سيكون ايضا حائط صد لأي تجاوزات محتملة من قبل السبسي او حزبه نداء تونس الذي كونه قبل عامين للحد من سيطرة الاسلاميين.
فالسبسي ونداء تونس محاطون الان بفسيفساء من الاحزاب السياسية ومجتمع مدني قوي لن يقبل بأي تجاوزات او تكرار لأخطاء الماضي أو الخروج بتونس من نادي البلدان الديمقراطية الناشئة التي أشادت بها واشنطن.
فحركة النهضة والجبهة الشعبية وهما حزبان قويان ومنظمان لا يتوقع ان يسمحا بالتضييق على الحريات وحتى حلفائه الليبراليين مثل آفاق تونس والمسار لا يتوقع ان يصمتا أمام أي ممارسات قديمة والعودة بالبلاد الى ما قبل الثورة.
ولعل تعليقا صحفيا في التلفزيون الحكومي التونسي للسبسي اثناء اول مقابلة له بعد انتخابه رئيسا للبلاد يظهر مدى تشبث التونسيين بالحرية التي منحتها اياهم الثورة مهما كان الرئيس من الحرس القديم او الجديد.
يقول الصحفي معز بن غربية مخاطبا السبسي خلال المقابلة التي أذيعت على الهواء مباشرة "الترويكا (الائتلاف الحكومي الذي قادته النهضة الاسلامية) صبرت علينا كثيرا وسمعت منا نقدا واسعا ونحن نخبرك الان سيدي الرئيس أننا لن نفرط في مكسب حرية التعبير والصحافة وسيأتي الدور عليك بالنقد وانت يجب ان تكون ضامنا لهذه الحريات".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.