"كل كثيراً لتعمل كثيراً" حكمة قالها كونفشيوس حكيم الصين،وربما كانت سر معجزات الصين الحضارية .. "الصين بلد مبهر ومدهش" هكذا قلت لبعض من سألوني عنها، يأكلون كل حي في السماء والبر والبحر، ويعملون دون توقف، يدهشون العالم بالقدرة على نمو إقتصادي يتجاوز 9% في بلد يصل تعداد سكانه مليار وربع المليون نسمة . بعد ثمان ساعات من التحليق بالطائرة من مطار دبي، وصلنا إلى مطار شنغهاي ، الحركة فيه لا تتوقف، كما أنه ليس المطار الوحيد لمدينة شنغهاي ، وهي واحدة من أكثر المدن نمواً وتطوراً في العالم ، كل شيء فيها يشعرك أنك في عالم مختلف، المروج الخضراء الجميلة، والجسور المتداخلة ، وفتاة صينية جميلة تخرجنا من التوهان في مطار شنغهاي الضخم . شنغهاي كانت محطة توقف إضطرارية ، بعدها واصلنا رحلتنا نحو بكين العاصمة، وعلى مسافة ساعتين بالطائرة ، ونحن موعودون بالعودة إلى شنغهاي لمعرفة هذه المدينة الأكثر تحضراً واستقطاباً لجميع شركات العالم العملاقة . * سر النهضة الصنينية لم نخفي دهشتنا أنا وزميلي خالد الهروجي من الهدوء الذي تعيشه شوارع بكين ، وكانت مخيلتي أن الزحام وكثرة السكان قد يحدث ضجيجاً قد لا تسمعه في أي عاصمة في العالم ، الناس هنا أكثر هدوءً ، بل إن أبواق السيارات خرساء إلا فيما ندر !! الأشجار الخضراء تحاذي الطريق من المطار إلى وسط العاصمة ، ونحن نتطلع بإنبهار لتلك المباني الضخمة ، وتعلق زميلتنا السورية " إنها مباني تستوعب المليار نسمة " ، كان الوقت قبيل المغرب ورغبتنا أن نتوجه إلى الفندق المعد لنا كي نستريح من سفر مرهق يزيد عن يومين ، إلا أن الأصدقاء الصينيين كان برنامجهم قد بدأ، فهم يعشقون العمل حتى يخيل لك أن بينهم وبين الراحة خصام، وعلينا التوجه إلى جامعة اللغات الأجنبية، كان في إنتظارنا نائب رئيس الجامعة وهو يتحدث العربية بطلاقه، أخبرني أنه درّس في المدرسة الفنية في تعز مطلع ثمانينات القرن الماضي ، ويحب اليمن كثيراً ، رغم أنها لم تستفد من العولمة كثيراً حسب تعبيره . ونحن ندلف إلى صرح أكاديمي كبير ، تراودنا الكثير من الأسئلة ، ماهو سر النهضة الصينية الحالية؟ ما الذي جعل جمهورية الصين الشعبية تحقق مستوى نمو يفوق التوقع على مستوى العالم ؟ و ما هو مستوى الحريات السياسية ؟ و ما هي الفلسفة الثقافية الصينية التي شكلت أرضية النهوض الحضاري ؟! "سليمان " وهو الاسم الذي أطلقه نائب رئيس جامعة اللغات الأجنبية في بكين على نفسه ، قال إن السبب الرئيس لما تعيشه الصين هو الاخلاص للوطن والجد في العمل ، وهناك مقولة لزعيم صيني تقول " ليس المهم أكان الهر أبيض أم أسود ، ولكن المهم هل يستطيع الاصطياد ؟! "نحن نأخذ بأي فكر متطور وفقاً لتلك المقولة الشهيرة" ولذلك استطاعت الصين إدهاش العالم بذلك المزج الرائع بين النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي . ويقول سليمان : إن الاستقرار ، وتحقيق النهضة وتحسين المعيشة هو الهم الأول للصين في المرحلة الحالية ، انزلوا إلى الشارع و اسألوا هل هو راضِ عن الوضع وهل يشعر أن هناك تحسن يوماً عن آخر ، بالتأكيد ستجدونه كذلك. وعندما سألناه عن الديمقراطية قال : لا يمكن إحداث ديمقراطية في الوقت الراهن ، وقد تؤدي إلى الفوضى، نحاول تطوير التنمية ورفع مستوى المعيشة، وعندما يكون الشعب بحاجة إلى الديمقراطية لن نتردد "، حفلة العشاء بصحبة "سليمان " كانت جميلة ، والاجمل كان قد فاتنا عندما كنا في بطن الطائرة ، فقد قام الطلاب الذين يدرسون اللغة العربية بإعداد حفل رائع ، تخللته قصائد نزار قباني ، ورقصات شرقية " . الناس هنا يعملون كثيراً ليناموا باكراً ، بكين بعد التاسعة ليلاً لم تعد تلك المدينة الحيوية ، وأهلها يكونوا قد تخلوا عنك وحيداً استعداداً ليوم جديد يبدأ برياضة صباحية أصبحت جزء من حياة الفرد الصيني . الصينيون لطفاء في التعامل ، والنساء أكثر إجادة لتلك المشاعر الطيبة ، كانت المترجمة لي شيانج والتي اسمت نفسها " أمل " أبرز مثال لذلك ، وكذلك مسؤولة العلاقات الخارجية بوزارة الخارجية الصينية ، والتي سعدنا بمعرفة مشاعرها تجاه العرب والمسلمين في حفلة عشاء طلبت أن تكون في جوء عائلي وأكثر حميمية وصداقة . ويفتخر الصينيون أنهم كرماء ويلتقون في هذه الميزة مع العرب في حب اكرام الضيف، وهم بسطاء أيضاً ، وعادة ماكنت أخبر زملائي أنني أجد صعوبة في التعرف إلى بعض المسؤولين الكبار الذين التقيناهم عن بقية الأشخاص ، غلا بعد أن يقوموا بالتعريف بأنفسهم . ونحن ننتقل بين الشوارع الضخمة للعاصمة بكين كنت أرقب حركة الناس بدقة ، دهشه، وتطلع لمعرفة المزيد عن هذا العالم المجهول ، القريب إلى القلب ، فلم يعرف التاريخ أن الصين قد غزت دولة ، بقدر ما قدمت للبشرية من حضار سلمية لعل الورق والمطبعة وعلوم الفلك إحداها . سبانت