لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    نقابة الصحفيين تدعو إلى سرعة إطلاق الصحفي المياحي وتحمل المليشيا مسؤولية حياته    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التهرب الضريبي... ضياع موارد مستحقة وتخلف عن معايير الحوكمة
نشر في سبأنت يوم 26 - 01 - 2009

تعد الضريبة وسيلة مالية تستخدمها السلطات العامة لتحقيق أغراضها، فهي انعكاس للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمع الذي تفرض عليه، وهي الينابيع التي تستقي منها الدولة الأموال اللازمة لسد نفقاتها العامة.
غير أن المكّلف بالضريبة لم يصل إلى التجرد من أنانيته بصورة كاملة بحيث ينظر إلى الالتزام بدفع الضريبة على أنه واجب مقدس، لذا فإنه من الطبيعي أن نتوقع من جانب المكّلفين بدفع الضريبة رد الفعل الذي يأخذ صورة الدفاع عن مصالحهم، وذلك إما بتفادي الضريبة ّ كليًا أو على الأقل بالتقليل من نطاق الاقتطاع الضريبي المفروض عليهم، ومن هنا نشأت ظاهرة"الّتهرب الضريبي" أو الإفلات من الضريبة.
وفي اليمن تمتنع الشركات اليمنية المساهمة والمغلقة عن إعلان أرباحها السنوية باستثناء البنوك. تخوفا من الالتزامات الضريبية التي تصل إلى 41.1 بالمائة من إجمالي الضرائب الواجب سدادها من الأرباح، كإحدى أعلى النسب الضريبية عالميا بحسب البنك الدولي.
وقال عدد من الاقتصاديين إن عدم إعلان الشركات اليمنية لأرباحها السنوية يعد دليل خلل يعيشه الاقتصاد اليمني، كما يضعف مواقف الشركات اليمنية المالية خارجيا.
واستغرب مدير عام جمعية الصناعيين اليمنيين علي المقطري، عدم إعلان الشركات اليمنية لأرباحها، مؤكدا أن ذلك يؤدي إلى ظلم المساهمين الصغار في هذا الشركات، ويضعف موقفها المالي في تعاملاتها الخارجية.
وعزا الدكتور طه الفسيل، أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، عدم إعلان الشركات اليمنية لأرباحها إلى سببين رئيسيين، الأول: حجم الشركات اليمنية المساهمة ضعيف، الأمر الذي يؤدي إلى أنها لا تهتم بإعلان الأرباح، ومعظمها شركات عائلية محدودة تعتبر قضية الأرباح شأنا داخليا.
والثاني بحسب الفسيل: خوف شركات القطاع الخاص من الضرائب يؤدي إلى عدم إعلانها للأرباح، حيث تصل ضرائب الإرباح سنويا إلى 35 بالمائة. من جانبه طالب مدير عام الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية الدكتور محمد الميتمي بإنشاء سوق للأوراق المالية لتحريك كثير من الأموال، والمدخرات الحبيسة في البنوك.
فيما يقول الأكاديمي علي اليدومي: إن اليمن تأخرت كثيرا في إنشاء سوق الأوراق المالية، مؤكدا على أصحاب القرار " البنك المركزي، وزارة المالية، وزارة التخطيط والتعاون الدولي، سرعة إنشاء سوق للأوراق المالية في اليمني، مشيرا إلى أن ذلك سيشكل فرزا طبيعيا للشركات النظيفة والتي تتمتع بمركز مالي قوى، وتلك التي تعمل بطرق غير مشروعة.
ويتفق معه الدكتور طه الفسيل، في أن وجود سوق للأوراق المالية في اليمن سيساعد على قيام الشركات بإعلان أرباحها السنوية.
وقال: من مصلحة تلك الشركات إعلان أرباحها؛ لان ذلك يعزز من ثقتها على المستوى المحلي والخارجي.
من جهته كشف رئيس مصلحة الضرائب أحمد غالب أن 80 في المائة من الشركات تتهرب من دفع ضرائب الدخل بتقديم كشوف غير صحيحة عن أرباحها السنوية، مؤكدا أن ما تدفعه تلك الشركات من ضرائب الدخل لا يمثل25با المائة من أرباحها الحقيقية.
وقال إن استمرار التهرب يؤدي إلى خلل في الاقتصاد اليمني، كما يضعف مواقف تلك الشركات المالية في تعاملها خارجيا، ويعوق إنشاء سوق الأوراق المالية التي تتطلب الشفافية.
وأرجع عدم إعلان الشركات الخاصة أرباحها إلى تخوفها من الضرائب التي تصل سنويا إلى 35 في المائة. كما أن حجم الشركات اليمنية المساهمة ضعيف ومعظمها شركات عائلية محدودة تعتبر قضية الأرباح شأنا داخلياً.
وحسب إدارة الحصر والتسجيل للإدارة العامة لمصلحة الضرائب فإن عدد الشركات الخاصة التي تخضع للضرائب يصل إلى ما يزيد على 14871 شركة. منها أكثر من 386 شركة تعود ملكيتها إلى أشخاص، فيما أشارت الإدارة إلى وجود ملفات فيها تراكمات ضريبية لنحو 379 شركة.
وفيما يؤكد عدد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات أن امتناع الشركات عن إعلان الأرباح سببه الرئيسي خوف الشركات من الضرائب التي وصفها ب"الابتزاز" قال وكيل وزارة المالية عمر يعقوب إن الحكومة تعتزم خفض ضرائب الشركات بنسبة من 20 إلى 35 بالمائة لحملها على إبداء المزيد من الشفافية لما من شأنه الحد من التهرب الضريبي السائد في البلاد.
وأضاف "ندرس بعض الأمور مع القطاع الخاص فيما يتعلق بفتح دفاترهم أمام سلطات الضرائب. لا أحد يحب دفع الضرائب لكن يتعين التوصل إلى نوع من التفاهم".
وأشار إلى أن قانون ضرائب الشركات المعدل معروض الآن على مجلس الوزراء لكن الضرائب الجديدة مازال يجري بحثها مع القطاع الخاص.
وقال يعقوب "بالطبع القطاع الخاص يريد صفرا بالمائة... أنا واثق من أننا سنتوصل إلى نتيجة فور الاتفاق على الضريبة وستتحسن الشفافية.
ويطالب القطاع الخاص بتخفيض ضريبة الدخل من 35 في المائة إلى 10 في المائة حتى يستطيع تقديم الأرباح الحقيقية للدخل.
وأوضح نائب رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية ورئيس الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة خالد مصطفى أن فرض 35 في المائة ضريبة أرباح تعد نسبة عالية مما تجعل الشركات تتحايل على دفعها بإعادة النظر في القانون.
وكان تقرير تابع لمؤسسة التمويل الدولية صنف اليمن بأنها ضمن إحدى عشر دولة في العالم يبلغ فيها إجمالي الضرائب المدفوعة أكثر من إجمالي الأرباح.
وقال تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الذي تم إعداده برعاية كل من البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية، وهي فرع القطاع الخاص التابعة لمجموعة البنك الدولي أن معدل إجمالي الضرائب للدولة يصل في اليمن 41.6 بالمائة من إجمالي الأرباح.
وعن الحلول قال غالب لا بد من حوكمة الشركات الخاصة الذي سيضمن حقوق المساهمين الكبار أو الأصليين، كما سيضمن للدولة تقديم تقارير حقيقية ذات شفافية من قبل الشركات. إضافة إلى إعادة النظر في قانون الأرباح الحالي.
** برامج دولية للتبسيط الضريبي:
ومع بداية العام 2008 أطلقت مؤسسة التمويل الدولية، ذراع القطاع الخاص لمجموعة البنك الدولي، مبادرة لدعم برنامج تبسيط الضرائب في اليمن في حضور مسؤولين وأعضاء في البرلمان ومجلس النواب وممثلين عن رجال الأعمال اليمنيين.
ويهدف المشروع إلى تنمية المشاركة المسؤولة من قبل القطاعين العام والخاص، وتوسيع القاعدة الضريبية بالامتثال والتقييد وتحسين انخراط الأعمال التجارية في القطاع المنظم، لتخفيف العبء الضريبي وتعزيز الوعي والحصول على معلومات وتقوية النظام والخدمات والمهارات داخل مصلحة الضرائب، والمشاركة الفاعلة من قبل المحاكم الضريبية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام.
ويؤكد رئيس مصلحة الضرائب اليمني أحمد غالب: أن "الحاجة ماسة لتحسين النظام وبناء القدرات وتوسيع مجتمع المكلفين، لزيادة إيرادات الدولة لتتمكن من تقديم خدمات أفضل إلى المجتمع وتشجيع الاستثمار والتنمية الاقتصادية".
كذلك أكد عضو الغرفة التجارية في أمانة العاصمة حسن الكبوس، دعمه عملية الإصلاح. لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أهمية إعداد "رؤية عملية تلاءم الاقتصاد اليمني ولا تشكل عبئاً على المكلف".
وأفاد بيان للبنك الدولي بأنه ينظر إلى عملية إصلاح النظام الضريبي في اليمن على أنها خطوة مهمة باتجاه تحقيق هذا الهدف، بخاصة أن إيرادات الضرائب منخفضة للغاية نسبياً وأن ضريبة الأرباح على الشركات تشكل عبئاً ثقيلاً مقارنة بضريبة الدخل.
ويحتل اليمن حالياً المرتبة 84 من بين 178 دولة ضمن مؤشر السهولة في تسديد الضرائب، و113 ضمن مؤشر ممارسة الأعمال التجارية، بحسب تقرير ممارسة الأعمال 2008 الصادر عن البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية.
وفي إطار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان ترتيبه تاسعاً من بين 17 دولة، واحتلت السعودية أعلى مرتبة في الإقليم، تليها عمان في المرتبة الرابعة والإمارات العربية المتحدة والأردن.
وأوضح البيان أن إدارة الخدمة الاستشارية التابعة للبنك الدولي في مجال تحسين البيئة الاستثمارية "فياز"، تدير برنامجاً في اليمن يركز على تبسيط السياسات الضريبية والعمليات لتقريب النظام الضريبي لأصحاب الأعمال التجارية وتسهيل إدارة النظام من قبل مصلحة الضرائب.
ويهدف البرنامج إلى خفض الوقت والتكلفة للتقيد بالقواعد الضريبية وتوسيع الشبكة الضريبية وتسهيل عملية الدخول إلى القطاع المنظم للمنشآت الصغيرة، وتوفير فرص عمل وتقليص سبل الممارسات الفاسدة.
ويأتي البرنامج بعد الاتفاق في نوفمبر 2007، بين مؤسسة التمويل الدولية ووزارة المال اليمنية والمانحين، وبدعم من وكالة التنمية الدولية البريطانية.
ويؤكد البنك الدولي أن المحرك الأساسي الذي سيقود عملية الإصلاح هي الشراكة القوية بين القطاعين العام والخاص وأصحاب المصلحة الرئيسين.
وتنفذ "فياز"، خدمات متكاملة لتحسين بيئة تمكين الأعمال التجارية في الدول الأعضاء، وتقدم مشورة إلى حكومات الدول النامية، التي في طور التحول في مجال تبسيط الأنظمة وسياسات الاستثمار والترويج للاستثمار، وحول قضايا محددة تهم مناخ الاستثمار في القطاع الصناعي. ونفّذت 760 مشروعاً في العالم خلال عشرين سنة من وجودها.
** أسباب التهرب:
وأرجع عدد من الاقتصاديين التهرب الضريبي إلى أسباب أخلاقية تتمثل في ضعف الوعي الضريبي من خلال اعتقاد الشخص أنه يدفع للدولة أكثر مما يأخذ منها، أو عدم شعوره بما تقدمه له الدولة من خدمات، وشعوره بأنه يستطيع الاستمرار في الانتفاع من خدمات الدولة حتى مع عدم دفع الضريبة؛ وذلك أن دفعها ليس شرطًا للاستفادة من الخدمات العامة.
كما يعتقد بعض المتهربين أن الدولة تُسيئ استخدام الأموال العامة وأنها تضر الجماعة بهذا الشكل وقد يكون السبب في ذلك بعض الاعتبارات التاريخية. إضافة إلى ذلك فإن التشريع الضريبي في كثير من الدول لا تتوافر فيه الشروط التي تبعث على احترام أي قانون وتضفي عليه الهيبة؛ لأنه يتمتع بخصائص تتنافى مع القيم التي تعطي القانون الاحترام والطاعة والعمومية، وعدم وجود عدالة ضريبية بين المكلفين والتوسع في تفسير الاستثناءات دون نص قانوني. وينتج عن ذلك ردود فعل نفسية لدى المكلف تتناسب عكسًا مع الوعي الضريبي والأخلاق المالية.
كما يؤكد البعض أن شعور الفرد بثقل العبء الضريبي عند ارتفاع معدلات الضريبة أو تعدد الضرائب المفروضة على الوعاء نفسه أو شعوره بعدم العدالة في توزيع العبء الضريبي، قد يؤدي به إلى الاعتقاد بظلمها ويدفعه إلى التهرب منها. كما تؤدي القدرة المالية والحالة الاقتصادية العامة للمكلف دورًا كبيرًا في قوة الباعث النفسي لتهربه من الضريبة، فهو يسعى للتهرب أكثر عندما يكون في حالة مالية صعبة.
** طرق التهرب:
بحسب مبادئ فرض الضريبة فإن كل دخل يتحقق من أي نشاط كان ومهما كان حجمه يجب أن يخضع للضريبة، وكل دخل أو جزء لا يخضع للضريبة يعتبر تهرّبا.
ويتخذ التهرب الضريبي عدة أشكال يمكن أن نؤطرها في البنود الرئيسية التالية: منها كتمان النشاط كلياً بحيث لا يصل عنه أي معلومات موثقة للدوائر المالية وبالتالي لا يدفع أية ضرائب على الإطلاق.
إضافة إلى: إخفاء كل ما هو ممكن من رقم الأعمال في جميع بيانات مكلفي ضرائب الأرباح الحقيقية، وهذا يحدث خاصة في النشاطات الداخلية التي لا تدخل فيها الدولة كطرف، ولا تمر هذه النشاطات على أي دائرة حكومية لأي سبب كان.
ومن صور التهرب الضريبي: زيادة النفقات والتكاليف على نحو وهمي حيث يتم زيادة تكاليف المواد والمستلزمات السلعية أو النفقات الإدارية، بقصد تقليص الأرباح الظاهرة وبقصد التعويض عن تكاليف قوة العمل (الأجور) حيث يتم التصريح عن عدد أقل من قوة العمل وسداد ضرائب أجورهم أقل، ويلجأ لهذه الطريقة بخاصة المكلفون بضرائب عقود تنفيذ أعمال للحكومة حيث تتوفر قيمها الحقيقية لدى الدوائر المالية.
كما يعد تهربا ضريبيا كل تخفيض في سعر مبيع السلع والخدمات ما أمكن ذلك (تخفيض الإيرادات)، وسهولة تزوير الفواتير تسهل هذه العملية إلى حد كبير، ويلجأ إلى هذه الطريقة مستوردو السلع حيث الكمية المستوردة موثقة لدى المالية في بياناتهم.
وفي هذا الجانب حذر اقتصاديون من خطورة هذه الخطوات خاصة مع قيام المستوردين بتخفيض أسعار السلع في فواتير الاستيراد من أجل التهرّب الجمركي، بما يزيد عن 20-30 بالمائة من الأسعار الحقيقية، مما يضطرهم لأن يضعوا سعر مبيع لا يزيد كثيراً عن السعر المثبت في فواتير الاستيراد بينما سعر المبيع الحقيقي يزيد بنحو 10-30 بالمائة، أي أن سعر المبيع الحقيقي يزيد بنحو 30-60 بالمائة من سعر فواتير الاستيراد مما يمكن ملاحظته بسهولة من قبل مراقب الدخل بل والتأكد منه.
ومن بين صور التهرب الضريبي تنظيم رخص استيراد بأسماء أشخاص لا علاقة لهم بالتجارة (أقربائهم أو بعض العاملين لديهم) بقصد الاستفادة من المعدلات المخفضة للبعض وبقصد التهرّب من الحصول على براءة ذمة مالية للمستورد نفسه الذي تأخر عن سداد ضرائبه.
ويقول مدير عام الإدارة العامة لكبار المكلفين بمصلحة الضرائب، في كل الأحوال يقدّم هؤلاء المكلفون بيانات ضريبية ملفقة، يعدها لهم محاسبون مؤهلون، بمن فيهم جزء كبير من موظفي الدوائر المالية حيث يعملوا لدى المكلفين كمحاسبين دون أن تظهر أسماؤهم، ثم يقوم محاسبون قانونيون مجازون بإصدار شهادات تصديق لهذه البيانات الضريبية الملفقة وهنا تكتمل الدائرة، بتواطؤ من قبل مختلف أطرافها.
فيما يضيف آخرون إلى صور التهرب الضريبي إن زيارات الاستطلاع لمكلفي ضريبة الدخل المقطوع والتي تشمل هذه الفئة صغار التجار والحرفيين وأصحاب الحوانيت وأصحاب المهن العلمية من أطباء وصيادلة ومهندسين ومحامين ومحاسبين قانونين ومن شابههم نادراً ما تتم ويتم فرض ضريبة وفق أسس غير علمية مما يخلق تمايز غير عادل بين المكلفين ويفسح في المجال أمام تدخلات فاسدة، ونعتقد أن عدد المراقبين في الدوائر المالية لا يكفي للقيام بواجبهم على هذا النحو ولا تتوفر لديهم الوسائط الكافية لذلك.
بالمقابل فإن غالبية دافعي ضرائب الدخل المقطوع يدفعوا ضرائب معتدلة أو منخفضة، مع وجود حالات تكون فيها الضريبية مرتفعة، ومن جهة أخرى يوجد جزء كبير من هؤلاء يدفع أقل بكثير مما يستحق على دخله الحقيقي، وبعض هؤلاء رجال أعمال حقيقيون، ورغم ذلك يسدد بعضهم بضع عشرات آلاف سنوياً كضريبية عن دخل يصل لبضعة ملايين وأكثر، مثلاً أصحاب المحلات في الأسواق الرئيسية في المدن الرئيسية، وأصحاب ورش صناعية وجزء من أصحاب المهن العلمية كالأطباء والمحامون خاصة والعديد من صغار التجّار.
كما يضاف لأشكال التهرّب السابقة التهرب من ضريبة دخل الرواتب والأجور، حيث يقوم أصحاب الأعمال في القطاع الخاص بعدم سداد ضريبية دخل الأجور والرواتب عن معظم العاملين لديهم.
ويعتبر هنا أن المتهرّب هنا هو رب العمل وليس العامل، لأن القرار في ذلك يعود لرب العمل وهدفه من عدم سداد ضريبة دخل الرواتب هو الحصول على يد عاملة أقل تكلفة، وبالمثل نعتبر عدم إشراك العاملين في التأمينات الاجتماعية، وللأسف فإن الدوائر المالية لا تفرض أية رقابة على هذا الموضوع، أما رقابة وزارة الشؤون الاجتماعية فهي شكلية ويشوبها الكثير من الفساد.
كما يقوم المكلفون بتقديم بيانات خاسرة أو بأرباح قليلة لأسباب عديد، منها تأخير دفع الضريبة ما أمكن ربما لعدة سنوات إلى حين قيام الدوائر المالية بمراجعتها وقبولها شكلا" ورفض نتائجها وتكليف المكلف وفق مبدأ التقدير (التكليف المباشر)، وهذا التأخير يتيح للمكلف استعمال مبلغ الضريبة طيلة مدة التأخير.
** التهرب عالميا:
إن تجارب الشعوب بينت أن كل مكّلف سواء في البلدان المتطورة أو النامية يعمل جاهدًا للتخلص من العبء الضريبي بالسبل كافة، ففي الولايات المتحدة الأميركية هناك حوالي 117مليون مواطن يقدمون بشكل اختياري 555 مليار دولار ويوّقعون على اعتراف بأن الكشوف المقدمة صحيحة وكاملة.
ومع ذلك فإن واحدًا من كل 12 من هؤلاء المكلفين الموّقعين على هذه الاعترافات يكذب. وهناك 7 ملايين مكلف آخر لم يهتموا ولم يزعجوا أنفسهم بتقديم كشف.
والمزعج أكثر في ذلك أن معظم المتهربين من الضرائب لا يأخذون عقابهم. وبطبيعة الحال لا أحد يعلم على وجه الدقة مبلغ التهرب الضريبي في الولايات المتحدة الأميركية، غير أن التقديرات تشير إلى مبلغ يقارب 500 مليار دولار عام 2005.
صحيفة السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.