لم يتناول الرحالة والمستشرقون اليمن عبر التاريخ في كتاباتهم الا يمنا واحدا و هذا بحذ ذاته توكيدا واضحا لحقيقة ثابته على الارض و راسخة بين سطور التاريخ ان اليمن واحد سواء في كتابات أهله أو في كتابات غير اهله من الرحالة و المستشرقين . في هذا التقرير نحاول تسليط الضوء على كيفية تعامل المستشرقين والرحالة مع اليمن في كتاباتهم ؟ رحلة شاملة الدكتورعبد العزيز المقالح يقول:" عندما نقرأ ما كتبه الرحالة والمستشرقون الذين زاروا بلادنا في أثناء مرحلة التشطير ندرك أنهم كانوا يحرصون على ان تكون رحلتهم شاملة لليمن الواحد و الا تكتفي بزيارة شطر عن آخر حتى تكون الصورة بالنسبة لهم و للقارئ الذي سيقرأ رحلتهم كاملة غير منقوصة و لا متشظية. و أضاف المقالح: "هذا ما يؤكد وحدة اليمن إسماً وشعباً وتاريخياً، وكم كان حزن بعض الرحالة الذين كانت تتاح لهم فرصة زيارة شطر من اليمن دون ان يتمكنوا من زيارة الشطر الآخر ؛فكانون يعودون بحسرة بالغة حيث لا تكتمل معرفتهم باليمن الواحد الذي لا تشكل جغرافيته وحدها بتضاريسها المتشابهة و مناخاته المتعددة الصورة الواحدة و إنما و قبائله و عاداته وتقاليده فهو البلد الواحد الذي تكون عبر التاريخ في هذه الصورة وصار اسمه منذ فجر التاريخ (اليمن)". مراجعة عميقة من جانبه اعتبر هشام على بن علي هذا السؤال يفتح مجالاَ واسعاً للبحث والتفكير و يحتاج الى مراجعة عميقة للكتابات الاستشراقية عن اليمن .. مؤكداً أن المستشرقين نظروا إلى اليمن الواحد و تتبعوا أثار حضارة اليمن و نقوشها دون الاعتبار لواقع التجزئة الذي كانوا يتعاملون في ظله. وقال :"إن كتابات المستشرقين عن اليمن تحددت في أطار عام تمثل في العربية الجنوبية أو العربية السعيدة كما اسماها اليونانيون في وقت لاحق، و أن البحث كان يتمثل في جنوب الجزيرة العربية و يشمل اليمن كلها وامتداداتهانحو الشمال و الشرق و هي تقريباً الامتدادات التاريخية لحضارات اليمن القديمة". و اضاف " ونلاحظ أن عدن كانت مدخلاً ضرورياً لعبورهم إلى اليمن كلها، منذ المرحلة الأولى التي عرفت برحلة نيبور وحتى الرحلات الأخيرة في النصف الأول من القرن العشرين. و لفت هشام وهو وكيل وزارة الثقافة لقطاع المصنفات والملكية الفكرية إلى اهتمام المستشرقين في دراساتهم لليمن، بالدراسات الآثارية والتاريخية و النقوش،و تتبعهم مواقعها في كل مناطق اليمن بصرف النظرعن النظامين الشطرين اللذين كانا قائمين في القرنين الماضيين..منوهاً بأن البحث الأثري في بدايته كان يتركز في صحراء صيدا عند اطراف الربع الخالي والتي تمتد بين حضرموتوشبوة ومأرب والجوف، فضلاًَ عن مجال دراسة اللغة اليمنية القديمة في النقوش الاثرية لكثيراً من المستشرقين الألمان والفرنسين والانجليز والإيطاليين والتي ركزت في دراستها على اساس حضارة اليمن كلها. منوهاً بما تكشفه مذكرات بعض المستشرقين وكيف تنقلوا في هذه المواقع ،في رحلات أقرب إلى المغامرات في المجهول، ومنها على سبيل المثال الباحث الآثاري الامريكي وندر فيليبس الذي جاء الى اليمن في النصف الأول من القرن العشرين و جمع كثيراً من الأثار و النقوش، نقل كثيراً منهاالى موطنه وقد تحدث في كتابه " كنوز ملكة سبأ" عن رحلاته في هذه المواقع التاريخية.. و اضاف: " وفي كتاب "اكتشاف جزيرة العرب " للباحثة الأثارية الفرنسية جاكلين بيرين،وهي من رواد العمل الآثاري في اليمن تذكر الباحثة عملها في اليمن لاكتشاف اثارها ونقوشها ونلاحظ من عنوان الكتاب انها تعمل في أطار الجزيرة العربية كلها وتركز اهتمامها على اليمن. و اشار الى الندوات الفكرية العالمية التي أنعقدت في بيت الشاعر رامبو بعدن ، وشارك فيها عدد من المفكرين والشعراء والمستشرقين،منذعام1990 قبلالوحدة بأشهر،وتكررت في الأعوام الخمسة التالية وكانت الوحدة ليمنية محوراً اساسياً في تلك الندوات و التي ناقشت قضايا الشعر والحضارة والشرق والغرب. وتابع " كذلك كان ملتقى الشعر العربي الألماني مناسبة عالمية لحوارات فكرية حول الشعر و الديمقراطية والوحدة ، وملتقى حوار الثقافات الذي شارك فيه الكاتب الألماني غونتر غراس و عدد كبير من الأدباء المفكرين من مناطق مختلفة في العالم . مؤكداً بأن هذه المؤتمرات والندوات العالمية كانت فيها الوحدة اليمنية هي المحور المسيطر ليس على الجلسات الرسمية و حسب، وانما علي مستوى النقاشات التي تجرى على هامش المؤتمرات، فقد كانت تجربة الوحدة اليمنية و نجاحها غالبه على المناقشات، و كانت مادة لكثير من الكتابات اللاحقة، بعد العودة من اليمن. و قال" أقدم مقترحاً ربما مفيداً للإجابة على مثل هذا السؤال وهو القيام بجمع ما كتب عن اليمن والوحدة وترجمتها وجمعها في كتاب واحد ربما أكثر من كتاب، وجمع الدراسات الأستشراقية عن اليمن ونبدأ بدراستها وتحليها، وكذلك جمع كتابات الإداريين الإنجليز عن عدن و اليمن في مرحلة الاستعمار و نقوم بدراستها تحليلها، وهذا إتجاة سائد في عالم اليوم لاسيما في البلدان التي تعرضت للإستعمار مثل الهند وغيرها، حيث ظهرت الدراسات الكريوفيالية التي تعيد قراءة الكتابات الاستعمارية في اطار ما سمي ب تصفية استعمار العقل". و استطرد : نحن بحاجة الى مثل هذا العمل وأخشى أن اقول أن ما نشهده اليوم من دعوات للانفصال هي نتاج لتلك العقلية الاستعمارية التي لم تتحرر من آثارها فعلياً، أي اننا لم نقم بتصفية العقل من الاستعمار وتحريره من كل أثر تاريخي أو ايديولوجي. فيما يقول كمال البرتاني:" لقد تطرق المستشرقون والرحالة في نهاية القرن التاسع عشر وعلى مدى القرن العشرين إلى الوحدة بصورة غير مباشرة وذلك من خلال تناولهم الأوضاع الاقتصادية في اليمن و أي حديث عن الوضع الاقتصادي في أي إقليم يطرح مسئلة التكامل و التعاون الاقتصادي، خاصة وان اليمن يتنوع انتاجه الزراعي بتنوع جغرافيته ومناخة المتعدد فهو يزرع نباتات لا تُزرع الا على حوض البحر المتوسط، والمناطق السحراوية والاستوائية والحارة. و تابع مدير مكتب الثقافة بامانة العاصمة كمال البرتاني : وبتناولهم مسألة التكامل الاقتصادي الذي كانت تعوقه دائماً الحروب القبلية والثأرات الموجودة على مستوى القبيلة وعلى مستوى المنطقة وكان لحل هذه الأوضاع وايجاد اقتصاد قوي متماسك هو وقف تلك النزاعات والحروب التي لها اكثر من مبرر إمابإسم الولاء لدولة معينة أو بإسم النضال ضد المستعمر، و احيانا باسم حق تارخي سلالي ومناطقي. التكامل والتعاون مشيراً إلى أن كل هذه الأوضاع التي رأي الرحالة أمثال عبد العزيز الثعالبي ، زيه مؤيد العظم ، و أمين الريحاني " أن الحل في التكامل والتعاون الاقتصادي بين اليمنيين في الشطرين يعني الوحدة بطريقة غير مباشرة، سيما وانهم كانوا يؤكدون في كتاباتهم على ضرورة الوحدة اليمنية باعتبارها قوة للعرب. و لفت الى أن أكثر الرحالة العرب الذين تطرقوا الى مسألة الوحدة اليمنية قد يكونوا: الأديب والفيلسوف اللبناني امين الريحاني الذي زار اليمن قادماً من الولاياتالمتحدةالأمريكية و دخل عدن في عشرينيات القرن الماضي والذي يروي معاناته حينما طلب من السلطات البريطانية السماح له بدخوله الأراضي اليمنية و التي رفضت في بداية الأمر بحجة خوفهم عليه كونه يحمل الجنسية الأمريكية و كان مصدر هذا الخوف أنه سيدخل بلداً مجزءاً ومقسماً ومشتتاً ومتخلفاً، ولا مأمن لرجل قادم من العالم المتحضر فيه. دون اي اعتبارات الباحث والأديب زيد الفقيه هو الأخر يؤكد تناول المستشرقين في ابحاثهم ودراساتهم الأثرية لكثير من المناطق اليمنية في منتصف القرن العشرين دون أي اعتبارات لأي تقسيمات عرفها اليمن انذاك .. المستشرق البريطاني روبرت سرجنت تحدث عن الملامح البشرية في اليمن والتداخل بين المناطق اليمنية بصورة عامة شملت مختلف محافظات الجمهورية ولم يفرق بين اليمنيين في حديثه حسب زيد الفقيه. فيما المستشرق البريطاني اندرسون بالكويل تحدث عن الموسيقى اليمنية وبالتحديد عن آلات العزف الوترية في منطقة الساحل اليمني وتشابه العزف والرقص والحركات الراقصة، والذي يقول ايضاً ان رجال القبائل يعزفون الآلات الوترية لكنهم يترفعون عن التطبيل ..فيما المستشرق الفرنسي بننيفال يتحدث عن العادات والتقاليد في اليمن وتشابهها بين مختلف المدن اليمنية الشرقية والجنوبية والشمالية وخاصة المناطق الساحلية في اليمن بشكل عام..وكذا المشتشرق آنفريد هيهماير يتحدث عن تشابه انظمة الري بمدينة زبيد ومدينة يافع وجانب من شبوة من خلال الابحاث الاثرية في المدينتين وكل تلك الكتابات التي تؤكد مدى قناعات المتسشرق". 25