أكد المهندس هشام شرف وكيل وزارة التخطيط لقطاع التعاون الدولي أن الأزمة المالية لم تؤثر على المنح والتعهدات المقدمة لليمن. وأضاف شرف في حوار مع "السياسية" أن الأزمة أتت واليمن في وضع إدارة بطيئة للموارد والقروض التي لم تُستغل ما هو متوفِّر من تسهيلات ومبالغ مالية من هذه الدول حتى يتسنى طلب مبالغ أخرى. وعن توصيات الاتحاد الأوربي الأخيرة المتمثلة بمطالبة الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية وتخفيض موظفي الدولة بنسبة النصف أو الثلث، قال شرف إن مثل هذه الأمور تؤخذ كتمارين يناقش فيها كل البدائل والأطروحات، تقوم الحكومة بدراستها وتحديد سلبياتها وايجابياتها لتأخذ ما يتوافق مع رؤيتها الوطنية واضعة في الاعتبار الاستقرار السياسي والاقتصادي وظروف المعيشة في البلد. واعتبر شرف أن تأهيل اليمن للاندماج في مجلس التعاون الخليجي أمر يتطلب وجود فريق تفاوضي يمني كما هو حاصل في فريق تفاوض الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، مشيرا إلى ضرورة أن تكون هناك رؤية يمنية واضحة، ماذا نريد؟ وكيف نحقق ما نريد؟ كما أكد شرف موقف الدول المانحة والمنظمات الدولية الداعم للوحدة اليمنية، وتحدث عن سُبل مكافحة الفساد والخطط الحكومية للاستثمار وتصدير العمالة وعدد من القضايا، فإلى نص الحوار: * في البداية، نود أن تحدثونا عن قرار الإتحاد الأوربي إشراك اليمن في مشروع بناء الدولة والاستفادة من برامجه، إضافة إلى خمس دول أخرى تم اختيارها على مستوى العالم؟ - مثل هذا القرار يأتي في إطار المشاركة مع المجتمع الدولي في العديد من الأنشطة والجهود التي تؤدي فعلا إلى قيام نظام سياسي يأخذ في الاعتبار المتطلبات المحلية والدولية، عند ما يأتي الاتحاد الأوربي ويتشاور مع الجانب اليمني حول إشراك اليمن في هذا البرنامج يقصد إشراك اليمن في منظومة دولية، حيث تكون اليمن إحدى الدول المشاركة في صنع القرار الإقليمي والدولي؛ نظرا للأهمية السياسية والأمنية لموقع اليمن وشعبه. * ماذا عن وثيقة الاتحاد الأوربي التي تناقلتها مؤخرا وسائل الإعلام والمتمثلة بمطالبة الاتحاد في توصيات للحكومة اليمنية برفع الدعم عن المشتقات النفطية وتخفيض موظفي الدولة بنسبة النصف أو الثلث؟ - تؤخذ مثل هذه الأمور في محادثاتنا مع الاتحاد الأوربي والتقارير الدولية من باب التشاور وكتمرين يستفيد الجانب اليمني منه ويتعامل معه بمرونة، أنت عند ما تقوم بتمرين أو حوار اقتصادي أو سياسي تفتح الأبواب لكل البدائل والأطروحات من الصفر إلى المائة، فيمكن تناقش مثل هذه الأطروحات أو المقترحات، لكن الأساس الذي ننطلق منه أن هناك سياسة يمنية داخلية تأخذ بالضرورة المعطيات الداخلية اليمنية، نحن كحكومة يمنية لدينا أرقامنا وتوقعاتنا، بالتالي ما طرحه الاتحاد الدولي يدرس ويرى ما هي أولوياته وسلبياته وايجابياته، ويتم التعامل معه بما يتوافق مع رؤية وطنية تأخذ في الاعتبار الاستقرار السياسي والاقتصادي وظروف المعيشة في البلد. * وفق أي قاعدة ترتكز عليها وثيقة الاتحاد الأوربي وبعض التقارير الدولية الأخرى لتصل إلى مثل هذه النتائج؟ - ما طُرح في المبادرة أو الدراسة التي خرجت في اللقاء مع الخبير الأوربي وما يطرح في تقارير أخرى لا تؤخذ فيه بعض الجوانب السياسية بعين الاعتبار، فيتم التركيز فقط على نقطة ماذا ستكون اليمن في السنة أو السنوات القادمة، أيضا يؤخذ الوضع الراهن كقياس للوصول إلى نتائجها كما جاءت هذه التوصيات. فاستقراء المستقبل على ضوء الظروف الحالية وما هو حاصل من بعض التحركات أو المشاكل السياسية أو الاقتصادية أو المالية لا تعطي بالضرورة أي صورة استشرافية عن الجمهورية اليمنية. مثلا قبل هذه الورشة كان لنا لقاء مع الخبير الذي قام بدراسة توقعات عن وضع اليمن بعد حوالي خمس سنوات /اليمن 2015/، وطرحت ثلاثة سيناريوهات وللأسف استنتاجات هذه السيناريوهات من قاعدة ما هو حاصل الآن دون الأخذ في الاعتبار ما كانت عليه اليمن، والحمد لله كانت الأوضاع جيِّدة قبل أحداث سبتمبر وقبل قيام القاعدة بعمليات في اليمن، وتأثيراتها، وقبل الأزمة المالية العالمية، الأمر الذي أحذِّر منه أنه لا يجب أن نأخذ من العام الماضي وهذا العام أو حتى العام القادم أسسا لعكس صورة مستقبلية استراتيجية لما ستكون عليه اليمن، أنا أريد لمن يرسم صورة لليمن كدولة وشعب وإدارة حكومية وقيادة لاستشراف مستقبل اليمن خلال الخمس أو العشر السنوات القادمة أن يعود إلى ما كانت عليه اليمن خلال العشر السنوات الماضية، والتي كانت فترة تحدي وورشة عمل مثلت طور ازدهار، خاصة عند ما تحسنت علاقتنا كثيرا مع الولاياتالمتحدة ومع العديد من الدول الأوربية، حين ارتقت علاقاتنا إلى مستويات أكبر مع الأشقاء الخليجيين بفضل التحركات والزيارات التي قام بها فخامة رئيس الجمهورية ولقاءاته العديدة داخليا وخارجيا. كان هناك زخم كبير جهّز اليمن لمؤتمر المانحين في لندن, بذلك العزم والقُوة بدأنا في العمل نحو فترة بناء وتنمية يدعمها الأمن والاستقرار الذي يعمل الجميع من أجله، حدثت بعد ذلك مفارقات تمثلت في زيادة الأنشطة الإرهابية ثم جاءت الأزمة المالية تلاها بعض الأحداث في المحافظات الجنوبية, لكننا ما زلنا نتعامل مع هذه الظروف بعزم وقوة، وهدفنا من ذلك استمرار عجلة البناء والتنمية والحفاظ على مكتسبات الوحدة وثورتي سبتمبر وأكتوبر. فتقرير الاتحاد الأوربي الأخير رسم من خلال مؤشرات فترة زمنية بسيطة والتي هي سنتان ماضية وأخرى قادمة، في ظل أزمة مالية واقتصادية واستغفل كل إمكانات الحكومة اليمنية. فلو نظرنا كمثال بسيط إلى الجهود المستقبلية التي تقوم بها الحكومة لرفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا لوجدنا الكثير، فنحن نقوم بالعمل في مشروع الغاز منذ سنوات والاستفادة منه قريبة وكبيرة, وجهّزنا العديد من البلوكات النفطية للاستكشاف, ونقوم بنشاط كبير للشراكة في البحث عن المعادن وفي الوقت نفسه هناك أبحاث في البحر لاستكشاف النفط مع عمل حثيث جدا لتطوير مُدن الموانئ، وأولها ميناء عدن، والمنطقة الحرة، إضافة إلى مفاهيم وترتيبات جديدة لتحسين الإدارة من خلال كوادر وطنية مؤهلة في الداخل والخارج. يعني استقراءاتنا المستقبلية تبشِّر بخير وليست سوداء كما يراها الآخرون، مشكلتنا أننا بالذات في كل من يعارض أو من له وجهة نظر مختلفة نسمع ما يقوله الآخرون، وخصوصا الأجانب ونعتقد أنها شيء مُسلم به أو سيقع، أنا ضد هذا التوجه، اليمن وجدت لتبقى, البعض فهم بطريقة خاطئة أن اليمن إذا ما نقصت المساعدات من الخارج سوف يتحول إلى صومال جديد, هذا الكلام غير صحيح وغير منطقي وغير عقلاني لسبب بسيط؛ اليمن دولة وشعب وتاريخ وعمرها طويل وسيستمر. برغم الفقر والجوع والجهل استطاعت أن تتجاوز كل المحن والأزمات على مدى التاريخ المعاصر، فلو رسمنا خطة عن مستقبل اليمن بهذه الطريقة الأوربية خاصة عند ما حدثت مواجهات 94 ضد الانفصاليين، وما تلاها من نتائج مالية واقتصادية واعتمدنا هذا المنهج كقاعدة كانت النتيجة الحتمية أننا سننتهي إلى عدّة دول, ويكون هناك انهيار على كل المستويات، لكننا تجاوزناها وتفوقنا بعدها وظهرنا لدى الآخرين كمجتمع ونظام قادر على التحدي وتجاوز الأزمات. ولو قُمنا بمقارنة بسيطة بين 94 و2009 سنجد أن تأثير الأزمة الآن بسيط، فما كان موجودا في ذلك الوقت مثّل تهديدا حقيقيا لانهيار النظام السياسي والاقتصادي وتجاوزناه، أما ما هو موجود الآن فنحن أقوى منه بكثير، ولدينا العديد من الخيارات, لكن هناك من يحاول أن يخوفنا ويهول الصورة وربما يفرض علينا بدائل ليست محل بحث على الإطلاق. أنا أقول إن اليمن من الدول التي لها باع طويل في إدارة الحكم والتعامل مع الأزمات والمشاركة والتشاور وتحظى قيادتها بسمعة جيدة لدى الأشقاء والأصدقاء. * لكن ذلك لا يعني أن ليس لدينا مشاكل اقتصادية واجتماعية وبطالة وأعباء في الكادر الوظيفي للدولة؟ وهي الأمور التي نتلقى المنح والقروض من خلالها؟ -بالتأكيد، لدينا مشاكل مالية، عندنا انخفاض في أسعار النفط، عندنا مشاكل في حجم الخدمة المدنية، لكن التعامل مع هذه المشاكل يتم وفق روية وطنية وليس من خلال استقراءات أجنبية أو مفروضة. نتعامل مع موضوع الدعم "نعم", والذي من غير المعقول أن يستمر إلى ما لا نهاية، نسعى باستمرار إلى توجيه هذا الدعم إلى الشرائح الفقيرة والمتوسطة ونسعى إلى توقيف التهريب للمواد والمشتقات النفطية، وتوقيف الاستخدام غير المبرر للتسهيلات النفطية، ونعمل في الوقت نفسه لتهيئة الجو الاقتصادي لمزيد من الأنشطة الاستثمارية. عندما نتكلم عن الخدمة المدنية، نحن نتكلم عن كادر وظيفي غير ضخم كما يصوَّر من قبل البعض مقارنة بدول أخرى كثيرة، لكن في الوقت نفسه هذه أعباء ترتبت على موضوع أكبر هو الوحدة اليمنية، وظروف سياسية فرضت علينا أن نقبل عددا كبيرا في الخدمة المدنية آنذاك، وهو عبارة عن نوع من أنواع الضمان الاجتماعي شئنا أم أبينا، وهذا الموضوع موجود في دول كثيرة، فمثلا الولاياتالمتحدة لديها برنامج ضمان اجتماعي كبير، وحاليا أربعة ملايين ونصف عاطل عن العمل الآن يستلمون دعما من الحكومة الأميركية، ونحن نتعامل مع هذا الوضع في إطار إمكانياتنا. فنحن لا نوظف كثيرا، وبالمقابل نُقاعد من وصلوا إلى سن التقاعد، فمنذ عدّة سنوات لا نوظِّف إلا 18 ألفا أو 20 ألفا, وتجاوزنا ما كان يحصل في السابق، عند ما كان التوظيف يصل إلى أرقام كبيرة جدا. لا نقول إنه لا يوجد مشاكل بالتأكيد هناك مشاكل، لكن قدرتنا على إدارة الأزمات والمشاكل واستقراء طرق للخروج بنتائج مرضية هي أفضل من قبل على المستوى الداخلي و الخارجي. * ما انعكاسات المتغيِّرات الاقتصادية العالمية المتمثلة في الأزمة المالية على المنح والقروض والاستثمارات المقدّمة لليمن؟ - لم تؤثر الأزمة المالية على المنح والتعهدات المقدّمة لليمن؛ كونها تتم من خلال ارتباطات وترتيبات وبرامج مع شركائنا في التنمية. واليمن مؤهلة للاستفادة من كل التمويلات المتاحة. فغير صحيح أن الأزمة المالية ستؤدي إلى تقليص المبالغ التي نحن بحاجة لها للتنمية لكن بشرط استخدام واستثمار ما هو موجود، الأزمة أثرت على بنوك ومؤسسات عقارية تمويلية ولم تؤثر على دول بذاتها في علاقاتها بنا, ولكن المؤشرات من تلك الدول أننا يجب أن نحسن إدارة ما هو متاح لدينا. ألمانيا منحتنا حوالي 75 مليون يورو لعام 2009، بريطانيا ما زالت تفي بالتزاماتها، وكذلك فرنسا وغيرها من الدول، كذلك الأمر نفسه بالنسبة للصناديق التي لم تتأثر بالأزمة؛ لأنها تشتغل بطريقة تجارية. اليمن لم ولن يتأثر بانعكاسات الأزمة المالية فيما يتعلق بعلاقتها مع المانحين والصناديق طالما وهناك إدارة صحيحة وسليمة للموارد المتاحة انطلاقا نحو طلب مبالغ جديدة. عجلة التنمية والإقراض لن تتوقف في العالم، فعلى سبيل المثال: قبل أسابيع تقدّمت ايطاليا لليمن بعرض لإعطائها مبلغا يتراوح ما بين خمسين أو ستين مليون يورو؛ لخفر السواحل، هذا مؤشر على أن عجلة الإقراض للتنمية لن تتوقف، لكن تبقى مؤشرات الدول بشكل إيجابي كقدرتها لاستخدام ما لديها. كما أن اليمن لن تتأثر؛ لأن الاحتياجات تنموية وليست كمالية أو عقارية، وهذا يتم التعامل معه كأولوية. - يتوازن مع ذلك موضوع الاستثمار نحن لدينا برنامج استثماري كبير جدا بعد مؤتمر الفرص الاستثمارية وبعد اللقاء مع كثير من الدول ومعظم الدول، التي دخلوا معنا في ارتباطات تنموية استثمارية كان أسباب تأخرهم فترة بسيطة من الزمن عبارة عن إعادة حساب ليس إلا. فالعديد من الدول والمنظمات والهيئات بعد الأزمة المالية قامت بإعادة تشكيل سياسات، لكنها لم تتخلَ عن إستراتيجيتها طويلة المدى، فكل ما لدينا من استثمارات عقارية أو صناعية أو في المنطقة الحرة هي استثمارات إستراتيجية بما معناه أنه لن تتغيّر أو تتأثر لكن يُعاد أحيانا ترتيب السياسات كنوع من التعامل مع الأحداث. * تعيب بعض التقارير على اليمن عدم الاستخدام الأمثل للمنح والقروض وتعثّر عدد من المشاريع؟ - أتت الأزمة وما قبلها ونحن في وضع إدارة بطيئة وغير فعّالة للموارد والقروض التي لم تستغل بالفعل، وكذا ما هو متوفر من تسهيلات مالية من هذه الدول. لدينا مبلغ 2, 3 مليار دولار، تم التعهد به أثناء مؤتمر لندن للمانحين، والذي كان يفترض أن يتم استيعاب واستغلاله بشكل سليم وسريع، لنثبت للآخرين أننا نحتاج أضعاف أضعاف هذا المبلغ. لكن كان التحرك بطيئا، ولم تكن هناك إدارة فعّالة وعمل مشترك من الجميع لهذه الموارد رغم التوجيهات العليا المتكررة بالاستفادة من هذه المبالغ. نحاول الآن عبر خطط واستراتيجيات وعمل مشترك استغلال هذا المبلغ بشكل منظّم وسريع قبل طلب أي مبالغ أخرى؛ لأنه سيأتي من يقول لنا استنفدوا المبلغ السابق أولا، وقدِّموا رؤية لعمل متكامل يضم أولويات اليمن للعشر السنوات القادمة من خلال إدارة يمنية، تستفيد من تجارب ناجحة في المنطقة والإقليم. * كيف تقيِّمون ما تم انجازه على صعيد تأهيل اليمن للاندماج في مجلس التعاون الخليجي؟ وما هي خططكم المستقبلية لتأهيل الاقتصاد اليمني للاندماج في اقتصاديات دول مجلس التعاون؟ - على المستوى السياسي، نستطيع القول إنه أكثر من ممتاز، والفضل يعود بالمقام الأول لتحركات فخامة رئيس الجمهورية المستمرة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، والتي مثلت القوة الدافعة نحو عودة هذا المسار من جديد، فالعلاقة القويّة جدا بين فخامة الرئيس والقيادات السياسية الخليجية هي الدافع الكبير والمحرك الرئيسي للموضوع، فالتقييم السياسي جيّد. اقتصاديا، موقف الدول الخليجية في مؤتمر لندن كان موقفا قويا جدا، وشجعنا أن نتحرك في الاتجاه الصحيح، لكن التفاوت الكبير بين مستويات اقتصاديات دول المجلس والاقتصاد في اليمن أمر يتطلب إرادة قويّة لتأهيل اليمن للانضمام لمجلس التعاون، لا يعني ذلك أننا لا نسير بنجاح، ولو بخطوات بطيئة بعض الشيء عبر الاستفادة من الإمكانات التمويلية الكبيرة المتاحة لدول الخليج في ظل وجود برامج وخطط واضحة لنا، ووجود كوادر وأطقم قادرة على تنفيذ هذه السياسات في ظل تجاوب الأشقاء. لكن الأمر أكبر من ذلك، فموضوع تأهيل اليمن اقتصاديا يتطلب في المقام الأول وجود فريق تفاوضي يمني بمهارات عالية ومتجانسة تجمع الأكفاء، كما هو حاصل في فريق تفاوض الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، بدءا من التخطيط والتعاون إلى الخارجية إلى الشؤون الاجتماعية إلى التجارة، وكل ذوي العلاقة، لكن إلى الآن ليس هناك فريق تفاوض بهذه المواصفات. وما حصل من لقاءات فنية كانت عبارة عن زيارات ومشاورات مع الإخوة في الأمانة العامة، لكن دون رؤى واضحة المعالم، لا بُد أيضا من التركيز على التنسيق الثنائي مع الدول، كمقدمة للتنسيق مع المجلس. فالدخول في تجمّع اقتصادي وسياسي عملية ليست بالسهلة؛ باعتبار أن مثل هذا الموضوع سيأخذ سنوات من التفاوض. وبالنسبة للانضمام اقتصاديا فيجب أن تترجم الرؤية التي تكونت بعد لقاءات فخامة الرئيس بالقيادات الخليجية عبر الفريق التفاوضي إلى برامج اقتصادية لها خبراؤها، ولا يجب حصر ذلك في وزارة أو وزارتين. التخطيط عبارة عن منسق للتعاون الاقتصادي والفني والدعم مع العالم، لكن عند ما يتعلق الموضوع بتجمّع خليجي يجب أن يشمل ذلك كل الجهات ذات العلاقة، والقيادة السياسة يجب أن تقود هذا الأمر. لكننا نؤكد أن الوضع القائم جيّد والإشارات القادمة من الدول الخليجية خضراء، لكن يجب أن تكون هناك رؤية يمنية واضحة، ماذا نريد؟ وكيف نحقق ما نريد؟ وكيف نتعامل معهم؟ وتكون هناك بدائل وخيارات عديدة. * ماذا عن موضوع تصدير العمالة اليمنية لدول المجلس، تحديدا بعد إعلان فخامة الرئيس؟ - في البداية، أكرر أن وجود فخامة رئيس الجمهورية وتدخله باستمرار هو ما يضع اليمن مجددا في مقام ووضع خاص، ومنها موضوع العمالة الذي يشكر عليه الأشقاء، وهو يضع اليمن في الوضع الصحيح للاستفادة من الإمكانات المتاحة لدول الخليج، بالرغم من أن هناك عمالة من دول أخرى عانت جراء الأزمة المالية، كما نرى في التقارير. الأمر الذي يتطلب منا رؤية واضحة من خلال خطة معدّة تهدف في المقام الأول لاستخدام الإمكانيات المتاحة من معاهد تدريب مهني، معاهد فنية، في تأهيل عمالنا، وفي زيادة مستوى هؤلاء الذي يسافرون لدول الخليج، وتحديد ماذا تحتاج اليمن، وماذا نصدِّر من عماله، كأي سلعة تصدِّر لعائد اقتصادي، فالخطة الموضوعة تسعى إلى الإيفاء بالحاجة المحلية وإعداد الكوادر المؤهلة التي ستجد سوقا في الخليج، وأنا أعتقد أن بإمكاننا من خلال الإمكانيات الموجودة والمعاهد المهنية والفنية أن نصدِّر عمالة لدول الخليج وغيرها. الأمر الثاني هناك إمكانات تدريب في دول الخليج تفوق إمكانات اليمن، بالتالي سيكون في الخطة بحث موضوع كيفية الاستفادة من الإمكانات التدريبية في المعاهد الخليجية، هناك مثلا دولة الإمارات العربية لها طاقة كبيرة جدا في هذا المجال، فيمكن أن نقيم ترتيبات خلال المستقبل القريب، ونرسل كوادر لتتأهل هناك ويتم إعدادها لاحتياجات تخدم الدول التي تساهم في مثل هذا التدريب. * هل من تأثر لتعاملكم مع الدول والمنظمات المانحة بما يحدث مؤخرا على الساحة اليمنية من دعوات انفصالية متطرفة؟ وكيف ينظرون إلى مثل هذا الأمر؟ - أولا أؤكد أن عمل المنظمات الدولية والإقليمية يستلزم وجود يمن واحد، وهم ينظرون له من منظور اقتصادي، مبدأ اقتصادي يقوم على توحيد الجهود نحو كيان محدد ومتكامل، فليس هناك أي منظمة في العالم تحبّذ أن تشتغل في القُطر نفسه في مكانين، وبموارد مزدوجة. العالم يتعامل مع دولة اسمها "الجمهورية اليمنية"، وما هو حاصل من دعوات انفصالية لا دخل لها بتعاملنا التنموي والتمويلي مع شركائنا في التنمية. وعمل كل المنظمات يجري بشفافية ووضوح، وأؤكد أنه ليس هناك منظمات قامت بأي عمل يتعارض مع النظام والقانون. هم يدركون أن ما يحصل الآن من مشاكل يحصل في كثير من البلدان. فالمظاهرات تحدث في ألمانياوالولاياتالمتحدة وأميركا الجنوبية وغيرها, فمن يأخذ مثل هذه المظاهرات بمظهر تحسس أو يبدأ في الخشية منها على الوحدة أو على تعاملنا مع العالم فهو لم ينامْ جيدا, ويسعى إلى تكبير الموضوع في خياله، ليس إلا. - وبالتالي، تعاملنا كما هو ولن يتأثر، فكل المنظمات والدول تحب أن ترى يمنا موحدا، والسبب المصادر الاقتصادية بل السياسة والاقتصاد مع بعض. فالسياسة هي التي تسبق الاقتصاد في تهيئة الأرضية المناسبة للعمل، وسياستنا مع كل هذه الدول تظهر اليمن كإحدى الدول القليلة في المنطقة التي تمتاز بانفتاح سياسي وديمقراطي، فحين تقرأ أي صحيفة تعرف كل ما يحدث في البلد. لكن تبقى الوحدة خطا غير مقبول للتجاوز، ومن تجاوز هذا الخط كمساومة فسوف يحترق. نلتقي بالمنظمات غير الحكومية كل ثلاثة أشهر في اجتماعات عامة تطرح كل منظمة ما يخصها، شكواهم الوحيدة كانت أن مناخ عدم الاستقرار في بعض المحافظات منعهم من التحرك من محافظة إلى أخرى، ونحن نخاف من الخطر على حياة بعضهم عند تحركهم دون تنسيق، وليس الخوف من أي نشاط يقومون به، فنشاطهم معروف من خلال الاتفاقية الموقّعة، وإذا أخل أي منهم بالاتفاقات يتم تحذيره للتجاوز أو يترك البلد بسلام، حسب الاتفاق الموقّع معه. وهذا حاصل في كل البلدان، في الأردن مصر والسودان وفي أوربا والولاياتالمتحدة الأميركية. * ما يزال هناك لغط عند الحديث عن الجهود الحكومية في مكافحة الفساد، أن ما تقوم به لا يتعدى التنظير، أي أنه لا يوجد إلى الآن إجراءات فعّالة لمعالجة والحد من هذه الظاهرة على وجه التحديد في المناقصات والمشاريع الاستثمارية، فماذا تقولون؟ - الجمهورية اليمنية منذ فترة طويلة وهي تحارب الفساد، بدأنا الآن بمكافحة الفساد، وأنشئت اللجنة العُليا لمكافحة الفساد لتعمل على مؤسسية مكافحة الفساد، ورصد ظواهره، وأماكنه، لكن بعض الدول تتوقع منا نتائج باهرة في سنة أو سنتين، وكأن الموضوع عبارة عن مضاد حيوي يؤخذ ويقضي على المرض، لكننا نقول إنها عملية قد تأخذ سنوات طويلة جدا، وعند ما يتحدث البعض أن الفساد في اليمن تغلغل وأصبحت الدولة فيها فساد كامل, هذا الكلام غير صحيح واعتباطي، وقد يقصد به تنبيه لمحاولة الحد منه، كما أن المشاكل الاقتصادية والظروف الاقتصادية تجعل من القضاء على الفساد تحديا صعبا لا بُد من التعامل معه بشكل مؤسسي وعلى عدّة جبهات. الفساد الحاصل في اليمن محدود، ومن يتكلم عن أن هناك عمولات فساد في مناقصات من المنح أو القروض فهذا الكلام غير صحيح، بالعكس تتم مناقصات، وتأتي التمويلات بإشراف من الدول التي تقدمها، كل حساباتنا تمر عبر بنوك وطرق رسمية وعبر سفارات، بالتالي كان الوضع كذلك من فترة طويلة حتى قبل إنشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد. كانت الحسابات مطروحة للكل وبشفافية كاملة لم تكن هناك أي حسابات سرية، ما حصل في فترة من الفترات هو تأخير إنزال المشاريع وتأخير المناقصات, فتأخير إنشاء المشروع في الفترة الزمنية المحددة له للاستفادة منه، نعم، نقول: إن هذا فساد, بما معناه أن عامل الوقت هو عامل مال، يعني إذا لدينا مشروع كان مفروضا أن ينفذ في ثلاث سنوات، ونفذ في ست سنوات، يصبح هنا فساد، ليس عبر سرقة المال العام، لكنه فساد يتمثل في سوء الإدارة الذي حصل وحرمان البلد من هذه الموارد في الأوقات المحددة، ومن عائدات المشاريع، فهذه الدول والتقارير تتكلم عن هذا الموضوع في ناحية التنمية، كيف أن هناك بطئا في عملية الاستفادة من الإمكانيات المتاحة، وبالتالي تخسر البلد بالمقابل ما يوازي مبالغ ضخمة. اليمن كأي دولة في العالم، هناك جوانب فساد فيها، لكن لا يتوقع البعض أن يتم معالجته بسرعة شديدة، حيث وهي عملية مستمرة, ونأتي إلى مربط الفرس في الموضوع، والمتمثل في التربية، إذا بدأنا بالتركيز على مكافحه أسباب الفساد وظواهره في المدارس، وأدرجت في المناهج، وأساليب التعامل مع الطلاب لنصل إلى سلوك عام، يعرف ما مدى سوء الفساد على بناء اليمن وتقدّمه، لا تنمية بدون تربية, ومشكلتنا أن منهج التربية والمدرسين والمناخ الدراسي تأثر بعدد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فأصبح التفاؤل مفقودا بنسبة كبيرة, وأنا أكرر لا بُد أن يغرس التفاؤل وحب الوطن وحب الوحدة لدى الجميع، وأخص الجيل القادم. فبغير ذلك وإن توفرت مليارات كثيرة لن نستطيع عمل أي شيء، فالانتماء للوطن والعمل بالمشاركة للجميع وإحياء روح التحدي لتجاوز المصاعب سوف يمكننا من استخدام مواردنا ولو كانت قليلة، بكفاءة عالية, وهذا سيشجِّع الأشقاء والأصدقاء على العمل والتعامل معنا، وسنكون رقما لا يمكن تجاوزه. صحيفة السياسية