احتضنت جامعة تعز، خلال الفترة من 2 إلى 4 يونيو 2009، مؤتمر الطفولة الوطني الرابع الذي حظي باهتمام كبير على غير العادة في المؤتمرات الثلاثة السابقة، سواء من حيث الاهتمام الرسمي والذي تمثل بحضور فخامة الرئيس علي عبد الله صالح، أم من حيث الداعمين وفي مقدمتهم مجموعة هائل سعيد أنعم ومنظمة "اليونيسيف"، وكذلك من حيث الباحثين المشاركين الذين وصل عددهم إلى 62 باحثا من عدد من الجامعات العربية. المؤتمر ناقش سبعة محاور تناولت الطفولة المبكرة من حيث التشريعات والبرامج التربوية والرؤى الاجتماعية والنفسية والمستقبلية والمشاركة المؤسسية. "السياسية" كانت حاضرة واستطلعت آراء عدد من المختصين حول كيفية بناء شخصية متوازنة للطفل وخرجنا بالحصيلة التالية: منسق المؤتمر، الدكتور عبد الحكيم الحكيمي، قال "إن الاهتمام بالطفولة لا بُد أن يبدأ من مرحلة الطفولة المبكرة سعيا نحو مساعدة الأطفال على التوافق مع البيئة، أي أن البيئة تعد مصدرا ثريا لمصدر تعلّمهم بما ينسجم ومرحلة النمو التي يمرون بها وبما يساعدهم على النمو بجميع أشكاله، فالبيئة إما أن تكون منميّة للطفل إذا ما توافرت فيها الظروف والعوامل التي تشجِّعه على الانطلاق والحُرية واللعب والتعبير عن نفسه وعن رأيه وإثبات ذاته والتعبير عن قدراته، وإما أن تكون مثبطة إذا لم تتوافر العوامل والظروف المناسبة للنمو، وبالتالي تبرز العديد من المشكلات التي تقابل الطفل في حياته وتؤدي إلى إعاقة نموه. ابتكار أساليب رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بآداب صنعاء، الدكتور أحمد يوسف بشير، يرى أنه لا بُد من تغيير السياسات وإعادة النظر في البرامج المعتمدة لرعاية الطفولة وإلقاء الضوء على جوانب القصور فيها والعمل من أجل التوصل إلى سياسة متكاملة لتحقيق الأهداف المنشودة وتلافي أوجه القصور في السياسات والبرامج القائمة حاليا وابتكار أساليب جديدة وغير تقليدية في مجال العمل مع الأطفال وحمايتهم وكفالة حقوقهم، ومن أجل ذلك لا بُد من سياسة اجتماعية جديدة ومتكاملة لرعاية الطفولة ترتكز على الأخلاق والتكامل والشمول بحيث تستوعب الأبعاد التربوية والتعليمية والعلمية والتشريعية والخدمية والاقتصادية والإعلامية. البداية من رياض الأطفال أستاذ مساعد أصول التربية بجامعة تعز، الدكتورة فائزة عبد الله قحطان، قال إن البداية تنطلق من رياض الأطفال التي تُشكِّل المكان الذي يستطيع فيه الطفل أن يجد ذاته ويحقق رغباته ويعبّر عن حاجاته ويمارس هوياته، وإلى جانب ذلك كله تُعد إعدادا للتعلّم المثمر ومتعة حقيقية للطفل ووسيلة حقيقية لتقوية الروح الاستقلالية له فضلا عن أنها تساعده على النهوض بالجانب الاجتماعي لديه، وتعمل على تقوية ذاكرته وتنمي بداخله روح الاعتماد على النفس وحب الاستطلاع والاهتمام بالبيئة المحيطة به، وذلك من خلال العديد من الأنشطة التي تمارس فيها والتي تعمل على تنمية المعارف والخبرات الخاصة به. وتضيف قحطان: "إن رياض الأطفال في اليمن حديثة النشأة والاهتمام بها منذ عهد قريب، ففي مدينة مثل تعز لا يتجاوز عدد رياض الأطفال فيها عن 49 روضة فقط، ولذلك لا بُد من التوسع في إنشاء رياض الأطفال، وكذا التنوع في الأنشطة والبرامج فيها، وتوفير الجو المناسب والمرن والأمن فيها، وإيجاد المربية المؤهلة علميا وتربويا بحيث تكون قادرة على التعامل مع الأطفال بالإضافة إلى توفير الموازنات المالية لرياض الأطفال". أخصب المراحل الدكتور إبراهيم عبد الرافع السمدوني، أستاذ بجامعة الأزهر، تحدث عن رياض الأطفال باعتبارها من أخصب المراحل التربوية التعليمية في تشكيل الشخصية وتموينها، ولذلك فالمتغيرات التي تعصف بمظاهر الحياة اليومية للكبار والصغار ألقت بالعبء على مؤسسات تربية أطفال، ولذلك يرى أن تكون الرياض مؤسسات قائمة بذاتها، وليست صورة مصغّرة للمدرسة الابتدائية، أو مجرد ترف حضاري لأنماط خاصة من الأطفال، وإنما يجب أن تكون مدرسة حقيقية ذات قيمة تربوية وسلوكية وبرامج وأنشطة هادفة وشاملة لإشباع الحاجات الأساسية للطفل؛ كونها -أي الرياض- الأساس الحقيقي لحياة الفرد وبنائه من الناحية الجسمية والعقلية والاجتماعية والدينية والخلقية والنفسية والانفعالية. ويؤكد السمدوني أنه لا بُد من الاهتمام بتدريب معلّمات رياض الأطفال وإعادة النظر في برامج إعداد المعلمات، وذلك بإعطائه وزنا أكبر من المقررات في علم النفس مع التركيز على متطلبات نمو الطفل وتوعية المربيات بالابتعاد عن العقاب البدني كوسيلة لحفظ النظام. القدرات والمهارات من جهته، رئيس الجمعية اليمنية ل"الدسلكسيا" عبد الرحمن عبد الله الحكيمي، يرى ضرورة التركيز على الفوارق والقدرات والمهارات لدى الأطفال، مشيرا إلى أن الدسلكسيا (عسر القراءة) تعد من أهم الصعوبات التي تعوق عملية اكتساب المهارات التعليمية المختلفة لدى الأطفال، والتي تصيب ما يقارب 105 بالمائة، من المجتمع الطلابي، وأكثر ما تعاني منه هذه الفئة هو تدني مفهوم الذات، حيث أنهم لا يستطيعون أن يعبّروا عن كامل قدراتهم على الرغم من قدرتهم العقلية الطبيعية، وتعمل على حرمان كثير من الأطفال من مواصلة مشوارهم التعليمي؛ كونها على علاقة مباشرة بتعلم المهارات. ويؤكد أنه لا بُد من إيلاء هذا الموضوع أهمية خاصة من قبل الباحثين والتربويين في مختلف المواقع، وكذا إنشاء مدارس صديقة ل"الديسلكسيا" في تجسيد الطرق السليمة للتعامل مع المصابين. اللعب مظهر مهم رئيسة قسم رياض الأطفال بكلية التربية – تعز، الدكتورة ليلى يوسف كريم، تحدثت عن اللعب كونه من الحاجات الأساسية للطفل ومظهرا مهما من المظاهر السلوكية، فالإنسان يمارس اللعب في المراحل الأولى من حياته بصورة دائمة لا يمل ولا يتعب منه، لاسيما وأن اللعب يعمل على تحقيق مطالبه الانمائية، في تلك المراحل، ما يؤدي إلى التكامل والتوازن بين مكونات شخصيته الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية ويتعلم الطفل من خلاله أشياء كثيرة عن البيئة المحيطة به، ويحقق التواصل معها. وأشارت إلى أن اللعب مرتبط ارتباطا تاما بجميع نواحي النمو: "فمن خلال أنشطته يقوم الطفل بعمليات معرفية على نطاق واسع فيدرك ويتذكر ويتصور ويفكر ويهيئ للطفل فرصة فريدة للتحرر من الواقع المليء بالالتزامات والقيود والإحباط، ولذلك يجب أن تركز مناهج رياض الأطفال على اللعب بالمقام الأول؛ كونه النشاط الأساسي الذي من خلاله يكتشف الطفل العالم من حوله. فهو (اللعب) ليس مجرد وسيلة لقضاء أوقات الفراغ بل هو وسيط تربوي مهم يسهم في نمو الشخصية والصحة النفسية للأطفال، وبالتالي لا بُد من توفير أماكن مناسبة للعب تفي بجميع مقتضيات السلامة والآمان، وتراعي احتياجات الطفل الاجتماعية والبدنية". حجرا الزاوية الأستاذة بكلية التربية جامعة صنعاء، الدكتورة سناء الكبيسي، ركزت من جهتها على أساليب التنشئة الاجتماعية في الأسرة اليمنية؛ باعتبار أن الوالدين هما حجرا الزاوية في حياة الطفل؛ لأنهما يشكلان المصدر الأساسي الذي يتلقى منه الطفل احتياجاته من الحب والحنان والتقبّل والأمن، ولذلك كانت أساليب التنشئة والطرق التي يستخدمها الوالدان في تنشئة الطفل ذات أثر كبير في تكوينه النفسي والاجتماعي. وبلا شك فإن هناك اختلافات بين أسرة وأخرى في أساليب التنشئة، فهناك أساليب إيجابية وأخرى سلبية، وهناك من الأسر من تستخدم أساليب الثواب والعقاب، وهذا وحده لا يكفي، فلا بُد من وجود أنموذج أو قدوة للطفل. وقالت: "ومهما تنوعت الأساليب فإن أفضل أسلوب هو الذي يسود فيه الجو الديمقراطي في الأسرة، فالطفل في الأسرة الديمقراطية يكون أكثر استعدادا لاتخاذ قرارات تتفق مع القيم التي تعلمها". وأشارت إلى أن الدراسات أثبتت أن للأم دورا هاما وحيويا في تلك التنشئة، كونها أول شخص يحتك به الطفل ويتفاعل معه في البيئة، وبالتالي فقد أثبتت الدراسات أن هناك علاقة إيجابية بين تقبّل الأم لذاتها وتقبّلها لطفلها، وهذا بالتالي ينعكس على أسلوب تعاملها مع طفلها، ولذلك لا بُد من توجيه وسائل الإعلام إلى تكثيف أعداد البرامج التوعوية عن الأسلوب الصحيح في تعامل الآباء مع الأبناء وقيام المؤسسات ووسائل الإعلام بإعداد برامج وندوات للمقبلين على الزواج لتأهيلهم للمسؤولية الكبيرة التي ستُلقى على عاتقهم في تربية أبنائهم التربية الصحيحة. إشاعة جو العاطفة أستاذ علم النفس وصحة المجتمع بكلية الآداب جامعة صنعاء، الدكتور طاهر الحزمي، قال إن الحفاظ على المجتمع الإنساني يبدأ من الرعاية والحفاظ على الطفولة وحمايتها من الانحراف، من خلال جُملة من التشريعات التي تكفل حقوق الطفل كاملة، حيث أكدت الدراسات أن الأطفال بين 10-18 سنة ممن تعرضوا للعنف كان 80 بالمائة منهم قد تعرضوا للعنف بدرجات متفاوتة بين التوبيخ القاسي والضرب المبرح بأدوات صلبة. وأكد أن الدراسات كشفت أيضا أن الأطفال الجانحين قد تعرضوا لأصناف من التعذيب البدني والنفسي، وكل ذلك لا يخلق إلا أطفالا منحرفين، إذ ينعكس ذلك العنف على حياتهم النفسية والاجتماعية، وبالتالي يكونوا ناقمين على مجتمعهم وعلى أنفسهم، ولذلك يجب إشاعة جو العاطفة في نطاق الأسرة ونبذ العنف والتركيز على قيم التسامح والتعامل مع الأطفال بمبدأ المساواة والاهتمام بالجانب القيمي والديني المعزز لجذب الطفل من الشارع وتطوير آلية محاربة أمية الآباء والأمهات. الثواب والعقاب من جانبه اعتبر أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب بجامعة القاهرة، الدكتور عدلي السمري، أن نجاح أي عملية تنشئة اجتماعية يعتمد على حسن استخدام آليتي الثواب والعقاب، ويرى أن العقاب سواء كان بالسلب أم بالإيجاب، وسواء كان ماديا أم معنويا، فهو في النهاية واحد من أبرز آليات الضبط الاجتماعي لضبط السلوك الإنساني. ويرجع أهمية التركيز على دراسة مدى اتسام التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة المبكرة بالعنف الموجّه نحو الأبناء، حيث أن العنف بأشكاله المختلفة يعد أمرا شائعا يمارسه الآباء؛ باعتباره حقا مشروعا في تأديب الأبناء عند إساءة السلوك، ومن ثم فإن الصفع واللكم والدفع قد تعد من أكثر أشكال العنف المستخدمة شيوعا في تأديب الأبناء، وهنا تبرز المشكلة التي تكمن ما بين ما يراه الآباء من حق مشروع في استخدام التأديب البدني وبين الانتهاك أو العنف، وهنا تبرز الكثير من التساؤلات المتعلقة باستخدام الأبوين العقاب، واعتباره شكلا من أشكال العنف، ومن ثمّ يمثل انتهاكا لحقوق وإنسانية الأبناء، وغيرها من التساؤلات، التي هي بحاجة إلى دراسة مستفيضة وشاملة.