أظهرت التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الثروة السمكية حول إنتاج اليمن من الأسماك الفجوة الحاصلة بين أسعار بيع الأسماك في مراكز الإنزال السمكية وأسعار بيعها في الأسواق المحلية التي شهدت منذ مطلع العام الجاري ارتفاعا غير مسبوق في كافة الأنواع. وتشير تلك التقارير إلى أن متوسط سعر الكيلوجرام الواحد في مراكز الإنزال السمكية لمختلف المحافظات خلال النصف الأول من العام الجاري بلغ 199 ريال للكيلوجرام الواحد، في حين تجاوز سعر بعض الأنواع السمكية في الأسواق المحلية مبلغ 1500 ريال للكيلوجرام الواحد. وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) حاولت معرفة الأسباب الحقيقية لارتفاع سعر السمك في الأسواق المحلية بالرغم من تراجع أسعار بيعها بالجملة في مراكز الإنزال وزيادة كمية الصيد خلال العام الجاري وخرجت بالحصيلة التالية. وجبة رئيسية في حين تعد لحوم الأسماك وجبه رئيسية في المائدة اليمنية وخاصة في المحافظات الساحلية إلا أن الكثير من المواطنين أصبحوا غير قادرين على شراء السمك بسبب أسعاره الجنونية في جميع الأسواق المحلية، إلا من كميات قليلة من الأنواع الرخيصة التي يلجأ لها الكثير من المواطنين كالجحش والبياض وغيرها من الأنواع. يقول المواطن عبده أحمد (موظف) إنه لا يستطيع توفير السمك لأسرته إلا مرة واحدة كل شهر وأحيانا يمر شهران دون أن تتذوق أسرته طعم السمك. وقال:" نظرا لارتفاع أسعار الأسماك وخصوصا الأنواع الجيدة منها (كالديرك والسخلة) التي يصل سعرها إلى 1500 ريال للكيلو الواحد يتوجب علي توفير ستة آلاف ريال لشراء وجبه سمك واحدة لأفراد أسرتي البالغ عددهم عشرة أشخاص وهذا لا يتناسب مع راتبي الذي لا يتجاوز 40 ألف ريال". فيما يتساءل أحمد فرحان (موظف) كيف يمكن لليمن أن تمتلك سواحل طويلة تصل إلى 1500 كيلومتر تزخر بأكثر من400 نوع من الأسماك والأحياء البحرية في حين لا تستطيع الكثير من الأسر اليمنية تذوق وجبه سمك. وقال فرحان أن على كافة الجهات المعنية بالقطاع السمكي تحمل تبعات ما يجري من تلاعب بأقوات المواطنين. مؤكدا ضرورة ان تقوم تلك الجهات بالرقابة الفاعلة على الأسواق وتوفير احتياجات المواطنين من لحوم الأسماك وبالأسعار المعقولة. جشع التجار يعزو عبدالله عمر (موظف) ما يجري من تلاعب في أسعار بيع الأسماك داخل الأسواق المحلية إلى الجشع الذي يمارسه العاملين في مجال الاتجار بالأسماك والذين لا يقنعون بالأرباح المعقولة في ظل عدم وجود الرقابة على الأسواق. وأشار إلى أن جميع التجار لا هم لهم سوى تحقيق أكبر قدر من الربح حيث يعمد الكثير منهم على تجميد الأسماك وتثليجها لعدة أيام بحيث يتسنى لهم بيعها بأسعار مرتفعة دون الأخذ بعين الاعتبار ظروف المواطن البسيط. وذكر أن عمليات بيع وشراء الأسماك أصبحت متاحة للجميع مما يدفع التجار إلى تخزين الأسماك والتحكم في تحديد الأسعار والاستفادة من خضوع هذه العملية للعرض والطلب. القرصنة تحد من الإنتاج فيما يؤكد التاجر في سوق البليلي بالعاصمة صنعاء علي حسن أن كميات الأسماك التي يتم شرائها من الصيادين تتراجع يوما عن يوم بسبب أخطار القرصنة البحرية التي يواجهها الصيادين حاليا وتجعلهم غير قادرين على مزاولة أنشطتهم البحرية حيث يعمدون إلى تخفيف رحلات الصيد والاكتفاء بارتياد المناطق الآمنة دون الإبحار والتوغل في البحر حيث توجد كميات كبيرة من الصيد. وأشار إلى أن الصيادين لم يعودوا قادرين على التوغل إلى السواحل الصومالية لشراء الأسماك بسبب أخطار القرصنة التي منعت الصيادين من شراء كميات الأسماك التي تعودوا على شرائها من الصيادين الصوماليين بأسعار رخيصة والتي كانت تنقل إلى محافظة عدن. وقال:" إنه يقوم بشراء الأسماك من الصيادين بأسعار ليست بالهينة ويضيف على تلك الأسعار تكاليف النقل والتخزين والتبريد بالإضافة إلى الأرباح التي يعمل من أجلها ما يؤدي إلى إضافة 50 % على السعر الحقيقي للكيلوجرام الواحد. ويضيف قائلا: إن أسعار السمك تشهد ارتفاعا في الصيف نظرا لأن كمية الصيد تقل، خصوصا وأن صيد السمك يصبح أصعب كلما ارتفعت درجات الحرارة وهروب السمك إلى أعماق البحار والمحيطات. التصدير يفاقم المشكلة إلى ذلك يرى الكثير من تجار الأسماك أن من أسباب ارتفاع أسعار الأسماك هو إتاحة الفرصة لشركات التصدير في شراء أنواع كثيرة من الأسماك المطلوبة محليا مما يؤثر على حاجة السوق المحلي. ويشير منصور علي (تاجر أسماك) أن شركات التصدير لا تبقي للسوق المحلية سوى الأنواع الغير مرغوبة في الأسواق الخارجية مما يجعل الأسعار في ارتفاع مستمر. وأكد منصور على ضرورة أن تقوم الجهات المعنية بإيجاد رؤية مشتركة مع تلك الشركات لتأمين احتياجات المستهلك المحلي من لحوم الأسماك. وقال يفترض بالجهات المعنية منع تصدير أنواع كثيرة من الأسماك المرغوبة محليا في فترات معينة من السنة من خلال معرفة مواسم الوفرة والقلة لتلك الأسماك، وبالتالي السماح للشركات بمزاولة التصدير في أيام معينة وهي مواسم الوفرة وكذا منع تصدير تلك الأنواع في بقية المواسم. تهرب من دفع الإيرادات ويشير وكيل وزارة الثروة السمكية عبد الهادي الخضر إلى أن الأسعار الواردة في التقارير الإحصائية لمختلف المحافظات غير صحيحة.. مؤكدا بأن الجمعيات السمكية ووكلاء الصيادين لا يقومون بتسجيل الكميات والأسعار الحقيقية لبيع الأسماك بهدف التهرب من دفع عائدات الدولة والبالغة 3% من قيمة الإنتاج السمكي. وقال:" إن الخلل يكمن في ضعف الرقابة على قوارب الصيد ومراكز الإنزال السمكي حيث يحصل في كثير من الأحيان أن يقوم وكلاء الصيادين أو الجمعيات المالكة لساحات الحراج باستلام كافة الكميات السمكية من الصيادين وتحديد سعر شراء وهمي في مراكز الإنزال تهربا من دفع عائدات الدولة من قيمة الصيد ليتم بعد ذلك دفع المبلغ الحقيقي المتفق عليه مسبقا والذي يكون أكبر بكثير مما يتم تسميته مما يثقل كاهل المواطنين المستهلكين للحوم الأسماك". وأضاف:" وفي أحيان أخرى يقوم الصيادين ببيع إنتاجهم من الأسماك في عرض البحر خارج مراكز الإنزال لتحاشي دفع عائدات الدولة منها". وأشار الوكيل إلى أن كثير من الصيادين يصبحون في كثير من الأحيان ضحية لجشع الوكلاء أو الوسطاء الذين يمولون الصيادين أثناء رحلة الصيد ليعود الصياد وهو مثقل بالديون ويضطر إلى تسليم إنتاجه كاملا لهؤلاء الوكلاء. إجراءات مستقبلية وأوضح وكيل وزارة الثروة السمكية أن الوزارة عممت مؤخرا اللوائح القانونية الخاصة بتنظيم عمليات الصيد التقليدي وبيع الأسماك بالمزاد العلني فيما تستكمل حاليا الآليات الخاصة بإدارة عمليات إنزال الأسماك في مواقع أو مراكز الإنزال السمكية الرئيسية التي حددتها الوزارة. وقال الوكيل الخضر أن مراكز الإنزال السمكي تعد بمثابة محطة انطلاق للتجار والمسوقين داخليا وخارجيا وإذا ما تم تطبيق القوانين واللوائح المنظمة لعمل تلك المراكز فإن ذلك سيسهل السيطرة على الأسعار والتلاعب الحاصل في تلك المراكز. وذكر ان قضية الأمن الغذائي المحلي وتوفير لحوم الأسماك لكافة المواطنين بأسعار ملائمة يمثل أهم الأولويات التي تقوم بها الوزارة .مشيرا إلى قيام الوزارة خلال الأعوام الماضية بمنع تصدير بعض الأنواع المرغوبة محليا. وأضاف "الوزارة بدأت خلال العام الجاري باتخاذ التدابير اللازمة لضبط مراكز الإنزال السمكية وعمليات البيع فيها من خلال تعميم العديد من الآليات واللوائح المنظمة لعمليات الاصطياد والبيع بالمزاد العلني وتحديد مراكز إنزال الأسماك على طول الشريط الساحلي إضافة تعميم بالشروط الصحية اللازم توفيرها في مختلف مراكز الإنزال ومحلات البيع". وأكد الخضر أن تطبيق تلك الآليات واللوائح كفيل بتنظيم عملية البيع في مراكز الإنزال وضبط الأسعار عند البيع في مراكز الإنزال كونها تلزم الصيادين والتجار باعتماد نظام الموازين الإلكترونية وإعلان أسعار بيع كل نوع على حده عبر لوحة معدنية في نفس الموقع. وقال إن تلك اللوائح تحظر على كافة المصدرين مزاولة تصدير الأسماك خلال فترة ندرة توفرها إضافة إلى منع تصدير المنتجات السمكية التي يتم إغلاق مواسم الاصطياد والتصدير لها فيما تخول اللوائح مكاتب الوزارة بالمحافظات بالإشراف على مواقع الإنزال للأسماك والحراج للحد من المغالاة في الأسعار وتعدد الوسطاء والمحرجين الذين يبتزون الصيادين ويتحكمون في الأسعار. كما يؤكد الوكيل ان من ضمن أولويات الوزارة خلال الفترة المقبلة تأهيل أسواق الأسماك الرئيسية في المحافظات وتوفير المنتجات السمكية بأنواعها المختلفة بجودة عالية وأسعار مناسبة تخدم المستهلك اليمني. وأضاف أن الوزارة تقوم حاليا باستغلال المبالغ المخصصة لها ضمن موازنة صندوق تشجيع الإنتاج الزراعي والسمكي لإيجاد مراكز إنزال نموذجية تتوفر فيها كافة المقومات الخاصة بإيجاد إدارة حقيقية لهذه المراكز التي تباع فيها الأسماك لما من شأنه تأمين احتياجات المواطنين من لحوم الأسماك.