جاءت الثورة اليمنية ( 26سبتمبر و14اكتوبر ) وفي مقدمة أهداف مناضليها الأحرار القضاء على الحكم الإمامي الكهنوتي وحكم الاستعمار البغيض وإقامة حكم جمهوري عادل يتحرر في ظله الإنسان اليمني من العبودية والتسلط الفردي والهيمنة الاستعمارية وينطلق صوب آفاق رحبة من حكم الشعب نفسه بنفسه . وعلى مدى سني الثورة اليمنية الخالدة منذ انطلاقتها في ال 26 من سبتمبر 1962م وال 14 من أكتوبر 1963م ظل هدف إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل نصب أعين أبناء الشعب اليمني وقياداته المتعاقبة باعتبار هذا الهدف واحداً من أهم أهداف الثورة .. ولم يكن ممكناً تحقيقذلك بين عشية وضحاها خاصة وان الثورة واجهت الكثير من المؤامراتالتي استهدفت القضاء عليها والحيلولة بين أبناء اليمن وبين تحقيق أهداف ثورتهم .. وكانت مؤامرة التشطير واحدة من اخطر تلك المؤامرات. ومع هذا فقد أستطاع أبناء الشعب اليمني مواجهة الصعاب والتصدي للمؤامرات واحدة تلو الأخرى ، وتمكنوا من تجذير الثورة وترسيخ دعائم النظامالجمهوري .. وشهدت السنوات التي سبقت إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني في ال22 من مايو 1990م عدداً من التجارب الديمقراطية الهادفةإلى أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وتعوض سنوات الحرمان التي عاشه اطوال حكم الإمامة والاستعمار .. غير أن تلك التجارب الديمقراطيةلم تصل إلى مرحلة النضج الكامل بسبب وجود نظامين سياسيين في وطن واحد .. ولم يكن سهلاً إقامة الديمقراطية المرتكزة على قاعدة التعدديةالحزبية خلال حقبة التشطير، حيث كان شطر يحكمه حزب واحد، والشطرالثاني يحكمه تنظيم سياسي تنضوي في إطاره مختلف الاتجاهات السياسيةوالفكرية .. وكانت حالة المد والجزر والوقيعة والتوقع سيدة الموقف. والحقيقة أن الديمقراطية ليست جديدة على أبناء اليمن ، فالشعب اليمني- كما هو معروف - يمتلك موروث حضاري عريق تجاوز ثلاثة آلاف وخمسمائة سنه، وهو الموروث الذي تحدثت عنه النقوش كنظام حكم عُرف بالنظام النيابي أو نظام المشاركة السياسية ، فلم يكن للملك مطلق الصلاحيات وإنما كان يتخذ القرارات بالتشاور مع مجلس نيابي يضم سادة القوم وذوي الرأي من رجال الدولة يسمى مجلس (مسود) ، وكان هذا المجلس يتمتّع بصلاحيات واسعة ، فهو المرجع الأول والأخير في الدولة، أما مهمة الملك فتنحصر في التوقيع على قرارات المجلس والإشراف والمتابعة لتنفيذ تلك القرارات ومعاقبة كل من يخرقها ، وثمة مجالس نيابية أخرى تساهم في إدارة المجتمع كمجالس القبيلة ومجالس المدن.
وجاء الإسلام ليؤكد ويزكي في محكم كتاب الله (القرآن الكريم)ما تحدثت عنه النقوش اليمنية القديمة ، ففي الآية "32" من سورة النمل جاء على لسان ملكة سبأ : (قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلاُ أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ) ، وقد أكد الإسلام مبدأ الشورى في الحكم " وأمرهم شورى ينهم ."والى جانب الموروث الحضاري نجد ان التكوين النفسي والعقلي لدى اليمنيين له دور كبير في تقبل التغيير والتجديد ، فقد عُرف اليمنيون بحكمتهم وبرهافة حسّهم ، فعن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم جاء" أتاكم أهل اليمن, الين قلوباً وأرق أفئدة، الإيمان يمان والحكمةيمانية" . وإذا كانت التجارب الديمقراطية التي شهدتها اليمن قبل إعادة تحقيق الوحدة كانت تهدف في مجملها إلى الوصول إلى تحقيق الهدف الرابع من أهداف الثورة اليمنية الخالدة الذي ينص على (( إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمداً أنظمته من روح الإسلام الحنيف )) فان تحقيق هذا الهدف لم يكتب له النجاح الكامل إلا بعد القضاء على التشطير وإعلان قيام الجمهورية اليمنية في ال 22 من مايو 1990م حيث بدأت خطوات المسار الديمقراطي الجديد في يمن الوحدة . وهو المسار الذي أرتكز على قاعدة التعددية الحزبية وحرية الرأي والرأي الأخر ، وكانت الجمهورية اليمنية هي الأولى في محيطها الجغرافي التي تسير على هذا النهج مع التأكيد على احترامها لخيار كل دولة في السير على النهج الذي تختاره وتراه متناسباً مع خصوصياتها ومناسباً لها. وقد أسهم ذلك في اكتساب اليمن احترام وتقدير الأسرة الدولية وتأييد ودعم الكثير من دول العالم لها ولنهجها الديمقراطي . التعددية السياسية وقد مثلت التعددية السياسية والحزبية تجسيداً حقيقياً للديمقراطيةوإحدى الدعائم والركائز الأساسية لها وكما هو معروف فان التعدديةكانت محرمة في شطري الوطن قبل ال22من مايو 1990م والسبب ما كان يدور حول تبعية الأحزاب وارتباطها بدول وجهات خارجية تدعو لإحداث خلل في الداخل . وعلى الرغم من أن تأسيس الأحزاب في اليمن يعود إلى الثلاثينات من القرن العشرين ، حيث شاركت الأحزاب وبمختلف توجهاتها في الكفاح ضد الإمامة والاستعمار إلا أن الصراعات التي أعقبت قيام الثورة اليمنية أدت إلى تحريم العمل الحزبي خوفاً من أن تؤدي إلى مزيد من الصراعات والتدخل الخارجي .. ولكن ذلك لم يمنع من تكوين عدد من الأحزاب وبمختلف التوجهات القومية والإسلامية والماركسية سراً وفي الشطرين ، وكما سبقت الإشارة فان حكم الحزب الواحد سيطر على احد الشطرين وهو الحزب الذي يمثل تياراً فكرياً واحداً ووحيداً ( الحزب الاشتراكي اليمني ) رغم رفع منظريه للتحرر كشعار وغيره من الشعارات إلا أنهم استفردوا بالحكم وقضوا على أصحاب التوجهات الأخرى، وفي الشطر الآخر مثل المؤتمر الشعبي العام منذ أغسطس 1982م مظلة لمختلف التيارات السياسية والفكرية .. إلى أن أشرقت شمس ال 22 من مايو لتخرج بذلك الأحزاب المتخفية في السرية إلى نور العلنية والتعددية وحرية التعبير واحترام الرأي الآخر .. كما شهدت البلاد ميلاد أحزاب جديدة أخرى ليصل عدد الأحزاب حينها إلى أكثر من أربعين حزباً وتنظيماً سياسيا قبل أن تندمج بعضها وتحل أخرى ويصبح عددها 22 حزبا . وتأكيداً لمبدأ التعددية السياسية والحزبية الذي أصبح سمة بارزة من سمات الجمهورية اليمنية التي نص دستورها في مادته الخامسة على(( إن النظام السياسي للجمهورية يقوم على التعددية السياسية والحزبية وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً)) 0 كما نصت المادة ( 57 ) منه أن(( للمواطنين الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً (( . ولتجسيد التعددية واقعاً ملموساً وشريكاً فاعلاً جاءت الانتخابات البرلمانية الأولى في 27 ابريل 1993م لتكون أول اختبار حقيقي للأحزاب والتنظيمات السياسية لخوض التجربة الديمقراطية ولتتنافس القوى السياسية بعضها البعض وتعرف مدى قدرتها على الوصول إلى الجماهير وكسب أصواتها ، وشارك في تلك الانتخابات 22 حزباً وتنظيماً سياسياً . الانتخابات الرئاسية وتوج المسار الديمقراطي ليمن السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر والثاني والعشرين من مايو بإجراء أول انتخابات رئاسية في ال 23 من سبتمبر 1999م ، فكانت أول انتخابات في اليمن والمنطقة يصل من خلالها رئيس الدولة إلى منصبه عن طريق الناخبين وصناديق الاقتراع بشكل مباشر ..وأعقبها انتخابات رئاسية ثانية تنافسية وحرة ومباشرة في 20 سبتمبر 2006 م . وأكدت تلك الانتخابات مجددا على أن التداول السلمي للسلطة أصبح ركنا أساسيا من أركان النظام السياسي للجمهورية اليمنية ..وان السلطة لم تعد حكرا على احد فالشعب مالكها ومصدر منحها والمعني الأول بمراقبتها .. كما أكدت الانتخابات الرئاسية أيضا عمق الالتزام بالخيار الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية .. وبرهنت على سلامة الوجهة التي اختارها اليمنيون قيادة وشعبا وهم يولوجون إلى القرن ال 21 قرن الديمقراطية والتكنولوجيا والعولمة.وقد حققت تلك الانتخابات وقبلها الانتخابات النيابية ( 93 و 1997م,2003) نجاحا كبيرا بشهادة المراقبين الدوليين الذين تابعوا سيرها وأكدوا أنها جرت في أجواء ديمقراطيه ، وكانت انتخابات حرة ونزيهة وذلك على الرغم من حملات التشكيك التي صاحبت الانتخابات والتي حاول أصحابها النيل من التجربة الديمقراطية اليمنية والتقليل من شان تلك الانتخابات ، وهى الحملات التي انتهت كسابقاتها من الحملات والمحاولات إلى الفشل الذريع. السلطة المحلية .. وتوسيع المشاركة الشعبية وضمن دستور الجمهورية اليمنية حق المواطنين في التعبير المباشر عن إرادتهم في اختيار أعضاء المجالس المحلية الذين يخططون لعملية البناء الاجتماعي والاقتصادي والتنموي وإدارتها بأنفسهم . ولذلك فان تنفيذ الممارسة الديمقراطية للسلطة المحلية في الجمهورية اليمنية قد اقره القانون رقم ( 4 ) لسنة 2000م بشأن السلطة المحلية والذي جاء مكملاً لمسار التطور السياسي ، وتجسيداً حقيقياً للنهج الديمقراطي الذي تمضى فيه بلادنا قدماً نحو المستقبل الزاهر . ويعد صدور هذا القانون أيضاً قفزة نوعية مميزة لتمكين شعبنا اليمني من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية في ظل احترام التعددية السياسية والحزبية ولتحقيق أهداف الثورة اليمنية ، وفي مقدمة هذه الأهداف منح المواطن حقه الدستوري في انتخاب من يمثله في السلطة المحلية ، وهو حق عام يشترك فيه جميع المواطنين على أساس التكافؤ والاقتراع الحر ، وكذا تحقيق المشاركة الشعبية في ممارسة وظائف السلطة المحلية والتأكيد على أن المجالس في الوحدات الإدارية المنتخبة تمثل إرادة المواطنين . ولهذا ورد في المادة رقم ( 4 ) من قانون السلطة المحلية أن نظام هذه السلطة يقوم على مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية ، وعلى أساس توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وإدارة الشأن المحلي في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال المجالس المحلية المنتخبة ، وسلطات هذه المجالس في اقتراح البرامج والخطط والموازنات الاستثمارية للوحدات الإدارية، وممارسة دورها في عملية تنفيذ الخطط والبرامج ، وكذا الرقابة الشعبية والإشراف على الأجهزة التنفيذية المحلية ومساءلتها ومحاسبتها . وتجسيدا لهذا النهج تواصلت جهود الحكومة لتعزيز نظام السلطة المحلية مدعومة بتوجيهات ورعاية القيادة السياسية برئاسة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، حيث تم خلال هذه الفترة تحقيق عدد من المنجزات والخطوات الهامة على طريق التهيئة والتمهيد للوصول إلى تطبيق نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات وفي مقدمة ذلك: - إجراء أول دورة انتخابية للمجالس المحلية في العام 2001 م في حدث ديمقراطي هام على مستوى المنطقة. - إجراء الدورة الثانية للمجالس المحلية في سبتمبر2006، بدرجة عالية من الشفافية وحريّة الاختيار. - تعديل قانون السلطة المحلية بما يكفل انتخاب أمين العاصمة ومحافظي المحافظات من قبل هيئة ناخبة مكونة من مجموع أعضاء المجالس المحلية للوحدات الإدارية في المحافظات، وبموجب ذلك تم، في شهر مايو2008، انتخاب أمين العاصمة ومحافظي المحافظات عن طريق الاقتراع الحُر والمباشر لأعضاء الهيئة الناخبة، ولأول مرة على الصعيدين الوطني والإقليمي. - إقرار الإستراتيجية الوطنية للحُكم المحلي.- رفع مبلغ الدعم المركزي للتنمية المحلية إلى 15 مليار سنوياً، بدءاً من عام 2008،. - زيادة مخصصات النفقات التشغيلية للسلطة المحلية بواقع 4 مليارات ريال، بدءًا من موازنة هذا العام 2009، فضلا عن رفع الموازنة التشغيلية للمستشفيات والمنشآت الصحية إلى مليارين بدءًا من موازنة العام الماضي 2008. حرية الصحافة والي جانب الانتخابات البرلمانية والرئاسية وقانون السلطة المحلية فقد شهدت الجمهورية اليمنية ازدهاراً في مجال حرية الصحافة التي تعد واحدة من أهم دعائم الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية ، حيث انطلقت في أعقاب إعادة تحقيق الوحدة العديد من الصحف وبخاصة تلك المعبرة عن الاحزاب وتجددت إصدارات صحف كانت متوقفة منذ فترة طويلة ، حيث بلغ عدد الإصدارات الصحفية الصادرة في اليمن حتى منتصف 2009 اكثر من (400 ) ما بين صحيفة ومجلة ونشرة، بينما رخصت وزارة الإعلام هذا العام ل (22) صحيفة ومجلة ما بين حزبية وأهلية وإصدارات تابعة لمنظمات المجتمع المدني . وقد لعبت الإصدارات الصحفية دوراً كبيراً في ترسيخ مضامين الديمقراطيةوالدفاع عن مكتسبات الثورة والجمهورية ، وساهمت بدور فاعل في انعاشالحياة السياسية والاقتصادية وتنمية القدرات الثقافية في قاعات المجتمع المختلفة ، وحشد الطاقات نحو التنمية الشاملة في اليمن. وهكذا فان الثورة اليمنية الخالدة ( سبتمبر وأكتوبر ) هي ثورة إنسانية في المقام الأول . والخطوات التي قطعتها الثورة خلال السنوات الماضية من عمرها المديد في مجال البناء الديمقراطي الشامخ تؤكد وفاء أبناء اليمن قيادة وشعباً للرعيل الأول من المناضلين الشرفاء الذين رووا بدمائهم شجرة الحرية وقدموا أرواحهم الغالية ثمناً لينال الشعب كرامته ويصون حريته ويحكم نفسه بنفسه . والاحتفال بهذه المناسبة الغالية هو احتفال بيوم ميلاد شعب ناضل كثيراً وقدم قوافل الشهداء في سبيل الحرية والديمقراطية ، وتمكن بفضل الله تعالى وبفضل تلك التضحيات من تحقيق أهداف ثورته الخالدة .. ويسير بخطى حقيقية وواثقة نحو تحقيق كل طموحاته في الازدهار والتقدم والرفاه .