أصبحت حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في العصر الراهن أحدى أكثر الموضوعات المثيرة للجدل التي تصل حد الصراع في مناسبات عديدة بين سلطات الدولة وبين منظمات المجتمع المدني بداخل، او بين سلطات الدولة وجهات أجنبية دولا او منظمات غير حكومية . منظومة ما يسمي ب(الدول الديمقراطية )) يحتدم فيها النقاش وتتعالى الأصوات حول المطالبة بتشريع قواعد تقرر حقوقا وحريات أساسية للإنسان أو المطالبة بتشريع يقرر قواعد عقابية تضمن تلك الحقوق او أعمال القواعد المشرعة اصلا . فهل اليمن ادمجت قواعد الوثائق الدولية في القوانين الداخلية اما لا .باعتبارها دولة طرفا في عدد من الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية . وحول هذة القضية بحثت وكالة الأنباء اليمنية ( سبأ ) عن الاجابة عن عدد من التساؤلات على هامش ورشة العمل الخاصة بالالتزام بالصكوك الدولية في التشريعات المحلية والواقع العملي ، المنعقدة مؤخرا بالعاصمة صنعاء ، وخرجت بالحصيلة التالية : اليمن ملتزمة : حيث تقول المحامية عهد عباس احمد عقلان الحكم " لكي تصبح الاتفاقية الدولية جزاء لا يتجزاء من التشريع اليمني وقابلة للتطبيق داخليا فإنها تحتاج الى صدور قرار من رئيس الجمهورية يصادق على ما ارتضاه مجلس النواب ، او تحتاج الى مصادقة رئيس الجمهورية على الاتفاقيات التي يوافق عليها مجلس الوزراء ، ولا تشترط مصادقة مجلس النواب ، ثم يتم ادماج قواعد الاتفاقية في النظام القانوني اما باستيعابها ضمن القوانين المعمول بها ، واما باصدار قانون خاص يجسدها ". واكدت ان اليمن عملت على تطبيق وموائمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات الدولية قائلة " اجد ان قواعد الوثائق الدولية تم دمجها في التشريع الداخلي بنصوص صريحة أضيفت الى قوانين مختلفة أو صدرت بقوانين مستقلة ما عدا قواعد الاتفاقية الخاصة باللاجئين والبروتوكول الخاص باللاجئين ". واضافت " كما استحدث اليمن منذ امد قريب مفردة لتعمل ضمن مفردات السلطة التنفيذية اسمتها وزارة حقوق الانسان ، واحلتها محل اللجنة الوطنية العليا لحقوق الانسان، واوكلت اليها مهمة التعاون مع منظمة الاممالمتحدة وهيئاتها المختلفة المعنية بمراقبة وتنفيذ الاتفاقية الدولية المتصلة بحقوق الاسنان . واكدت ": ان اليمن اوفت استحقاقات الوثائق الدولية المتعقلة بحقوق الانسان وحرياته التي هي طرف فيها ، حيث قامت بادماج قواعد الوثائق الدولية في القانون الداخلية قصارت قواعدها جزءا اصيلا من التشريع المعمول به لدى المحاكم الوطنية ، بغية أعمال القواعد المقرر لحقوق الانسان وحرياته الاساسية ، كما قامت اليمن بانشاء سلطة وطنية تتعاون مع الاممالمتحدة وهيئاتها المختلفة المعنية بمراقبة تنفيذ الاتفاقيات الدولية . واشارت الى ان اليمن تحرص على بقاء القواعد الوثيقة الدولية في منزلة ادني من احكام الشريعة الاسلامية، خاصة اذا كانت هذه الأخيرة مستقرة ولا خلاف فيها حولها ، فاليمن حسب المادتين الاول و الثالثة من الدستور دولة عربية مسلمة ، والشريعة الاسلامية هي مصدر جميع التشريعات. تعارض : وكون اليمن من الدول المصادقة على 56 معاهدة واتفاقية دولية فهذا الأمر جعله غير مقبول عند البعض ، لمعرفته المسبقة أن النظام القانوني وتشريعاته في اليمن مستمده من الشريعة الإسلامية ، وهنا ستكون الاتفاقيات الدولية في المنزلة الادنى ، كون تلك الاتفاقيات تلزم في بنودها بالغاء عقوبات قد تصل بعضها الى الغاء عقوبة الاعدام مثلا . بهذا الصدد أكدت استاذة القانون الدولي العام بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء الدكتور سارة محمود عبدالله العراسي " أن اليمن من الدول التي صادقت على عدد كبير من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان ، و اعطتها اهمية كبيرة من خلال ادماج هذه الاتفاقيات التي صادقت عليها في القوانين اليمنية . واضافت " هذه الادماج نصت عليه المادة السادسة من دستور الجمهورية اليمنية التي تقول : تأكد الدولة العمل بميثاق الاممالمتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان وميثاق الجامعة العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة ", كما تضمنت ايضا بعض المواد المنصوص عليها في الدستور الى الحقوق التي وردت في الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان ، وهذا يعني ان المشرع حاول ان يؤام بين القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية ":. وتابعت بالقول " لكن من الملاحظ خلال قراءة مواد الدستور ومواد بعض القوانين اليمنية ومن خلال الواقع العملي انه لا يوجد نص دستوري او قانوني صريح يلزم القضاء بتطبيق ما ورد في الاتفاقيات من حقوق ". ورأت الدكتورة العراسي ان عدم الموائمة يشكل صعوبة يواجهها المتعاملون على إنفاذ القانون في القضايا والحالات التي ترد اليهم ، فعدم وجود نص قانوني يجعلهم امام انفاذ القانون بطريقة تعود لتقديرهم او لاحكام عامة عادة ما يتم اللجوء اليها ، او العودة الى اللوائح الداخلية التي تنظمها الجهات المعنية . وفي السياق نفسه قال المحامي جمال محمد محمد الجعبي ": ان الدستور قد جعل من الاتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها تحتل مرتبة ادني من الدستور واعلي من التشريع الوطني ". واضاف ان اليمن بذلك تجاوزت دولا أخرى لا ترى وفق دستورها السمو المفترض لقواعد القانون الدولي ، لذلك فان مسالة التناقض بين الشريعات الوطنية والمواثيق الدولية اعتمادا على ان مرتبة الاتفاقيات الدولية لا ترقى للتشريع الوطني لامجال للحديث عنها في ظل المرتبة المتقدمة التي تحتلها الاتفاقيات والمواثيق الدولية في الدستور ، لذلك فان حرية وضع التشريعات الوطنية التي تتمتع بها الدولة في الداخل وفقا لسيادتها ليست مطلقة ، لكنها مقيدة باحترام قواعد القانون الداخلي للدول ": . ومع هذا التضارب والتعارض يقول وزير العدل الدكتور غازي شائف الاغبري مستشهدا بالتقرير الذي قدمه اليمن في سبتمبر الماضي الى مجلس حقوق الانسان العالمي في جنيف حول حقوق الانسان ، " لقد تم اعتماد التقرير والترحيب به والإشادة بما تضمنه من احترام اليمن لحقوق الإنسان على مختلف الأصعدة ليس في الجانب التشريعي فحسب والجانب النظري وإنما أيضا في مجال التطبيق العملي حيث حظي تقرير اليمن بتأييد ومباركة الدول الموجودة في مجلس حقوق الإنسان وقُبل هذا التقرير في جنيف في وسائل الإعلام المختلفة بترحيب . واضاف ان منظمة دولية ممثلة في مجلس حقوق الانسان في جنيف حينما تقبل تقرير اليمن وتعتمده فان هذا لا ياتي من فراغ لانه جاء بناءً على معايير علمية وموضوعية مجردة وهو يعكس في حقيقة الامر ما تقوم به اليمن في ظل القيادة الحكيمة لفخامة الرئيس على عبدالله صالح رئيس الجمهورية في احترام حقوق الإنسان واقع مجسدا سواء من خلال النصوص التشريعية المختلفة أو من خلال الواقع العملي . واكد وزير العدل ان اليمن ممثلة في أجهزة الضبط القضائي او السلطة القضائية الممثلة في النيابة العامة والمحاكم تحرص كل الحرص على احترام حقوق الانسان وما كفلته الاتفاقيات الدولية والدستور والقوانين المتعلقة بحقوق الانسان . كما اكد انه لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تنضم اليمن الى اتفاقية دولية وان تتركها حبيسة الادراج دون ان تقوم بمراجعة شاملة لتشريعاتنا الوطنية طالما وان هذه الاتفاقية قد أصبحت من جزء نظامنا القانوني الواجب التطبيق امام الجهات المعنية بتطبيق القانون كلا فيما يخصة . وأشار الوزير الاغبري إلى ان احترام حقوق الإنسان في اليمن واقع مجسدا سواء من خلال النصوص التشريعية المختلفة أو من خلال الواقع العملي .. موضحاً ان الاتفاقيات الدولية بمجرد المصادقة عليها وتستكمل الاجراءات القانونية والدستورية لانضمام اليمن إليها تصبح بقوة القانون والدستور جزء من نظامنا التشريعي وتصبح ملزمة لكافة الجهات المعنية بتطبيق القانون . ولفت الى أن الحكومة خلال الفترة الماضية قامت بمراجعة العديد من القوانين وأجراء عملية مؤامة مع الاتفاقيات الدولية وإنها تقدمت بتعديلات الى مجلس النواب ببعض القوانين وخاصة في مجال قانون العقوبات و الاحول الشخصية و المرافعات وحقوق الطفل .