قبل 47 عاما سطر أبطال وشهداء اليمن أروع ملاحم النضال بتفجيرهم ثورة ال14 من أكتوبر 1963 في جنوب اليمن ومن جبال ردفان ضد الاحتلال الأجنبي، وذلك بعد عام واحد من تفجيرهم الثورة الأم ثورة ال26 من سبتمبر 1962 في شمال اليمن ضد الحكم الإمامي الكهنوتي، وحققوا بذلك نصرا وحلما طالما انتظره اليمنيون عقودا عدّة عانوا خلالها من الفقر والمرض والجهل والتخلف والأميّة وغيرها وتوج نضالهم باستقلال جنوب اليمن في الثلاثين من نوفمبر عام 1967. عن واحدية الثورة اليمنية، وكيف تجلى ذلك، من تجارب شخصية، وأهمية المناسبة والتحدّيات الراهنة التي يواجهها الوطن، وما المطلوب لتجاوزها كان ل"السياسية" هذا الاستطلاع مع أعضاء في مجلس الشورى وأكاديميين ومهتمين. في البداية، يقول نائب رئيس جامعة صنعاء الدكتور أحمد الكبسي: "إن الدلالة التاريخية والسياسية لهذه الاحتفالات المتمثلة بأعياد الثورة، ال48 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 الثورة الأم ووليدتها ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 في عيدها ال47 تكمن في احتفائنا واحتفالنا بالمنجزات التي تحققت من خلال المقارنة كيف كنا وكيف كان اليمن في وضع متخلف يسوده الفقر والجوع والمرض، وكيف استطاع أن يتغلب على التحديات ووصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. ومما لا شك فيه أن أهداف الثورة اليمنية تحققت وتحولت إلى النظرية والتطبيق وحالما نرصد أهدافها ونرى ماذا جرى على أرض الواقع نرى أن الأهداف قد تحققت وأصبحت حقائق رافعة وخاصة بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة وكذلك الحال بالنسبة لبناء الجيش اليمني القوي وإنشاء مختلف الكليات العسكرية والأكاديميات العليا إلى جانب المنجز والتحول الديمقراطي الكبير الذي شهدته البلاد، ولذلك فنحن حالما نحتفي ونحتفل بذكرى أعياد الثورة اليمنية نحتفل بالمنجزات التي تحققت وبالوضع الذي أصبح يحتله اليمن اليوم ويعد رقما مهما في السياسة الدولية والإقليمية وعامل أمن واستقرار لدول الخليج والجزيرة بل ولدول القرن الأفريقي بعد أن كان تابعا ولا شيء يذكر أو كان له حضور متواضع أصبح اليوم يقدم المبادرات سواء بالنسبة للمحيط العربي أو الإسلامي أو الدولي أو على مستوى الأممالمتحدة آخرها مبادرة تطوير العمل العربي المشترك والتي طرحت على طاولة اجتماعات الدول العربية عدة مرات آخرها الاجتماع الذي انعقد في قمة سيرك الليبية قبل أيام وكل ذلك من الأشياء المهمة التي يجب أن نذكرها ونعتز ونحتفل بها ولا ينكرها إلا أعمى البصيرة والبصر". محاولات حاقدة من جهته يرى رئيس لجنة الإعلام والثقافة والشباب والرياضة بمجلس الشورى، اللواء علي عبد الله السلال، أن احتفالات بلادنا بأعياد الثورة هذا العام تكتسب صورة مغايرة لكل الاحتفالات التي سبقتها وأن الثورة اليمنية (سبتمبر أكتوبر نوفمبر) تمر بمحاولات حاقدة للتشكيك في عظمتها ومنجزاتها الكبيرة التي كان آخرها حدث الوحدة اليمنية الخالدة، وكانت على مر الزمن حلم كل أبناء الشعب في المحافظات الجنوبية والشمالية وهدفا مقدسا لثوارها ومناضليها الشجعان وأملا وأمنية غالية لكل أبناء الوطن اليمني، منوها بأنها وبالرغم من ذلك تتعرض اليوم لنفس المؤامرات الحاقدة التي تعرضت لها ثورتا سبتمبر وأكتوبر بهدف إسقاطها والإبقاء على الحكم الإمامي المستبد الظالم ونظامه الاستبدادي وبقاء نظام الاستعمار التسلطي البغيض والسلاطيني العميل حتى يظل اليمن مشطرا وحدوده ممزقة إلى أشلاء ومواطنيه غارقين في حروب أهلية تضاعف الكراهية وتنشر الأحقاد وتعمق الفرقة والتباعد بين الإخوة الأشقاء والوطن الواحد، متناسين أن الوحدة أصبحت عقدا مقدسا بين أبناء الوطن اليمني بعيدا عن الخلافات السياسية والمصالح الذاتية. مواقف عالمية وفي سياق متصل هنأ عضو مجلس الشورى عبد الله مجيدع بهذه المناسبة قائد المسيرة المناضل المشير علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية وكل أفراد شعبنا في الداخل والخارج، موضحا أن هذه الاحتفالات تكتسب أهمية تاريخية وهامة تتمثل في الإنجازات التي تحققت خلال هذه العقود من تاريخ الثورة اليمنية رغم المواجهات الشرسة والصعبة التي واجهتها بمختلف المراحل ومازالت تواجهها حتى اليوم وكذا في التحضير لاستضافة خليجي 20 ولأول مرة في تاريخ اليمن والتي ستقام في أواخر العام الجاري، بالإضافة إلى أنها تتزامن مع المواقف الايجابية والعظيمة للكثير من دول العالم الصديقة والشقيقة ولأول مرة في التاريخ مع شعبنا اليمني وأمنه واستقراره ووحدته وتنميته وفي ظل القضايا والظروف والتحديات غير العادية التي يواجهها اليمن وهي (أي تلك المواقف) إن دلت على شيء إنما تدل على قدرة وسياسة ونشاط ونفوذ قيادتنا السياسية الناجحة ونجاح سياستنا الخارجية التي يقودها ابن اليمن البار المشير علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية وأهمية موقعه وتصديه للمواقف المختلفة التي تهدد الأمن والاستقرار والنمو والتنمية في المنطقة. تحدي الإرهاب والاقتصاد إلى ذلك لم يخف الدكتور الكبسي التحديات التي تواجهها الجمهورية اليمنية في الوقت الراهن أهمها -حد قوله- تحدي الإرهاب والاقتصاد وأن الإرهاب ظاهرة حديثة وغريبة عن مجتمعنا اليمني ولذلك فإن الدولة ممثلة بالقوات المسلحة والأمن وقوات مكافحة الإرهاب وما تمتلكه من خبرة وبدعم دولي تحاصر الإرهاب في الكهوف والجروف وفي الصحارى وكذلك يفعل الشعب اليمني بأسره. وأضاف: "والتحدي الاقتصادي مرتبط بالظاهرة الأولى، فبمجرد تحقيق الأمن والاستقرار سيزدهر اليمن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا واجتماعيا ولا ننكر أن الانفجار السكاني أحد أبرز الإشكاليات التي يعانيها مجتمعنا اليمني وبالمقابل يمتلك اليمن الكثير من الكفاءات والقوى المتعلمة والماهرة من خريجي الجامعات ونتمنى من الشركات الدولية أن تأتي للاستثمار في اليمن وأن تفتح دول الجوار أسواقها لتمكين الكفاءات اليمنية من العمل لديها". توفير فرص الخروج من جهته قال أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء الأستاذ الدكتور أحمد الصايدي إن "الاحتفالات بأعياد الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) تكتسب هذا العام صفتها الاستثنائية من واقع ما يمر به الوطن من أحداث وما يحيط به من مخاطر وتحديات، يتوقف علينا بالدرجة الأولى، لا على غيرنا، توفير فرص الخروج من دائرتها، بأقل قدر من الخسائر وبأكبر قدر من المكاسب، عبر بذل الجهد الصادق، لتوفير شروط التلاحم والتفاعل، المبنيين على تحقيق الرضا العام في أوساط المواطنين، على امتداد الوطن الواحد. ولن نتمكن من بلوغ هذه الغاية إلا بالعمل المخلص والجاد، لتحويل المضامين المعلنة للثورة إلى واقع يعيشه المواطن كل يوم، مساواة وعدلاً ورخاءً وأمناً ومسؤولية. هذا الفعل يعتبر فرض عين على كل فرد في هذا الوطن، حاكماً أو محكوماً، وإن تباين حجم المسؤولية، بحسب موقع كل منا وسلطاته ولا يمكن لأحد أن يعفي نفسه من المسؤولية التاريخية، الملقاة على عواتقنا جميعاً، في مواجهة التحديات، بدءاً بترتيب أوضاعنا ومعالجة مشكلاتنا، وتحمل مسؤولية أخطائنا والعمل بصدق على تصحيحها، للوصول إلى بر الأمان". وأوضح الصايدي أن المشكلات التي يواجهها الوطن، بعد مرور سبعة وأربعين عاماً على ثورة أكتوبر وثمانية وأربعين عاماً على ثورة سبتمبر، لم تولد من فراغ، ولم تولد بعيدة عنا، فنحن صنّاعها وعلينا جميعنا أن نواجهها ونعمل على حلها، بالنية الصادقة والحوار الجاد الهادف، البعيد عن التكتيكات القصيرة النظر والمقاصد الأنانية الضيقة، منوها بأن الوطن أكبر منا جميعاً، وخيره خير لنا جميعاً وما قد يلحق به من سوء لا قدر الله، سوف يلحق بكل فرد ينتمي إليه، ولن ينجو أحد من الضرر أو يعفى من المسؤولية، داعيا إلى أن تكون احتفالاتنا بأعياد الثورة هذا العام ذات طابع استثنائي، يتناسب مع صفتها الاستثنائية، وذلك بالارتفاع إلى مستوى استثنائي، من الشعور بالمسؤولية والصدق مع النفس والإخلاص في العمل والحرص الحقيقي على خير الوطن وخير أبنائه حتى لا يبقى أحد بيننا يشعر بالغبن والقهر والظلم وذل الحاجة؛ لأن مثل هذا الشعور يشكل بيئة صالحة لكل ما من شأنه أن يهدد السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية، ويقضي على الشعور المشترك بالانتماء إلى وطن واحد ومجتمع واحد، وإلى ثورة واحدة، عبرت أهدافها المعلنة، عن ضمير الإنسان اليمني وأحلامه وطموحاته. الاحتفالات لا تسهم... ويتفق مع تلك المطالب عضو مجلس الشورى علي لطف الثور، مؤكدا أن التركيز لا يجب أن ينصب على الاحتفالات وإنما على معالجة الاختلالات ومواجهة التحديات في إطار قناعات وتوافق وطني شامل للتمكن من الوفاء بالمتطلبات والتصدي للاختلالات والتحديات، مشيرا إلى أن الاحتفالات لا تسهم في التصدي لمثل هذا الوضع المتوتر في الشمال والجنوب ونشاط تنظيم القاعدة داعيا إلى ضرورة الوصول السريع والعاجل بالحوار الشامل إلى ترسيخ واحدية ومضامين الثورة اليمنية وترسيخ قيم الوحدة الوطنية وحتى لا يفلت الأمر من أيدي الجميع. محطات جديدة.. من جانبه لفت عضو مجلس الشورى محمد العيدروس إلى الأهمية التي تكتسبها احتفالات شعبنا هذا العام، موضحا أن الأهم من ذلك "علينا جميعا أن نجعل من هذه المناسبات الوطنية محطات جديدة ننطلق من خلالها لبذل المزيد من العمل الجاد والصادق وأن نخطو خطوات راسخة ومدروسة لاستكمال الخطوات التي بدأناها على طريق بناء اليمن الجديد المزدهر حتى نتمكن من مواكبة تطورات العصر لاستيعاب المتطلبات المنشودة للأجيال اليمنية". وأضاف: "وأن نجعل المزيد من العمل المخلص المفيد في اتجاه الحاضر والمستقبل والترفع عن الصغائر والعمل كفريق واحد نحو تحقيق المزيد من الإنجازات الوطنية؛ لأنه الأساس القوي للتصدي لكل التحديات باعتبار الثورة وإنجازاتها ملكا للشعب وليست ملكا لفرد أو حزب أو قبيلة أو جماعة". رص الصفوف ودعا عبد الله مجيدع (الذي كان ممن لهم شرف المساهمة في الدفاع عن صنعاء في حصار السبعين يوما وكان حينها بداية مرحلة شبابه في جبهة "نقيل يسلح" صامدا حتى انتهاء الحصار ومشاركته في معظم الجبهات في الدفاع عن الثورة والجمهورية وثورة 14 أكتوبر 1963 ولا يزال يتذكر تلك الأحداث والنضالات) إلى رص الصفوف بين أبناء الوطن الواحد والتعاون والتكاتف والتآزر لمواجهة التحديات الكبيرة والهامة التي تواجهها اليمن، خصوصا وأن من المعيب ألا يتم ذلك والعالم بأسره يقف معنا وتعميق الحوار والتفاهم من خلال المتحاورين لمعالجة مختلف القضايا والمشاكل التي نواجهها. وأكد الكبسي أن أمن واستقرار اليمن مهم جدا ومرتبط ارتباطا عضويا بأمن واستقرار دول الخليج والجزيرة وأي إشكاليات يواجهها اليمن سواء في أمنه أو استقراره أو اقتصاده، لا شك أنها ستؤثر سلبا على أمن واستقرار هذه الدول، وهو ما يتطلب من دول الجوار أن تساعد اليمن للتغلب على التحديات الاقتصادية، منوها بأنه بوجود الأمن والاستقرار ستوجد الاكتشافات العديدة سواء النفطية أو الغازية أو المعادن الثمينة والاستثمارات والمستثمرين. ودعا إلى ضرورة توحيد الصف ومحاصرة الإرهاب ومحاسبة أعداء الله والوطن وأعداء التنمية الذين يحاولوا أن يسيئوا إلى سمعة اليمن واليمنيين. واحدية الثورة اليمنية ما ينبغي تأكيده في هذا السياق أن جميع من التقيناهم أكدوا واحدية الثورة اليمنية،، وبينوا أن العمق الوطني لعلاقة الارتباط النضالي والشعبي أنتج واحدية الثورة، حيث كانت الأهداف واحدة والصف والمواقف واحدة وامتزجت دماء كل اليمنيين لتروي شجرة الحرية في كل أرجاء الوطن، ويخطئ من يعتقد أنهما ثورتان منفصلتان. فانتصار الثورة اليمنية شكل علامة راسخة في حياة كل أبناء اليمن وحملت راية التحرر من النظام الإمامي الكهنوتي المستبد والاحتلال الأجنبي البغيض. ولفت الدكتور الصايدي في هذا السياق إلى أن الأمر هنا يحتاج إلى أن نقلب بعض صفحات من تاريخنا القريب، الذي ما يزال جزءٌ كبير منه عالقا في الذاكرة. ويستطرد الصايدي: "ولأن حيز الإجابة الصحفية لا يسمح بعرض الصورة كاملة، فسأكتفي بالقول: نظراً لسياسة الاضطهاد، التي انتهجها النظام الإمامي، تجاه معارضيه، وعدم وجود قاعدة شعبية عريضة مساندة، يستطيع المعارضون الاعتماد عليها والاحتماء بها، بسبب انعدام التعليم وتدني الوعي، لم يجد الكثيرون منهم مناصاً من الفرار إلى مستعمرة عدن، يلوذون بها ويتنفسون نسيم الحرية المحدود، المتوفر حينذاك فيها، وهناك التقى أحرار الشمال برجال الحركة الوطنية في الجنوب، فامتزجت الحركتان، وإذا بهما، من الناحية العملية، تغدوان حركة واحدة، ذات مهمتين رئيسيتين: تخليص الشمال من النظام الإمامي وإخراجه من سجن تخلفه ليلج حياة العصر الحديث، وتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني وصولاً إلى إعادة توحيد الوطن اليمني تحت نظام حكم ديمقراطي عادل. وقد بلغ اندماج وامتزاج الحركتين درجة انعدمت عندها الحدود بين نشاطاتهما اليومية فقد التحمت الحركة الوطنية الشمالية، الممثلة في عدن بحزب الأحرار ثم بالجمعية اليمنية الكبرى ثم بالإتحاد اليمني، التحمت بالحركة الوطنية في الجنوب، وانخرط رجال الحركة الوطنية الشمالية في خضم الحياة السياسية في الجنوب، من خلال الجبهة الوطنية المتحدة والمؤتمر العمالي، ثم من خلال الأحزاب الحديثة: البعث، حركة القوميين العرب، اتحاد الشعب". غادروها على عجل وأضاف الصايدي: "وعندما انطلقت ثورة 26 سبتمبر 1962 في صنعاء، غادر آلاف العمال والتجار والموظفون والفلاحون، مستعمرة عدن ومناطق المحميات، غادروها على عجل، لا يلوون على شيء، باتجاه صنعاء، ليقذفوا بأنفسهم في أتون المعارك الدائرة، دفاعاً عن النظام الجمهوري الوليد ولم يطل الأمر كثيراً، حتى أدركت ثورة سبتمبر أن الوجود الاستعماري في جنوب الوطن والوجود الإمامي في شماله هما وجودان متلازمان، وأن بقاء أحدهما كان دائماً يشكل ضماناً لبقاء الآخر وأن انتصار النظام الجمهوري في الشمال، أصبح مرهوناً بزوال الوجود الاستعماري في الجنوب ولهذا جهزت ثورة سبتمبر ودربت وسلحت ومولت وخططت لتفجير ثورة 14 أكتوبر 1963 في الجنوب، بعد عام واحد تقريباً من قيام الثورة في الشمال. ومثلما ساهمت الحركة الوطنية، بتنظيماتها المختلفة، في الشمال والجنوب، في التهيئة لثورة سبتمبر، سارعت فصائلها إلى الانخراط في صفوف ثورة أكتوبر، وقارعت الاستعمار، حتى توج نضالها باستقلال جنوب اليمن في الثلاثين من نوفمبر عام 1967". ولفت الصايدي إلى أنه بعد ذلك اقترب الشطران أو كادا من تحقيق الهدف الأكبر، وهو إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني؛ ولكن تعقيدات الأوضاع السياسية في الشطرين وقواعد اللعبة السياسية الدولية فرضت على الشعب اليمني أن ينتظر أكثر من عقدين من الزمن حتى يحقق حلمه ويوحد وطنه وأنه وبقيام الوحدة، عام 1990 التحمت ثورتا سبتمبر وأكتوبر من جديد، ليكتمل بذلك البعد التاريخي للثورتين، ولتتأكد حقيقة أن جوهرهما واحد، تجلى في مظهرين، لتصنعا معاً، عبر رحلة طويلة ومعقدة، اليمن الواحد، مبينا أن على الثورتين، لتؤكدا أنهما ثورة واحدة تجلت في مظهرين، أن تواصلا نضالهما في سبيل بناء الدولة اليمنية الحديثة، دولة النظام والقانون والعدل والتنمية، التي تعبر عن روح الثورة اليمنية الواحدة وتجسد أهدافها وتحقق الخير والسلام لكل أبناء اليمن. وأكد الصايدي أن الثورة تكتسب شرعيتها من خلال تحقيقها لأهدافها المعلنة، وتفقدها إذا ما فرطت أو عجزت عن تحقيق هذه الأهداف وهو ما يجب أن نؤكد عليه في احتفالاتنا هذا العام، نظراً لطبيعة الظروف الاستثنائية، التي يمر بها وطننا، وما تستلزمه من صدق مع النفس، ومن إحساس استثنائي بالمسؤولية تجاه الثورة وتجاه الوطن والمواطنين. تحقيق اللحمة اليمنية إلى ذلك أكد عضو مجلس الشورى عبد الحميد الحدي أن نضال اليمنيين في مختلف مناطق اليمن الطبيعية، واحدة منذ بداية القرن العشرين، وليس من أواخره كما يعتقد الكثيرون، وأن الحركة الوطنية السياسية -حد قوله- تبلورت منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كبير على مستوى النضال الوطني في جنوب اليمن أو على مستوى حركات التغيير ما قبل ثورة 48 في شمال الوطن متفقا مع غالبية ما سرده الصايدي سابقا. الحدي هو الآخر ممن كان لهم دور في النضال الثوري اليمني في تلك الفترة برغم صغر سنه حيث لم يتجاوز ال12 عاما، إلا أنه كان أحد الطلبة الذين شاركوا في انتفاضة الطلبة في صنعاء والتي تمت أيضا في تعز قبيل انفجار ثورة 26 سبتمبر وهو ما أدى إلى إلقاء القبض على عدد منهم وتم حبسهم في عدد من سجون الإمامة. لكن الحدي حالفة الحظ بالهروب إلى مدينة عدن وقامت ثورة 26 سبتمبر 1962 وهو ما يزال هناك في الاتحاد اليمني مع مجموعة من زملائه ممن شاركوا في الانتفاضة من مدارس صنعاء ومدرسة الأحمدية في تعز. ويضيف الحدي: "كان المناضلون اليمنيون يتطلعون من نضالهم وعملهم السياسي المنظم سواء في شمال الوطن أو في جنوبه إلى نقل المجتمع اليمني من حالة الجمود والتخلف الشديد ومن تركة التخلف الثقافي والاجتماعي والتعليمي إلى حالة جديدة الهدف الأساسي والأسمى منها هو تحقيق التغيير الكلي، ويجمعون على أنه لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتغيير النظام الملكي في شمال اليمن وجلاء المستعمر البريطاني من جنوب اليمن واللذين مثلا هما واحدا بالنسبة للحركة الوطنية وتحقق ذلك بتفجير ثورة ال26 من سبتمبر 1962 ثم تفجير ثورة 14 أكتوبر 1963 بعد نضال دؤوب لكل الحركات الوطنية وبالتالي واحدية الثورة اليمنية لم تكن مجرد ادعاء أو شكل أو حالة من حالات الإعلام بل كانت ممزوجة بدماء اليمنيين جميعا". وأوضح الحدي أن جميع الثوار كان هدفهم الكبير تحقيق اللحمة اليمنية من خلال إعادة لحمة اليمن وعودة لحمة الشعب اليمني ووحدة الأرض اليمنية وهو ما تم في ال22 من مايو 1990 وأن ذلك لم يكن وليد الصدفة وإنما نتيجة لكل المخاضات والنضالات والتضحيات التي قدمها شهداؤنا الأبرار وأبطالنا اليمنيون ممن مازالوا على قيد الحياة أو في رحاب الله، منوها بأن ذلك ما يتوجب أن يتذكره كل سياسي من أبناء الجيل الحالي ويراعي ذلك ويبذر بذرتها الوطنية الصادقة الصافية بعيدا عن النتوءات المتخلفة التي بدأت تبرز هنا وهناك، وأن نتذكر تلك الدماء والتضحيات ونعكسها في نفوس أبنائنا وخاصة جيل الوحدة ممن يجهلون حالة التشطير ومخلفاته وحالة التمزق التي كانت تسود اليمن حينها ونعمق ذلك في نفوس الشباب ونطلعهم بأن ما وصلنا إليه من التعددية السياسية والحزبية وما تحقق في الجانب التنموي وإن كان فيها بعض النتوءات المتخلفة، إلا أنها جاءت نتيجة تلك التضحيات لأولئك المناضلين الأوائل ممن عانوا كثيرا من أجل أن يسعد أبناء الجيل الحالي ويبنى مستقبل الغد المنشود الذي يطمح أن يكون أفضل مما هو قائم. تطبيق مبدأ المساواة وأكد الحدي ضرورة السمو في خلافاتنا ونشاطنا السياسي التعددي والحزبي وأن على كل القوى السياسية والحزبية أن تراعي تلك التضحيات وأن تنبذ المناطقية والطائفية والسلالية والعنصرية... كونها أمراضا اجتماعية نبذها المناضلون الأوائل وشهداء اليمن الأبرار ممن ناضلوا لتحقيق اللحمة اليمنية، وأن يعمقوا الوحدة الوطنية من أجل أن يساهم اليمن المعطاء في مسيرة أبنائه وأمته العربية والإسلامية ومسيرة الإنسانية بشكل عام، داعيا هذه القوى إلى أن تلتزم بوحدة الأرض ووحدة الشعب وما عداه فلنختلف حول كيفية تسيير أمور الدولة من خلال حكومة تتحمل مسؤوليتها في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووضع حقوق الإنسان بالدرجة الأولى وتعزيزها وتطبيق مبدأ المساواة القانونية بين أبناء الوطن اليمني، لافتا إلى أن الدعوة إلى الأقاليم أو الفيدرالية أو الكونفدرالية لا تخدم اليمن ولا نضالات اليمنيين في ترسيخ الأمن والاستقرار واحترام وحدة اليمن وموقعها المتميز والذي يعد من أهم المواقع في العالم. قحطان: انهاء آثار فتنة 94 وتحقيق العدالة الاجتماعية قال عضو مجلس الشورى الشيخ يحيى قحطان إن الصراع والمكايدات والمنازلة الدائرة حاليا بين الأحزاب سلطة ومعارضة والتي تتفاقم وتتصاعد كلما حل موسم الاستحقاقات الدستورية والانتخابات البرلمانية من أهم الأخطار والتحديات التي تواجه نظامنا الوحدوي الديمقراطي. وكذا الأجندة التآمرية والتحديات الخارجية التي تستهدف إفراغ الثورة اليمنية والوحدة المباركة من مبادئهما وقيمهما العادلة والتحررية ومقاصدهما الأخوية والتوافقية والتكافلية القائمة على الشراكة المتكاملة والمواطنة المتساوية والديمقراطية الشوروية تنفيذا لأجندة جهنمية للاستراتيجية الاستعمارية الماسونية والصهيونية العالمية. وأشار قحطان إلى الأهمية التاريخية لاحتفالات شعبنا بأعيادنا الوطنية والتي تأتي في مقدمتها الوحدة اليمنية المباركة وحدة النسيج الاجتماعي لشعبنا اليمني وجملة من التحويلات والاستحقاقات الدستورية القادمة والتي سيصاحبها تعديلات دستورية وتطوير النظام السياسي وترسيخ المسار الوحدوي وتحقيق العدل الاجتماعي، موضحا أن ذلك لن يتحقق إلا باجتثاث الأسباب التي أدت إلى الاختلالات الأمنية والحقوقية وتشكيل الوعي التشطيري ونشر ثقافة الحقد والكراهية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية والمصادمات الدموية في هذه المحافظة أو تلك، مؤكدا أن من أهم عوامل تمتين وترسيخ نظامنا الوحدوي الديمقراطي إنهاء آثار حرب وفتنة 94 المشؤومة وتحقيق الشراكة المتكافئة والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية المبنية على تحقيق تكافؤ الفرص توزيع الثورة والأراضي على جميع أفراد المجتمع بالسوية. إلى جانب وقف إهدار المال العام ووقف نهب الأراضي العامة والخاصة وإعادة النظر في توزيعها وتقليم أظافر الفساد ومحاسبة المفسدين والعمل على إشاعة الحريات العامة وكفالة حقوق الإنسان وعدالة توزيع الثروات والاستحقاقات وإزالة الفوارق والامتيازات بين طبقات المجتمع كما جاء في أدبيات ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين. ونوه قحطان بأن ما يرسخ روح الوحدة الوطنية بالإضافة إلى ما سبق التحلي بوحدة العقيدة الإيمانية القائمة على روح الأخوة والتآلف والتراحم والتصالح والتسامح والتكافل بين كل أفراد المجتمع اليمني وإشاعة ثقافة الوسطية والاعتدال والأمن والإيمان والوحدة والوفاق والمحبة والسلام، مشددا على ضرورة نبذ العنف والغلو والتطرف والثأر والتقطع والقتل والتخوين والتحقير والتكفير والهمز واللمز ضد بعضنا البعض وتجنب إثارة النعرات القبلية والمناطقية والسلالية ... ورفضها. وناشد كافة الأحزاب السياسية، سلطة معارضة، والقوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، العمل على إنجاح الحوار الوطني والذي يتطلب مشاركة الجميع دون استثناء لأحد؛ كون الحوار غالبا ما يكون مع الخصوم والمختلفين، وأن على الأطراف المتحاورة الاستماع والإصغاء للرأي الآخر المخالف، وأن يسود الجميع الاحترام المتبادل بعيدا عن التعصب والمكابرة وتجنب السب أو الشتم وفقا للهدي القرآني والنبوي. وأكد قحطان واحدية الثورة اليمنية والتي تجلت -حد قوله- بما قدمه شعبنا اليمني، شمالا وجنوبا، من تضحيات جسام وقوافل من الشهداء والكرام حتى تحقق النظام الجمهوري والاستقلال الوطني وتحقق الهدف الاستراتيجي: الوحدة اليمنية التي أجمع شعبنا على أنها روحه ومصدر قوته وعزته وأمنه وازدهاره، وأن البعد الإسلامي لوحدة شعبنا تمثل في الوشائج والعوامل التي وحدة المسار الجهادي والنضالي لليمنيين، ومن أهمها وحدة الدين واللغة والثقافة ووحدة الأرض والإنسان و الوشائج الرحمية والنسبية ومنظومة القيم الروحية والتراثية والأخلاقية والتقاليد الأصيلة. وكشف قحطان ما جاء في أدبيات ثورة 14 أكتوبر المجيدة والتي أكدت أن وحدة الشعب اليمني ظلت عبر التاريخ على الرغم من حالات التمزق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولم تتمكن أي نهضة أو حضارة حقيقية أن تقوم إلا في ظلها، داعيا إلى وجوب أن نحيى بإجلال وإكبار مناضلينا الأبطال وشهداءنا الأبرار مواكب الخالدين لثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين ولكل الحركات الوطنية والذين أصبحوا جنودا مجندة موحدة ومواكب خالدة متآلفة في رحاب الله ينادوننا من وراء الأفق أفق الحياة البرزخية، ويناشدوننا العهد والميثاق الذي فارقونا عليه، أن نحرص على ترسيخ الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية وتسوير دولة الوحدة بالعدل والمساواة وتنقية المحافظات من المظالم والفساد وتقوية مداميكها بسيادة القانون والنظام وتحصينها بالإسلام عقيدة وشريعة، كونه الحصن الحصين وصمام الأمان لحاضرنا ومستقبلنا ومعاشنا ومعادنا، معتبرا أن كل ذلك كان حلما ومطلبا لشهدائنا الأبرار الذين قدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة لتحقيقه ولكي ينعم شعبنا بالحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية ومن غير المنصف أن نجعل دمائهم تذهب هدرا.
د. المسعودي: الثورة دون تنمية لا تعني ثورة "لا يدعي أنه أحد الثوار ولا من أفراد الصف الأول ممن قادوا الثورة اليمنية ولا الصف الثاني ولا حتى الثالث؛ لكنه كان مقاتلا يبادر لحمل السلاح حيث يمكن التصدي هناك للاستعمار ومخططاته في جنوب اليمن والإمامة في الشمال والتي حاولت أن تعيد اليمن إلى الماضي البغيض". بهذه العبارة وصف المواطن اليمني عبد العزيز قائد المسعودي نفسه بداية حديثه عن تجربته الشخصية في الثورة اليمنية. يعمل حاليا أستاذ كرسي في قسم التاريخ كلية الآداب جامعة صنعاء. يؤدي واجبه -كما يقول- في تنشئة الأجيال على أسس وثوابت وطنية تمت بصلة مباشرة بأهداف الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963. ويضيف: "بالحديث عن تجربتي الشخصية يومها كنت شابا أنهيت دراستي العسكرية في الكلية الحربية بصنعاء. وشاءت الأقدار أن أشارك في حصار عدن يونيو 1967 وكنت ضمن المجموعات المقاتلة في إطار التنظيم الشعبي الجناح العسكري لجبهة التحرير، وشاهدت بأم عيني سقوط مدينة عدن في يد الثوار. ثم نشبت خلافات حادة بين فصيلي جبهة التحرير والجبهة القومية ووقعت ضمن الاعتقال وتحولت فجأة إلى تنظيم الجبهة القومية اعتقادا مني بأنه المؤهل لمواصلة الكفاح المسلح. ولكن إبان ذلك انفجرت الحرب الأهلية بين هذين الفصيلين المتنافسين على السلطة وعرجت على طور الباحة القريبة من لحج بتكليف من إحدى الخلايا وحدثت في شمال الوطن حركة 5 نوفمبر 1967 التي أطاحت بالمشير السلال وكانت لدي قناعة بأن عهدا جديدا في صنعاء وبحكم ارتباطي سابقا بمؤسسة القوات المسلحة -سلاح المدفعية- عرجت على صنعاء ووصلت إبان نوفمبر 67 وبعدها بأيام معدودة قطعت طريق صنعاءالحديدةوصنعاءتعز وكنت ضمن المتطوعين المبادرين لتصحيح الأوضاع قتاليا الجبهة الجنوبية حدين موقع رئاسة الجمهورية وسفح جبل نقم وتمركزت هناك في ماجل الحفا لبدء معركة الحصار عن صنعاء؛ لأن كل السفارات غادرت والقوات المصرية، تزامنا مع القوات البريطانية، غادر الكل من صنعاءوعدن. هذه تجربتي بإيجاز ولا أدعي كما أسلفت أنني كنت من الثوار وإنما كنت مقاتلا أبادر لحمل السلاح حيث يمكن التصدي هناك للاستعمار ومخططاته في الجنوب والإمامة في الشمال والتي حاولت أن تعيد اليمن إلى الماضي البغيض". ويضيف: "أثناء اندلاع ثورة 14أكتوبر 1963 كنت شابا يافعا لم أتجاوز ال15 أو 16 عاما في مدرسة الأسلحة بتعز وكان يومها يسمح للشباب الحاصلين على الابتدائية أو إعدادية متوسطة الانخراط في الكلية العسكرية وبالرغم أنني كنت من ضمن المتطوعين في الحرس الوطني لكني من حسن الصدف قبلت ضمن الدفعة الثالثة كلية حربية أو كانت يومها في تعز مدرسة الأسلحة وما زلت أتذكر طلائع القوات المصرية التي وصلت إلى تعز ولقيت ترحيبا واسعا ثم بدء فتح جبهة القتال بعد اندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963 من جبال ردفان وظهرت الفصائل المتنافسة على الصراع وكنت أتابع الأحداث يوما بيوم وهذا ما حفزني أو انتدبت لهذا السبب بحكم طفولتي في عدن للمشاركة في العمل الفدائي في المحافظات الجنوبية أو الجنوب المحتل سابقا". وأكد المسعودي فيما يتعلق بواحدية الثورة اليمنية أن أكتوبر جاء مكملا لسبتمبر، وأن تكرار الحديث حول هذا في كل ذكرى يشعره بنوع من الملل الشديد عند الحديث عن الثورة، منوها بأن الثورة من وجهة نظره واحديتها تتمثل في التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي، وأن الثورة حالة آنية لحماس واندفاع جماهيري ثم هناك وقود للثورة وسلطة سياسية وحالة من التطور عبر المرور بمراحل، موضحا أنه الآن يشاهدها من زاويته الخاصة كأستاذ أكاديمي ومحارب قديم حمل السلاح ويعتز بذلك أن الثورة دون تنمية اقتصادية واجتماعية وخطاب سياسي واضح المعالم وليس خطابا آني للاستهلاك المحلي لا تعني ثورة. ويسترسل: "أؤمن باستمرارية الثورة؛ لكن ليس العنف كما كنت أحلم بذلك وأنا شابا صغيرا، فالثورة هي عمل وكفاح وبناء وتطوير وتنمية وإنشاءات وبالذات الجيل الجديد والصاعد حتى يستوعب مفهوم الخطاب السبتمبري والأكتوبري". صحيفة السياسية