لا تزال قضية موظف الاستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن التي أثارت توترات حادة بين الولاياتالمتحدة وبعض حلفائها أبرزهم الاتحاد الاوروبي تحظى بمتابعة دولية حثيثة، خصوصا بعد حصول سنودن الذي كشف عن سلسلة تسريبات عن قيام جهاز الامن القومي بجمع معلومات عن مكالمات هاتفية واتصالات انترنت للعديد من دول العالم على حق اللجوء المؤقت في روسيا. وبعدما ظل سنودن المستشار السابق في الاستخبارات الاميركية، عالقا قرابة الشهر في منطقة الترانزيت في احد مطارات موسكو وقد طلب اللجوء المؤقت الى روسيا، وتم السماح لسنودن بالبقاء في روسيا مؤقتا لكنه اثار غضب الولاياتالمتحدة التي طالبت بتسليمه وتريد محاكمته بتهمة تسريب معلومات عن برامجها الواسعة للمراقبة. ويأتي حصول سنودن على حق اللجوء السياسي بعد يومين من إعلان وكالة الأمن القومي الأمريكية أنها تعتزم رفع السرّية عن الوثائق المتعلقة ببرنامج التجسس على مستخدمي الإنترنت “بريسم ” PRISM، والتي كانت قد أثارت قدرًا كبيرًا من الضجة لدى قيام سنودن بتسريب جزء منها في يونيو الماضي. ودفع الخلاف بين واشنطنوموسكو حول سنودن الى قيام الرئيس باراك اوباما بإلغاء زيارته المقررة الى موسكو في سبتمبر المقبل قبيل قمة مجموعة العشرين في سانت بطرسبرغ، كما زاد من توتر العلاقات المتوترة اصلا بسبب عدد من القضايا. وأعلن البيت الأبيض الاسبوع الماضي أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيلغي اجتماعه المقرر عقده مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الشهر القادم. وأبدت الإدارة الأمريكية مرارا استياءها بعد أن منحت موسكو حق اللجوء لسنودن الموظف السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكية رافضة طلب الولاياتالمتحدة تسليمه لمواجهة تهم منها التجسس. وقال البيت الأبيض في بيان إنه يقدر "الانجازات التي تحققت" بين روسياوالولاياتالمتحدة لكنه أشار إلى "عدم إحراز تقدم" بشأن مجموعة قضايا أخرى "مثل الدفاع الصاروخي والرقابة على الأسلحة والعلاقات التجارية وقضايا الأمن العالمي وحقوق الإنسان والمجتمع المدني." وأضاف البيان "قرار روسيا المخيب للآمال بمنح إدوارد سنودن حق اللجوء مؤقتا كان أيضا من العوامل التي أخذناها في الاعتبار عند تقييم الحالة الراهنة لعلاقتنا الثنائية." وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن أوباما يعتزم أن يضيف السويد كمحطة في رحلته لحضور قمة مجموعة العشرين في أوائل سبتمبر القادم. وكان أوباما أكد الثلاثاء أنه سيسافر إلى روسيا هذا الخريف لحضور القمة التي تعقد في مدينة سان بطرسبرج الروسية لكنه عبر عن خيبة أمله لقرار موسكو الخاص بسنودن. وحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهدئة الامور بخصوص قضية سنودن مؤكدا ان الاولوية هي لإقامة علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة. لكن يرى أغلب المحللين ان قضية التجسس المتهمة فيها أمريكا ستؤثر سلبا على مسار تطوير العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا، محذرين من تداعيات خطيرة على العلاقات الثنائية خصوصا بعدما منحت روسيا حق اللجوء، لتتسمم هذه القضية العلاقات الصعبة في الاصل بين البلدين. وأثارت المعلومات التي كشفها سنودن الذي تريد الولاياتالمتحدة اعتقاله بتهمة التجسس قلق الأمريكيين من عمليات تجسس في الداخل ووترت علاقات واشنطن مع بعض حلفائها. ويرى الكثير من المحللين أن تزايد التوترات السياسية واحتدام الأزمات الدولية خلال الاونة الاخيرة، خصوصا بعدما باتت الدول المتخاصمة اليوم شبه متوازنة القوى، مما قد يعيد الحياة للحروب الباردة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية. كما يرون أن نقص الثقة وسباق النفوذ والمصالح والحروب الخفية بشتى أنواعها بين روسيا وأمريكا تفرض تحديات توازن القوى وفرض الهيبة الدولية لتجعل الصراع على عرش العالم اكثر احتداما. ونقل سنودن الى مكان لم يكشف عنه. بينما صرح محاميه انه حصل على لجوء مؤقت في روسيا بعد اسبوعين من تقدمه بطلب اللجوء، وشكر سنودن روسيا على منحه اللجوء. وقال في اول تصريح علني له منذ مغادرته المطار "خلال الاسابيع الثمانية الماضية شاهدنا ادارة اوباما لا تظهر اي احترام للقوانين الدولية او الداخلية، ولكن في النهاية فان القانون هو الفائز"، كما شكر والده كذلك روسيا وقال لتلفزيون روسيا 24 "انا ممتن جدا لروسيا .. لقد كان اسبوعا طويلا جدا .. وانا احب ابني". وقال اناتولي كوتشيرينا محامي سنودن ان موكله "غادر مطار شيريميتيفو. لقد سلمناه لتونا وثيقة تفيد انه حصل على لجوء موقت لمدة سنة في روسيا"، موضحا انه "في مكان آمن"، رافضا تقديم مزيد من الايضاحات. وسنودن (30 عاما) مطلوب لدى الولاياتالمتحدة التي تتهمه بتسريب تفاصيل برامج مراقبة واسعة كانت تقوم بها السلطات الاميركية، الا ان روسيا رفضت تسليمه الى واشنطن، وفي مقابلة مع تلفزيون "روسيا 24" حمل كوتشيرينا نسخة عن الوثيقة التي منح سنودن بموجبها حق اللجوء في روسيا لمدة عام. وانتقد السناتور الجمهوري جون ماكين القرار الروسي بشدة في رسالة على تويتر، وقال ان "سنودن يبقى في ارض الشفافية وحقوق الانسان. حان الوقت لاعادة الضغط على زر مراجعة العلاقات مع روسيا"، الا ان استطلاعا نشر اظهر ان 55% من الاميركيين يعتبرون سنودن مسربا للمعلومات وليس خائنا، وقال الاستطلاع الذي اجراه معهد الاستطلاع في جامعة كينيبياك في ولاية كينيتيكت ان 55% من بين 1468 ناخبا مسجلات اتصل بهم المعهد هاتفيا يعتبرون سنودن مسربا للمعلومات، واعتبره 34% فقط خائنا، فيما قال 11% انهم لا يعلمون او لم يقدموا اجابة. بحسب فرانس برس. وقال بيتر براون المدير المساعد للمعهد ان "معظم الناخبين الاميركيين ينظرون الى ادوارد سنودن بايجابية، ولكن ذلك كان قبل قبوله اللجوء في روسيا". وسعى يوري هاريسون مستشار السياسة الخارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الحد من الضرر الدبلوماسي. وقال ان الوضع يجب الا يؤثر على العلاقات مع واشنطن، واكد "الوضع غير مهم ويجب ان لا يؤثر على العلاقات السياسية بين روسياوالولاياتالمتحدة". وتفاعلت قضية العميل السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكي الذي كشف عن أكبر عملية تجسس تنفذها واشنطن ضد العالم متسببة في توتر العلاقات الدولية، لاسيما مع دول أمريكا الجنوبية التي اتخذت قرارات راديكالية حينها منددة ببرامج التجسس الامريكية،وأكدت حينها تطوع عدد من دول المنطقة في تقديم اللجوء السياسي لسنودن. وانفجر ملف إدوارد سنودن الشهر الماضي عندما كشف أن الولاياتالمتحدة تمتلك برنامجا للتجسس على العالم بدون استثناء، واسمه ‘بريزم' يتجلى في تقديم شركات أمريكية مثل غوغل وآبل وسكايب والفايسبوك بيانات الى الاستخبارات الأمريكية. والبرنامج الثاني هو ‘تمبرا' يتمثل في اعتراض الولاياتالمتحدة وأمريكا وبريطانيا كل مكالمات واتصالات العالم.