يظهر التعثر الحاصل في مفاوضات السلام الفلسطينية – الاسرائيلية الجارية حالياً، في ظل المراوغة التي يبديها الجانب الاسرائيلي خلال المفاوضات بشأن التوصل الى اتفاقات حول القضايا الرئيسية، ان هذه المفاوضات لن تحقق أي تقدم باتجاه انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وان هناك حاجة إلى فرض ترتيبات سياسية بتوافق دولي للوصول إلى حل للصراع . ويظهر النموذج الدولي الجديد والذي ظهر في جنيف لحل القضايا الدولية، خاصة مع التوصل الى اتفاق دولي حول الملف النووي الايراني والتصميم الدولي الى التوصل الى حل ينهي الازمة السورية، ان هذا النموذج هو المطلوب لانهاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. وجاء نموذج جنيف كحافز للفلسطينيين، وبرز من خلال تعليقهم على الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مرحلي بين إيران والدول الكبرى الست، مع اعتبروه بأنه يمثل رسالة لإسرائيل، اذا لم يتم التوصل الى اتفاقات خلال المفاوضات الجاري حالياً . ودفع التوصل الى اتفاق بين الدول الكبرى وايران بشأن ملفها النووي، الفلسطينيين الى الدعوة لتطبيق هذا النموذج، خاصة بعدما اكد كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات خلال لقاءه عدداً من الدبلوماسيين المعتمدين في الضفة الغربية، بانه قد "آن الأوان لتطبيق هذا النموذج على فلسطين". وتأكد تأثر الفلسطينيين بالنموذج الذي ظهر في جنيف لحل القضايا الدولية، من خلال العديد من التصريحات للمسئولين الفلسطينيين، ومنها تصريح القيادي والمندوب الفلسطيني السابق لدى الجامعة العربية نبيل عمرو، والذي اعتبر أن التسوية الدولية للملف الإيراني "مثلت مبعث تفاؤل فلسطيني، لأنه يكرس حلاً بالتوافق لملف متفجر بعيداً عن لغة القوة". كما واعتبر عمرو بإنه "عند الانتهاء من الملف الإيراني، سيكون منطقياً أن يهتم العالم بالملف الفلسطيني وأن يضع أسساً جديدة لمعالجة هذه القضية تقوم على الاستقرار والتوافق" خاصة مع دعوة الفلسطينيين مراراً إلى رعاية دولية شاملة لتسوية صراعهم مع إسرائيل انطلاقاً مما يظهروه من "يأس" في نجاح المفاوضات الثنائية الجارية مع اسرائيل. ويرى العديد من المراقبين ان ذلك النموذج اصبح حاجة ملحة لانهاء الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، بعدما اظهرت التصريحات الرسمية من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء، استبعاد إمكانية التوصل لاتفاق. ويوضحون، أن كلا الطرفان يبديان التزاماً بمواصلة مهلة المفاوضات والتي استؤنفت منذ 3 أعوام، في نهاية يوليو الماضي بفضل وساطة أمريكية، وذلك خشية من إلقاء اللوم عليه في حال انهيار المحادثات، في ظل القناعة بأن التوصل لاتفاق "مهمة شبه مستحيلة". وفي هذا السياق يؤكد نبيل عمرو بإنه "إذا بقيت المفاوضات بالصورة التي تجري حالياً، فإنه من المستحيل أن تخرج باتفاق، وان الأمر يحتاج إلى ترتيبات سياسية تجرى بتوافق من الأطراف الدولية". وشدد عمرو في الوقت ذاته، على وجوب أن يثبت الفلسطينيون جدارتهم في بلورة توجهات دولية لحل قضيتهم، من خلال انهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي والذي يعد مشكلة كبيرة تعيق مثل هذا التوجه الدولي، وأن الأمر يحتاج عمل متوازي دولياً وإقليمياً. وهنا يشير المراقبون الى أن إسرائيل والتي عارضت بشدة اتفاق الدول الكبرى مع إيران، تعمل على الدوام على منع أي تأثيرات للتوافق الدولي على صراعها مع الفلسطينيين. ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في رام الله في الضفة الغربيةالمحتلة غسان الخطيب، أن السعي لبلورة ضغط دولي لفرض تسوية، أمر مرتبط بإرادة القيادة الفلسطينية التي يجب أن تصر على ذلك. ويشير الخطيب الى أن مسار المفاوضات الحالي يكتنفه الكثير من الغموض في ظل تضارب التصريحات من الجانبين حول مستوى التقدم الذي تم تحقيقه، وأنه في من المبكر الحديث عن إمكانية تمديد مهلة المفاوضات المقررة ل 9 أشهر، باعتبار أن ذلك سيكون مرتبطاً بمدى التقدم من عدمه والذي تم تحقيقه عند نهاية المهلة الحالية. من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح في نابلس سامر عنبتاوي، إن الملف الفلسطيني يفترض أن يشكل أولوية تفوق الاهتمام الدولي بالقضية الإيراني عند توفر توافق على التوصل إلى حلول نهائية. ويعتبر عنبتاوي بأن المتغيرات الدولية الحالية المتسارعة والاتفاق الدولي بشأن إيران "تضع تصوراً ورؤية جديدة للتعامل مع القضايا العالمية وما هو يفترض أن ينعكس على القضية الفلسطينية". ويقدر استاذ العلوم السياسية، أن الجمود الحالي في المفاوضات وعدم القدرة على تحقيق أي اختراق في أي ملفاتها العالقة، يزيد من أهمية التدخل والتوافق الدولي لفرض تسوية تنهي الصراع الممتد منذ 6 عقود. غير أن عنبتاوي يشدد، على أن العامل الأبرز لتحقيق هذا التوافق، مرتبط أساساً بالجانب الفلسطيني "فهو مطالب بوضوح أكبر في رؤيته الإستراتيجية والسياسية وتوحيد موقفه الداخلي لتعزيز موقعه التفاوضي". ويأتي ذلك في الوقت الذي يمثل استكمال التوجه الفلسطيني لطلب عضوية المنظمات الدولية، أبرز الخيارات المتاحة للقيادة الفلسطينية لتعزيز الموقف التفاوضي مع إسرائيل في ضوء التعثر الحاصل للمفاوضات. كما ويأتي ذلك في الوقت الذي تضغط فيه العديد من الأحزاب والشخصيات الفلسطينية في اتجاه هذا الخيار، مع مرور عام على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بترقية مكانة دولة فلسطين، الى صفة دولة غير عضو، كرد على التعثر الحاصل في مفاوضات السلام. ويؤكد المراقبون بان بامكان الفلسطينيين، واستناداً إلى رفع مكانة دولة فلسطين إلى دولة مراقب غير عضو في الاممالمتحدة، التوقيع على 63 من الاتفاقيات والبروتوكولات والمعاهدات والمواثيق الدولية . ويوضحون بان على رأس أولويات الخطوات الفلسطينية، يقف التوقيع على اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة عام 1949م وبروتوكولاتها الإضافية، والانضمام لعضوية محكمة الجنايات الدولية، إلى جانب عضوية كافة منظمات الأممالمتحدة المتخصصة. ويؤكدون ضرورة استمرار التوجه الفلسطيني للمؤسسات الدولية، لما يمثله من دعم للبدائل الفلسطينية في النضال السياسي والدبلوماسي وبتأييد دولي واسع، اضافة الى انه يعد إنجازاً مضيئاً في ظل الإخفاقات الكثيرة، على الرغم من انه لم يغير من وضع الفلسطينيين على الأرض حتى الآن .