تشهد الدبلوماسية المصرية تحركات مكثفة بين الأوساط السياسية الدولية والإقليمية، سعيا منها إلى إعادة الحضور والتأثير المصري، بعد حالة السكون والعزل التي فرضتها مجريات الأحداث التي سيطرت على المشهد المصري بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو من العام الماضي. وتأثرت الدبلوماسية المصرية بعد المواقف التي اتخذتها مؤخرا كل من الاتحاد الأفريقي من خلال تعليق عضوية مصر، وكذلك هي المواقف التي اتخذها الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدة، وكان لذلك أثره على الحضور القاري والدولي المصري، وظهر تأثير ذلك على مستوى الاقتصادي والعسكري والسياسي للدولة المصرية. وحاولت الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية بذل مساعي في تعويض ذلك من خلال زيارة متبادلة مع روسيا الاتحادية، ومن خلال دعم دول مجلس التعاون الخليجي للاقتصادي المصري الذي تبلور في مساعدات مالية واقتصادية عاجلة مباشرة وغير مباشرة. ونشط التحرك الدبلوماسي المصري بشكل جلي في الزيارات التي قام بها رئيس الوزراء المصري المهندس إبراهيم محلب، لعدد من الدول الأفريقية كتشاد وتنزانيا وغينيا الاستوائية، وزيارة وزير الخارجية المصري نبيل فهمي نهاية ابريل الماضي. وحول تلك الزيارات قال محلب "أنه لمس من المسئولين الأفارقة الذين التقاهم خلال الفترة القليلة الماضية رغبة أكيدة في ضرورة استعادة مصر لمقعدها ومكانها الطبيعي في الاتحاد الأفريقي، خاصة وأن دور مصر في أفريقيا مهم وحيوي على جميع المستويات". وتحرص مصر العمل بسياسة "النار الهادئة" في التعامل مع القضايا الشائكة خصوصا في القضايا التي تتعلق بالعلاقات مع الدول الإفريقية والتي يأتي على رأسها موضوع سد النهضة الإثيوبي، وفي ذلك علق رئيس الوزراء المصري بالقول " إن موضوع سد النهضة الإثيوبي ليس حربا, ولكنه يجب أن يدار انطلاقا من توازن المصالح وإيجاد صيغة توافقية تحقق مصالح الجميع، فمن من حق إثيوبيا إنتاج الكهرباء, ولكن في الوقت نفسه عدم الإضرار بحقنا في الحياة التي تمثلها مياه النيل". ويعتقد رئيس الوزراء المصري أن أزمة سد النهضة سيكون لها حل قريب, وأن التعاون المصري الإثيوبي سيتحرك في اتجاه إيجابي, حيث أن التواصل المصري مع أفريقيا يجب أن يشمل كل القارة وليس دولة بعينها، فمصر هي القوى الناعمة والفاعلة في أفريقيا، على حد قوله. فيما نقلت تصريحات عن زير الخارجية المصري نبيل فهمي، أمس السبت، تؤكد أن مصر لن تتهاون في التعامل مع ملف حوض النيل، مشدداً على ضرورة الاستفادة من كل الفرص الدبلوماسية لشرح المواقف والاستفادة من الأصدقاء، لدفع الأطراف لإيجاد حلول تستجيب لتطلعات الدول الإفريقية وتحترم حقوقها، دون المساس بمصالح الآخرين. وقال الوزير المصري "إن الصدام ليس هو الحل في قضية سد النهضة، ولكن إهمال القضية أو التهاون فيها ليس متاحاً لأي مسئول معنى بالمفاوضات". من جانبه أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور مصطفى كامل السيد لوكالة الانباء اليمنية(سبأ) أن التحرك الدبلوماسي المصري على أعلى المستويات الدولية والإقليمية والقارية قد حققت الهدف منه، خصوصا زيارة وزير الخارجية لواشنطن والتي سبقها رفع التعليق عن بعض المساعدات العسكرية وهذه نتيجة تعكس مدى تغير موقف الإدارة الأمريكية من الحكومة المؤقتة والتعرف على ما يجرى من تطورات بالمشهد المصري. وأضاف كامل السيد"أن زيارة نبيل فهمي للولايات المتحدةالأمريكية انعكست بالإيجاب، بعد أن أعلنت أمريكا على اسم السفير الأمريكي لدى القاهرة، بعد طرد السفيرة السابقة آن باترسون، عقب ثورة 30 يونيو، كذلك أعادت الولاياتالمتحدة لمصر 10 طائرات أباتشي طبقا لاتفاقية تم توقيعها مسبقا". وتابع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن رئيس غينيا الاستوائية أعلن عن دعوة مصر لحضور القمة الإفريقية المقبلة، مؤكدا على أن ذلك سيكون له أثره على تحسين العلاقات بين مصر ودول أفريقيا، مضيفا أن مصر ستعتمد على تقرير بعثة الاتحاد الإفريقي والتي ستشرف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المصرية في عودة مصر مرة أخرى لعضوية الاتحاد الإفريقي. ورأى الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية من جهته أن الزيارات الدبلوماسية لوزير الخارجية المصري نبيل فهمي لكلا من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأفريقيا جاءت لتحقيق العمق الاستراتيجي لمصر، مؤكدا على أن مصر دفعت ثمن العلاقات السيئة مع أفريقيا، بعد سعي الأممالمتحدة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لأن تكون مصر هي الممثل الرئيسي لدول أفريقيا في الأممالمتحدة. وأضاف اللاوندي، أن تلك الزيارات تأتي بعد تفاقم المشاكل بين مصر ودول أفريقيا كقضية سد النهضة، وتعليق عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي، مؤكدا على أن إعادة العلاقات مع بعض الدول الأفريقية يضمن أصوات تلك الدول في استعادة مصر لعضويتها في الاتحاد الإفريقي. وقد سبق زيارة رئيس الوزراء المصري لإفريقيا، الزيارة الهامة التي قام بها وزير الخارجية المصري نبيل فهمي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي حاولت الدفع بالتحرك الدبلوماسي المصري خطوات إلى الإمام قبل إجراء الانتخابات الرئاسية. ويرى المراقبون ان زيارة وزير الخارجية المصري لواشنطن كانت من الأهمية بمكان لبحث ما تواجهه العلاقات من مشكلات وضرورة وجود رؤى جديدة لتهيئة المناخ لعلاقة تستند إلى الاحترام والمصالح المشتركة، والاتفاق على اعتراف أمريكي بنتائج الانتخابات المصرية التي تجرى نهاية شهر مايو الجاري والتسليم بما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية المقبلة، بالإضافة إلى الاتفاق على مراجعة برنامج المساعدات وضمان استقراره في الشق العسكري والأمني، خاصة مع التأكيد الأمريكي بخطورة الإرهاب والتعاون في مكافحته.