يتوجه ملايين الاسكتلنديين غدا الخميس للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء، الذي سيقرر إن كانت المقاطعة ستصبح دولة مستقلة أم ستظل تحت مظلة المملكة المتحدة، في الوقت الذي ما زالت فيه استطلاعات الرأي تتفاوت في نتائجها التي يظهر من بعضها أن الاسكتلنديين سيقولون نعم للاستقلال، بينما يظهر من البعض الآخر أنهم سيقولون لا. واتحدت الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا في مواجهة الاستقلال وذلك بالتوقيع على ضمان نقل مزيد من الصلاحيات لإسكتلندا إذا صوت الاسكتلنديون في الاستفتاء واختاروا البقاء ضمن المملكة المتحدة. ووقع التعهد الذي نشر على الصفحة الأولى لصحيفة Daily Record كل من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وزعيم حزب العمال البريطاني إد مليباند ونائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الديمقراطيين الأحرار نيك كليغ. ويتألف التعهد من 3 أجزاء، ويعد الجزء الأول منه بإعطاء "صلاحيات جديدة واسعة" للبرلمان الاسكتلندي وذلك بموجب جدول زمني يوافق عليه الأحزاب الثلاثة في حال جاء التصويت "بلا" في الاستفتاء. وينص الجزء الثاني على أن القادة البريطانين اتفقوا على أن بريطانيا وجدت على اساس ضمان الفرص والأمن للجميع عن طريق تقاسم الموارد بشكل عادل". أما الجزء الثالث فيختص بتمويل خدمات الصحة الوطنية في اسكتلندا NHS الذي سوف يقع على عاتق الحكومة الاسكتلندية "بسبب استمرار الاعتماد على نظام بارنيت بشأن تخصيص الموارد المالية، وصلاحيات البرلمان الاسكتلندي لرفع الإيرادات". يذكر أن صيغة بارنيت هي الطريقة المستخدمة لتحديد توزيع الإنفاق العام في جميع أنحاء المملكة المتحدة. من جانبه ناشد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الذي يزور اسكتلندا في آخر زيارة له قبيل الاستفتاء المقرر يوم 18 سبتمبر الناخبين الاسكتلنديين عدم التصويت بنعم في الاستفتاء . وحض كاميرون الناخبين الاسكتلنديين على عدم التصويت لصالح الانفصال عن المملكة المتحدة، مضيفا أن التصويت بنعم في الاستفتاء "لا يمكن التراجع عنه". وذكَّر كاميرون الاسكتلنديين بأنهم إذا صوتوا لصالح الانفصال عن بريطانيا، فإنهم لن يتمكنوا مستقبلا من استخدام الجنيه الاسترليني عملة لهم. وتعهد كاميرون بمنح صلاحيات أوسع فيما يخص فرض الضرائب والإنفاق إذا صوتوا بلا (أي البقاء ضمن المملكة المتحدة). اقتصاديا تهيمن المخاوف على البلاد من الانزلاق إلى أزمة اقتصادية خانقة في حال قررت اسكتلندا الاستقلال، حيث استعرضت جريدة "صنداي تايمز" المخاطر التي تتعرض لها بريطانيا في حال انفصال اسكتلندا، مشيرة إلى أن "رويال بنك أوف سكوتلاند"، وهو الأكبر في اسكتلندا، وأحد أكبر المصارف في بريطانيا والقارة الأوروبية يواجه أزمة محتملة في حال الانفصال، فضلاً عن خسائر بعشرات المليارات قد تتكبدها الشركات البريطانية الكبرى مثل "بريتيش بيتروليوم" وغيرها. ونقلت "صنداي تايمز" عن محللين في "كريدي سويس" قولهم إن "رويال بنك أوف سكوتلاند" قد يواجه نقصاً كبيراً في التمويل يصل إلى 5.6 مليار جنيه إسترليني (9 مليارات دولار) في حال انفصال مقاطعة اسكتلندا عن بريطانيا، مشيرة إلى أن هذا العجز سيكون في قطاع التأمينات التقاعدية وحده، فضلاً عن الخسائر الأخرى التي سيتكبدها البنك والمشاكل الأخرى التي سيواجهها. ويقول المحللون إن الشركات البريطانية الكبرى ستواجه "هوة سوداء" في حال فقدت المملكة المتحدة اسكتلندا، مشيرة إلى أن الخسائر ستتجاوز 100 مليار جنيه إسترليني (162 مليار دولار)، بالنسبة لهذه الشركات التي تضم "بريتيش بيتروليوم" ومجموعة "لويدز" المصرفية. وتقول "صنداي تايمز" إن التكاليف التي ستتكبدها الشركات والأفراد ستكون كبيرة في حال استقلال اسكتلندا، وقد يضطر الكثير من الشركات إلى وقف برامجها التقاعدية، فيما ستضطر شركات أخرى إلى جمع سيولة نقدية من المساهمين من أجل تجنب الانزلاق إلى أزمات مالية خانقة. ويؤكد الكثير من المحللين الاقتصاديين أن مشكلة المعاشات التقاعدية والتأمينات التي ستواجه الشركات البريطانية إذا استقلت اسكتلندا ليست سوى واحدة من بين قائمة طويلة من المشاكل التي ستنشأ نتيجة انهيار اتحاد عمره 307 سنوات، وذلك في حال صوت الناخبون ب(نعم) في الاستفتاء. ويدور الكثير من الجدل في الشارع البريطاني وفي الأوساط السياسية والاقتصادية حول الاستقلال المحتمل لاسكتلندا وانعكاساته، فيما كان الجنيه الإسترليني قد هوى إلى مستويات متدنية أمام العملات الأخرى مؤخراً، بسبب احتمالات انهيار الاتحاد الذي تقوم عليه بريطانيا العظمى. وكان احتمال فوز مؤيدي الاستقلال في اسكتلندا "مؤكدًا" قبل أسابيع، لكنه تراجع إلى مرتبة "الممكن" الآن، بعدما أظهرت آخر استطلاعات الرأي أن نسبة المؤيدين والمعارضين متعادلة. حيث اظهر استطلاعان للرأي نشرت نتائجهما، الليلة الماضية، تقدم رافضي استقلال اسكتلندا عن بريطانيا، بعد ان اظهر استطلاعان اخران تقدم مؤيدو الاستقلال ب 48 بالمئة. وأفاد الاستطلاعان اللذان أجراهما معهدا "آي سي إم" و"أوبينيوم" أن رافضي انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة يتقدمون بأربع نقاط على مؤيديه في نوايا التصويت. لكن هذا الفرق قريب من هامش الخطأ. وقالت "آي سي إم" إن 45 في المائة من المستطلعين يرفضون الانفصال، مقابل 41 في المائة يؤيدونه، فيما لم يدل 14 في المائة منهم برأيهم. كذلك، تقدم رافضو الانفصال استطلاع "أوبينيوم" (49 في المائة) على مؤيديه (45 في المائة)، وأحجم ستة في المائة عن الإدلاء برأيهم. وأجري الاستطلاعان اعتبارا من الجمعة، وهو اليوم الذي تكثفت فيه حملات المعسكرين لإقناع الناخبين. وكان استطلاعان اجرتهما كلا من مؤسسة آي.سي.إم لحساب صحيفة سكوتسمان و اخر أجرته مؤسسة سارفيشن لحساب صحيفة ديلي ميل الاسكتلندية امس اظهرا تأييد الناخبين الاسكتلنديين للاستقلال عن المملكة المتحدة وبنسبة 48 في المئة . على الصعيد الامني تستعد الشرطة الإسكتلندية لمواجهة تظاهرات كبرى وتوترات أمنية، بعد إعلان نتيجة الاستفتاء على استقلال اسكتلندا غدا الخميس، مع ارتفاع منسوب التوتر بسبب الجدل على مستقبل البلاد. قال برايان دوكرتي، رئيس اتحاد الشرطة الإسكتلندية، لصحيفة إندبندنت البريطانية إن الضباط يراقبون الوضع باستمرار عشية الاستفتاء على استقلال اسكتلندا، "وسنرى تطورات الوضع في أعقاب استفتاء الخميس". وقال: "مساء الجمعة نقطة حيوية، والشرطة مستعدة لمواجهة أي مشكلة قد تطرأ بسبب النتيجة، والتي من المتوقع أن يتم الإعلان عنها في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة". وقد تظاهر الخميس الماضي آلاف المؤيدين لاستقلال اسكتلندا أمام مقر "بي بي سي" في غلاسكو، احتجاجًا على ما وصفوه بانحياز الشبكة البريطانية في تغطية فعاليات الاستقلال. وقال أحد قادة الاحتجاج: "في حالة التصويت ب(لا) يوم الخميس، سننزل إلى الشوارع، ولن يتم سرقة انتصارنا بمؤامرة مركزها بي بي سي".