تزايدت موجة الدعوات لوضع قوانين أكثر تشددا في فرنسا لمكافحة الإرهاب بعد أيام قليلة على هجمات باريس التي أسفرت عن مقتل 17 شخصا على الأقل، في خطوة أثارت جدلا، وقوبلت باعتراضات من جهات عدة نظراً لأنها تستهدف الرقابة على الاتصالات و شبكة الإنترنت، مستهدفا الخصوصية والحرية في الانترنت، بل "حرية التعبير" بحد ذاتها. فبعد الهجمات على الصحيفة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" ما زالت الصحيفة التي تتخذ من باريس مقرا لها مستمرة في نشر صور تسيء للنبي محمد-(ص)- متجاوزة بذلك معايير حرية التعبير التي تحترم الأديان السماوية وانها بذلك تستفز مشاعر ملايين المسلمين حول العالم. وفي فرنسا هذا البلد المدافع عن حرية التعبير مع ذلك لجمت آراء الفكاهي المثير للجدل ديودونيه الذي أوقفته الشرطة الفرنسية بتهمة الإشادة "بالإرهاب" بعد أن كتب على صفحته الشخصية في "فيسبوك" "أشعر أني شارلي- كوليبالي" (هذا الأخير الذي نفذ هجوما استهدف متجرا يهوديا في باريس)، في حين أن ديودونيه تهكم على المسيرة المليونية لتكريم ضحايا الهجمات في باريس. وابتكر ديودونيه حركة "كينيل" Quenelle التى شبهها الكثيرون بتحية هتلر النازية، وهى حركة احتجاجية ضد العنصرية وقلدها كثيرون منهم لاعب الكرة الفرنسي المحترف نيكولاس أنيلكا، الذي أداها العام الماضي فى إحدى مباريات الدوري الإنكليزي. وفي أواخر سنة 2013 منع القضاء عددا من عروض ديودونيه، فيما فتح تحقيق في يوليو بسبب تهربه من الضرائب واستغلاله المال العام. وفي الاتجاه نفسه يسعى رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، إلى عرض إجراءات أمنية جديدة على البرلمان الفرنسي الثلاثاء، وقال إنه يريد تعزيز برامج مكافحة التطرف في المجتمعات والسجون الفرنسية، وذلك من خلال إجراءات مراقبة السفر الجوي لأي مشتبه به، ومنح قدرة أكبر لمسؤولي مكافحة الإرهاب على مراقبة الاتصالات والإنترنت في تقييد جديد للحريات. وتحدث فالس عن إقرار خطة معدلة عن قانون عام 2013 الذي يسمح للمسؤولين الفرنسيين بمراقبة البريد الإلكتروني للمواطنين واتصالاتهم الهاتفية وبيانات تحديد الموقع الجغرافي. وتضعط إسبانيا وفرنسا وألمانيا بشأن تعديل إجراءات حرية السفر في دول "شينغين"، وذلك باستخدام بطاقات الهوية على الحدود الدولية، وهي الخطوة التي رفضت سابقاً على أساس أنها ستتسبب بوجود صفوف طويلة في المطارات. ومن بين البرامج أو التطبيقات المستهدفة في الحظر المقترح أوروبيا، تطبيق "سناب شات"، الذي يقوم بإزالة الصور المرسلة بعد لحظات من استلامها. وموازاة مع ذلك يعقد وزراء الاتحاد الأوروبي اجتماع لوضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب، ويستعدوا في الاتجاه نفسه للضغط على وسائل الاتصال الاجتماعي، مثل غوغل وفيسبوك وتويتر، للتعاون بهدف منع المتشددين من استخدام الإنترنت كواجهة لاستقطاب الأفراد والترويج لأجندات الجماعات المتطرفة، ونشر الكراهية. ويشير بعض المختصين في مجال الإنترنت إلى أنه طالما تمكنت أجهزة الاستخبارات من اعتراض الرسائل والاتصالات من خلال برامج مثل "واتساب" و"غوغل هانغاوت"، لوجود "أبواب خلفية" فهذا لن يمنع الإرهابيين بدورهم من استغلالها واعتراض كل الرسائل والصور التي يستخدمها المستخدمون العاديون. وأعرب بعض الفرنسيين عن امتعاضهم من سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع مسألة حرية التعبير خاصة مع إيقاف ديودنيه، اذ أطلق الفرنسيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة "أنا ديودنيه" لتقارع حملة "أنا شارلي"، وبات ديودينه رمزا جديدا لحرية التعبير بعد أن استخدم كلمات عبر فيها عن وجهة نظر معينة عبر صفحته الشخصية ب"فيسبوك". ويرى البعض أن فرنسا "المرتبكة" تتعامل بمعايير مزدوجة في بلد يقولون إنه يعيش مناخا حرا ضامنا لجميع أشكال التعبير، وطالما دان المجتمعات الديكتاتورية التي تقمع أفكار نخبها. لكن هذا الصرح الأفلاطوني بدأ يتهاوى بسبب الانقسام الاجتماعي على خلفية هجمات باريس، وبات هناك خلط واضح بين حرية التعبير والإرهاب.