في دفتر أحوال الأسرة اليمنية هم دائم,أصبح لغزا، لم يعد الناس يعرفون كيف يدبرون حياتهم اليومية بين ضآلة الدخل وغول الأسعار, لم تعد أي مسكنات من علاوات وبدلات قادرة على الوفاء بفاتورة المعيشة، عجز الخبراء عن فض الاشتباك بين الدخل والإنفاق, إذا سالت موظفاً كيف يدبر أموره يقول لك بالبركة، ولم يعد الموظف وحده, بل المجتمع حتى أصحاب الوظائف العلياومن يعملون في القطاعات المختلفة، كان الدخل يسترهم، فأصبحت الأسعار تفضحهم. ويشكو الكثيرون من أنهم أصبحوا ينامون ويستيقظون في غم, وأنهم كانوا في الماضي من محدودي الدخل وأصبحوا اليوم من معدومي الدخل, بعد أن ارتفعت الأسعار ولم يعد أمام الكثيرين سوى تلقي ضربات الأسعار الموجعة، ويحكي أكثر من موظف يومياً،أنهم أصبحوا مجرد آلات, تعمل طوال النهار في أكثر من عمل. يقول احد رجال الأعمال،انه اضطر لزيادة مرتبات العمال مابين30 و35% لمجرد الحفاظ على المستوي المعيشي الذي كانوا عليه عام2000, بعد أن هبطت قيمه الريال لأكثر من 39 % من قيمته. وبسبب ارتفاع أسعار كل السلع وثبات المرتبات والأجور على حالها, فقد اضطر الناس إما لخفض الإنفاق أو الاتجاه لبديل ارخص لسد حاجياتهم الضرورية . ويبرز السؤال، كيف حدث ذلك، وكيف تدهور مستوى المعيشة إلى هذا الحد ؟ هناك من يرى ان الوضعية السيئة للموظف هي انعكاسات سلبية ناجمة عن التحولات الاقتصادية التي شهدتها البلاد وعلى وجه الخصوص الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي نتج عنها زيادة معاناة الموظف اليمني . يقول الدكتور خالد راجح شيخ - وزير التجارة والصناعة،أن تآكل القيم الحقيقية للأجور والدخول المقومة بالعملة الوطنية ، كانت نتيجة لانهيار قيمة الريال التبادلية وتقليص الدعم المباشر وغير المباشر، وما رافق ذلك من ارتفاع هائل في معدلات التضخم أوصل المعدل العام للأسعار عام 1999م إلى قرابة 1000% مقارنة بالعام 1990م ووصلت القيمة الحقيقية للأجور إلى 20% وانه بتأثير هذا التآكل في القيم الحقيقية للأجور تدنت مستويات المعيشة بشكل كبير . ويضيف شيخ، من المؤكد أن نسبة الفقر زادت بشكل كبير ، حيث ارتفعت نسبة السكان الفقراء من 12% عام 1992م إلى عدة أضعاف لتراوح ما بين 34 و 54% حسب الإحصاءات والتقديرات المختلفة المصادر، وبانخفاض الأجور انخفض الطلب الكلي وتقلص إنتاج السلع والخدمات وفرص العمل والادخار والاستثمار والنمو وساد الركود التضخمي وتنافست معدلات البطالة لتتجاوز 40% . ويعتقد المستشار الاقتصادي السابق لاتحاد عمال اليمن،أن سياسات التحرير الاقتصادي غير المنظم وغير المتناسق، كانت السبب في الإخلال بتناسبات إعادة توزيع الدخل بين فئات وطبقات المجتمع. وأظهرت نتائج مسح ميزانية الأسرة اليمنية لعام 1998م ، أن حصة ال 20% الأكثر فقراً 6% فقط من الدخل القومي ، فيما حصة 20% الأغنى بلغت 49% من الدخل القومي في حين تلاشت الطبقة الوسطى تقريبا، وانه مابين 1992 2001م، أعادت الأسرة اليمنية ترتيب أولوياتها الاستهلاكية فبعد أن كانت اللحوم والألبان ومشتقاتها والخضروات والفواكه والأسماك والبيض والدجاج تتبوأ الأولوية في قائمة إنفاق الأسرة عام 1992م، أضحت في المرتبة الثالثة وفقاً لمسح ميزانية الأسرة عام 1998م، وتحولت الحبوب من المرتبة الثالثة عام 1992م إلى الأولى عام 1998م، فيما يبقى القات والتبغ في المركز الثاني في الإنفاق الغذائي للأسرة اليمنية . ويشير إلى أن هذا التحول شديد الارتباط بمستويات وقيم الأجر والدخل الشرائية، أي القيم الحقيقية للأجر ، وانه إلى جانب تآكل القيم الحقيقية للأجر فان هيكله أيضاً تعرض إلى تشوهات عميقة في قيمة البدل وأنواعها وفي نظام الحوافز والمكافأة . ويشخص الدكتور خالد راجح المشكلة ، ليضع حلولاً لها ، حيث يقول :أن أي إصلاحات اقتصادية أو إدارية ستظل منقوصة ولن تنجح ما لم يكن الإصلاح الأجري احد مكوناتها، ليس لدوافع أخلاقية وحقوقية فقط، بل لمبررات اقتصادية ، ولذلك لابد من خطة لإصلاح الأجور ، بحيث تصل الأجور إلى مستواها الحقيقي . ويطرح الدكتور راجح لهذا الغرض دلائل ثلاثة على النحو التالي : = البديل الأول (بديل اجر عام 1990م الحقيقي) ويقوم هذا البديل على أساس الوصول بالأجر والبدل عام 2003م إلى المستويات الحقيقية عام 1990م من خلال عملية احتساب تقوم على أساس (الراتب + البدل عام 1990م مقسومة على 12 ريالا، القيمة السابقة لصرف الدولار . = البديل الثاني (البديل التضخمي) ويقوم على أساس استيعاب التضخم التراكمي في الأجر والبدل من خلال قاعدة احتساب (الأجر والبدل عام 1990م مضروباً بإجمالي التضخم التراكمي منذ العام 1990م مقسوماً على 180). = البديل الثالث(بديل متوسط إنفاق الأسرة) انه رغم قيام الحكومة في البداية بمنح علاوات غلاء المعيشة ، لكنها علاوات متواضعة أمام مقدار التآكل في الأجور ، لان الزيادات التي حصلت في الأجور خلال التسعينيات كانت زيادة اسمية ، فيما تدهورت القيمة الحقيقية للأجور الى20% وتدنت مستويات المعيشة لأفراد المجتمع ، وهو ما يقضي بضرورة أن تظل مهمة الإصلاح الأجري من الأولويات القصوى لعمل الاتحاد والنقابات حتى يتم إنجازها . لكن الأستاذ محمد علي السراجي أستاذ الإدارة العامة في المعهد الوطني للعلوم الإدارية، يرى أن سبب المشكلة كان في عدم تطبيق السياسات الوظيفية على نظام الجدارة ، باعتباره من أهم عوامل تحديد سياسات الأجور . ويرى السراجي انه في ظل وجود تحديد وتوصيف للوظائف وربط الأجر بمعايير القدرات والكفاءات ، لا شك انه سيحقق الرضا ويعطي كل ذي حق حقه وانه مع ضرورة وجود مثل هذه السياسات يمكن أن يعزز التفاعل لدى الموظف مع الوظيفة ، لان تلك حالة من التجاوب تبنى على نهج سياسة أجرية عادلة إضافة إلى إيجاد آلية للحوافز ، لأنها ، هي الأخرى ستكون بمثابة دفع في تحقيق الرضا الوظيفي طالما تحقق التوازن بين الأجر والمستوى المعيشي الذي يقود لا محالة إلى زيادة الإنتاجية والتفاني في العمل . ويؤكد السراجي انه ورغم ما قامت به الحكومة من سياسات في رفع الأجور حتى وصلت إلى ضعف ما كانت عليه الحالة في أواسط الثمانينيات ، فان الموظف العام يحتاج إلى اهتمام من قبل الدولة وهو الأمر المطلوب إحداثه حتى ولو تمت المعالجة بصورة جزئية لتشمل الاهتمام الخاص بوضع سياسات تضمن إيقاف ارتفاع الأسعار وبما يضمن التوازن بين الدخل والإنفاق. لكن ومع كل ذلك ، فلا بد من الإشارة إلى انه ، وفي كل بلدان العالم تقوم فلسفه الأجور والرواتب نظرياً على قاعدة الدفع مقابل العمل، مع إعطاء حوافز للإنتاجية المرتفعة والابتكار مع التسليم بحقيقة أساسية أن يكون اجر عمل واحد لمده ثمان ساعات بحد أقصي كافياً لحياه كريمة، وان يكون الأجر موحداً عن نفس العمل لمؤهل واحد إذا تساوت الأقدمية ، وعلى أن تكون هذه القواعد مكفولة بالقانون وبعيده عن اعتبارات المحسوبية أو الهوى أو الحظ ، وتكون الحكومة مسئولة عن التطبيق الكفء والصارم لهذه القواعد على العاملين التابعين لها وهي أيضاً مسئولة أساسياً حال حدوث العكس ، بل إن هذه المسئولية السياسية والبرلمانية تمتد للمسئولية الأخلاقية ، فإذا حدث خلل في التطبيق العلمي للمعادلة السابقة تختل المعادلة برمتها ، و إذا كان اجر عمل واحد لا يكفي لحياه كريمة ، فيعني ذلك فتح أبواب الفساد والرشوة التي يتحمل مسئوليتها سياسياً ، المسئول عن الخلل في الأجور ، قبل ذلك الذي يتحمل المسئولية الجنائية المتمثلة في الرشوة. سبأنت