جمالها و ثرائها كانا أسطوريين، إنها مملكة سبأ التي حكمت جنوب شبه الجزيرة العربية عام 950 قبل الميلاد. وساعدتها تجارة البخور على التمكن من السلطة وتحقيق الرفاهية آنذاك لكن البخور اليوم لم يعد غالي الثمن ويعرض للبيع بكثرة في الأسواق الضيقة. لكن مع ذلك ما يزال المرء يلمس الجاذبية الأسطورية في جنوب شبه الجزيرة العربية، فاليمن بلد قابع بين البحار والجبال والصحارى. والطبيعة التي تشعرك بأنك تقوم بالمغامرات حين تتجول في أحضانها والفن المعماري المؤثر المتمثل بالمباني الطوبية التي بإمكان المرء أن يعتبرها أول ناطحات سحاب في العالم جعلتا من اليمن هدفاً يحلم السياح بالوصول إليه. لكن الأحوال السيئة تطورت بداية التسعينات، حيث عملت أعمال الاختطاف الفوضوية والاعتداءات على شل الحركة السياحية في البلد وأخذت وزارة الخارجية تصدر التحذيرات من السفر إلى اليمن وكانت آخر التقارير عن الاختطافات قد صدرت عام 2001. وكان التحذير دائماً من قطاع الطرق المسلحين الذين يسلبون المسافرين سياراتهم ومن الاختطافات المرتبطة بالنزاعات القبلية ومن حقول الألغام جانب الرصيف الساحلي في الجنوب ومن الإرهاب الإسلامي ولذلك يوجد حتى يومنا هذا القليل من منظمي الرحلات الساحلية الذين يثقون بهذا البلد. لكن الحكومة اليمنية تسعى جاهدة لإدراة عجلة السياحة التي من شأنه أن تحسن من الوضع الاقتصادي بصورة كبيرة مرة أخرى، ففي الأجزاء البعيدة من البلد يرافق المسافرين البوليس السياحي المسلح وهناك العديد من نقاط التفتيش التي تُعنى بسلامة جميع المسافرين. ويسافر المرء وهو متمتع بأمان أكثر إذا ما كان ضمن فريق يقوده دليل من أهل البلد. قال جونتر جراس عن العاصمة صنعاء في ملتقى أدبي: أشعر هنا بالأمان وكأنني في قصر إبراهيم. بإمكان المرء بالفعل الشعور بذلك وهو يتجول في مدينة صنعاء. فما إن يبدأ المرء في التجول في المدينة القديمة إلا وتقابله الوجوه المُرحبة اللطيفة ويلتقي بأناس من السهل التحاور معهم. وأكبر دليل على ذلك ترحيب شابين فخورين بنفسيهما يضعان الخناجر على الأحزمة لعرضنا عليهما التقاط صورة لهما . كانت تلك هي البداية، لأنه في مدينة صنعاء التي أسسها سام بن نوح كما تقول الأسطورة هي جوهر حكايات ألف ليلة وليلة. بدأت عمليات الترميم في المدينة القديمة في التسعينات بمساعدة منظمة اليونيسكو. وفي هذا العام عينت اليمن عاصمة للثقافة العربية، فأزقتها الضيقة دائماً ما تفتح أمام الزائر المناظر الأخاذة للمنازل المتلاصقة المبنية من الطوب وواجهاتها ونوافذها المزينة بالزخارف البيضاء في ساعات النهار وفي ساعات الليل تشع الأضواء الملونة من زجاج القمريات الملون. وعندما يعبر المرء باب اليمن - أحد أبواب صنعاء القديمة الصامد حتى اليوم- يكون قد وصل إلى سوق المدينة القديمة. هناك تجد الناس مكتضين بين أكواخ القوافل التي تسمى هناك (سمسرات) يجد المرء مخازن للزبيب والبن و ورش المصنوعات اليدوية التقليدية ومعارض للوحات جميلة معبرة ومواد أخرى رائعة والبهارات العطرة وأدوات الحدادة والأرجيلات و الحُلي الفضية و المباخر و الجنابي بالطبع والخناجر، التي تعتبر جزءاً مهماً من الزي التقليدي اليمني.. عندما يشاهد الزائر كل ذلك تسبح مشاعره في خيالات جميلة، خاصةً إذا لم يكن المرء هناك لغرض الشراء بل للنظر فقط. فهو إذا ما رغب بالشراء يجب ألا ينسى عملية المبايعة مع التجار. بعد ذلك يتوق المرء لتناول كوب شاي زائد السكر مع الهيل و القرنفل في مقهى صغير في باب اليمن يقع مقابل سور المدينة ويشاهد الحركة اليومية في الأسفل. فهناك، وسط حركة السيارات تباع الحنة أكوام ومعبأة في أكياس صغيرة. وتشاهد رجلاً يحمل على كتفه جاكيتات مرصوصة الواحدة فوق الأخرى ويروج لها وأثناء المبايعة التي دارت بين البائع ورجل يرغب في شراء جاكيت رسا السعر عند مبلغ يعادل 2.50 يورو. وتشاهد أيضا رجال يجلسون على السلالم وعلى الجسر لا يفعلون شيئاً.وبعد الظهر ترى معظم التجار في السوق أكثر رزانة وقد بدوا وكأنهم يعانون من تورمات في خدودهم بسبب الآم فضيعة في الأسنان، لكن تلك التورمات ما هي إلا أوراق القات الخضراء التي قد مُضغت وصار حجمها بعد المضغ كحجم كرة التنس وقد دفعت لتستقر في الخد. وبفعل القات ينتقل الرجال بعد تناول الغداء إلى نشوة مريحة. ويعتبر القات وسيلة ترفيهية باهضة الثمن، حتى أنها تستنزف محدودي الدخل ذوي الأجسام النحيفة ولذلك أصبحت زراعة القات واحدة من أهم فروع الاقتصاد في اليمن. وفي المناطق الجبلية ترتفع مزارع القات عن مستوى سطح البحر لتصل إلى 3000 متر. ومدينة صنعاء نفسها تقع على ارتفاع يصل إلى 2200 فوق سطح البحر. والمسافة بينها وبين سلسلة جبال حراز 80 كيلو متر والتي تعد واحدة من أجمل مناطق التجول في شبه الجزيرة العربية. وهي الممر الغربي الوحيد من العاصمة الذي يؤدي إلى المنطقة الصحراوية الحارة والرطبة (تهامة) الواقعة على البحر الأحمر. والصخور المنحدرة والبارزة مع الحقول في المنخفضات كثيرة التلال قد تُوجت بالقُرى ذات المنازل الطوبية والحجرية المتجاورة وكأنها حصون منيعة على قمم الصخور المصمتة. وأكبر مثال باقي على تلك الحصون دار الحجر الشهير الذي كان يسكنه الإمام يحيى في وادي ظهر والذي بُني عام 1930. وقد جعلت منه الزخارف الكثيرة والموقع المهيب على صخرة مصمتة مكاناً جديراً بالتصوير. على كل ينبغي على السياح أن يكونوا حذرين عند التقاط الصور فليس كل اليمنيين يحبون أن يلتقط الأجانب صورهم مثل الشابين من مدينة صنعاء اللذين ذُكرا في البداية. والنساء المرتديات للسواد اللاتي يقابلهن السائح في جولاته لا يُسمح بالتقاط صورهن بصورة قطعية. والأمر مختلف عند الأطفال اللذين يتهافتون على السائح ويهتفون: صورة، صورة. ويلاحظ السائح عند تجواله أن أسئلة باللغة الإنجليزية مثل: من أين انت؟ وما اسمك؟ يجيدها حتى الصغار هناك. ويفضل الإجابة عليها بسرعة وبدون تفصيل حتى لا يُشك في أن السائح أميركي. لأنه إذا شك أحد هناك أن الزائر أميركي فإنه يُشتم وقد يصل الأمر إلى رفع السلاح عليه. لكن الزوار الألمان مرحب بهم بالطبع في اليمن، حيث تسمعهم يقولون: ألمانيا قوود. هامبورجر آبندبلات