قصيدة ألقيتها صباح اليوم في بيت الثقافة بمناسبة الحفل الذي أقيمَ لتكريم شعراء ثورة الشباب ودُعيتُ إليه كواحدٍ منهم، لكنني رفضتُ التكريم على ثورةٍ لم تنتصر بعدُ، لإيماني أن التأريخ لا يعبأُ بالمُقدّماتِ وإنما بالنتائج.. بشيرٌ جائني.. وأنا أعاقِرُ خمرةَ الآلامِ والحزَنِ.. فأفسدَ خُلوتي في كهفيَ النائي، وأخرجَني إلى بيتِ الثقافة كي يكَرّمَني. ******* تُكَرّمُني!! على ماذا؟ أنا المهزومُ حتى الآنَ يا هذا أنا المطعون بالسيفِ الذي في ظلِّهِ لاذا أنا المُستَضعَفُ المغلوبُ ممّنْ عاذَ منه ومَن بهِ عاذا أنا الطرَفُ المَهيضُ هُنا أنا مَنْ تحتَ صَخرِ صراعِهِمْ طُحِنا وكانَ وفاقُهُمْ نصراً لهُمْ طبعاً.. عليَّ أنا. ******* فهلّ لكَ أنْ تفهّمَني على ماذا تكرّمُني؟ على الرقم القياسيّ الذي حقّقتُهُ بالسيرِ في الساحاتِ والمُدُنِ! على ماذا تكرّمُني؟ على عدد الذينَ يسجّلون بصفحتي في الفيس "أعجَبَني"! على ماذا تكرّمُني؟ على ما ظَلَّ فيهِ الشعبُ من فقرٍ ومنْ جوعٍ ومن جهلٍ ومن مِحَنِ! على ما باتَ في الثوارِ من ضعفٍ ومن عجزٍ ومن وهَنِ وأنّي رَغْمَ كوني واحداً منهم كأنّي قَطّ لم أكُنِ أُنادى ثائراً نزِقاً كما يُدعى المُحاربُ فارساً لكنْ.. بلا سيفٍ ولا خيلٍ ولا مُؤَنِ **** على ماذا تكرّمُني؟ على حُلُمي الذي سُرِقا! على أمَلي الذي لا زالَ محترِقا! على أنّ الفسادَ بقى وما عاد انفراداياً ولكن صارَ مُشتَرَكاً ومُتّفقا! على ماذا تكرّمُني؟ على آلامِ جرحانا! على خُذلانِ قتلانا! على استبدالِ فرعونٍ بهامانا! وما هامانُ غيرُ قناعِ فرعونَ الذي لا زالَ سُلطانا يسيّرُنا ولكنْ من وراءِ العرشِ يحكمُنا ولكنْ دونَ مرءانا وبالنسَقِ الذي كانا. على ماذا تكرّمُني؟ وماذا سوفَ تمنَحني؟ وسامَ الصبرِ، نيشانَ الشجاعةِ، نجمةَ التصعيدِ، ميداليّةَ اللَسَنِ!!! وهل فوق الحصانةِ أيُّ جائزةٍ تُمَدُّ لفائزٍ فطِنِ؟ وقَدْ مُنِحَتْ لمَنْ لا زالَ يقتلُني وينهَبُني ويُرهبني.. على ماذا تكرّمُني؟! على وهمِ انتصاري، في انكساراتي! على حُرّيّةٍ وكرامةٍ مُنِحَتْ لأربابِ العصاباتِ! على أنّ البلادَ غَدَتْ تُدارُ اليومَ من غُرَفِ السفاراتِ! على ماذا تكرّمُني؟ على مقدارِ ما صَفّقتُ حتى تمّتِ الصَفْقهْ! على دَوري الذي أدّيتُهُ في المسرحيّةِ دونَ أنْ أفقَهّ! حرِيٌّ أنْ تكرّمَ أوّلاً أبطالَها منْ قادةِ الأحزابِ والفِرْقَهْ. **** على ماذا تكرّمُني؟ على إحساسيَ المُرْهَفْ! على أنّي أردتُ الزحفَ نحو القصرِ دندنَةً ولمْ أزحَفْ! وأّنّي لم أعُدْ بالحَقّ أجرُؤُ بعدُ أنْ أهتِفّ! وأَنَّ ثمارَ ثورتِنا التي زُرِعَتْ لأجلِ الشعبِ باتَتْ مِنْ يدَيْ سُرّاقِهِ تُقطَفْ! ألَمْ تَرَ أنّ معركتي معلّقةٌ وجرحي لم يزَلْ ينزِفْ.. فكيفَ تُريدُ تكريمي على ما لمْ أحقّقْ بعدُ من هدفي الذي تعرِفْ.. أأَترُكَ دامياً حَدَثي لأُعرَضَ داخِلَ المُتحَفْ. وإنْ يكُ غيريَ انتصروا.. فما شأني؟ وأمّا إنْ يكُنْ قدْ سَرّكُم في ثَورَتي "فنّي" فمَنْ ذا يشتري منّي جميعَ مشاعِري ودفاتِري والحِبرَ والأقلامَ "والجِنّي" بأحلامِ ابنَتي وابْني. وما شِعري سوى نغَمٍ يُسليتي على القَهْرِ وبعضِ سكاكرٍ في الدربِ تحتَ الكَرْبِ تُمزجُ في مرارةِ أكؤسِ الصبْرِ.. وإنْ أنا مِتُّ قبلَ صبيحةِ النصرِ فأوصيكُم بجَعلِ دفاتِري.. قبري. فلستُ أنا الذي يُغوى عنِ الكَنزِ العظيمِ بقطعة الحلوى ولستُ أنا الذي يُلوى عنِ الهدَفِ المُرادِ ببعضِ ما يهوى ليعلمّ كُلُّ من ضحكوا على ضعفي الذي دوّى بأنّي في اعترافي بالهزيمةِ مِنهمو في وهمِهِم أقوى ****** أيا بيتَ الثقافةِ هلْ كتبتَ جميعَ قصّتِنا؟ وهَلْ دوّنتَ فيها كيفَ "بلْطَجْنا" ثقافتَنا؟ وشرْعَنّا انشقاقَ الصّفّ حتى لا اصطِفافَ لنا وحتّى انحَلَّ وجهُ الشعبِ أحزاباً، حِراكاتٍ، طوائِفَ كُلّهُمْ يزهو ويَفخَرُ بالعمالةِ بيننا علَنا وكُلّهُمو إلى يدِ أجنبيٍّ باتَ مُرتهِنا يبيعُ ويشتري في العالَمينَ بنا وليسَ لديه منفعةٌ تُباعُ لنا وكُلّهمو يُغَنّينا على ليلاهُ، يُطرِبُنا ولمْ أرَ بينَ ليلاواتِهِمْ ليلى التي يُدعى اسمُها ال: يَمَنا. كفَرتُ بهِمْ جميعاً.. مؤمناً أنْ ليسَ بينَهُمو كريمٌ كي يُكرّمَنا.. كفرتُ بِهِمْ مُعارضةً، نظاماً، انفصاليينَ، حوثيّينَ، إرهاباً يساريّينَ أو يُمَنا.. بمَن فيهِم قيادةُ ثورَتي الجُبَنا فمذهَبُهُمْ جميعاً مذهَبٌ اللؤمِ الذيْ يعني: مصالحهَمْ ومعناها: مفاسدُنا ألا يا ليتَ شعري، هلْ تُرى من بينِهِمْ أحدٌ أمينٌ إنْ هُوَ ائْتُمِنا؟ وهَلْ منْ بينِهِم أحَدٌ يُريدُ الحُكمَ من أجلِ المواطنِ؟ يبتغي بالسُلْطةِ الوطَنا؟ ويقدِرُ أنْ يسوسَ الأمرَ بالقسطاسِ متّزِنا وأنْ يبني البلادَ بخيرِ ما فيها من الثرَواتِ لا بدُيونَ تَدفَعُ بعدنا الأجيالُ كُلفَتها وتلْعننا ولا بتسوّلٍ مُخزٍ، يُذلّ رقابَنا مِنَنا تُرى هلْ بينهُم أحدٌ تؤرّقُهُ مواجعُنا؟ وبينَ يديهِ مشروعٌ يؤَمّنُ خوفَنا ويصونُ وحدتَنا؟ ويحملُ هَمّ هذا الشعبِ، همَّ معيشةِ المسكينِ، همَّ المُرضِعِ الجوعى لِتُشبِعَ طفلَها لبَنا..؟ لعمري، إنْ يكُنْ أحَدٌ كهذا بينَ أظهُرِنا.... فحسبي منه تكريماً إذا أذِنا بتنصيبي مُراسلَ بابِهِ، صَبّابَ قهوتِهِ، وإنْ لم يجزِني ثَمَنا سأتْبَعُهُ وربِّ البيتِ حتى لو يكُ بْنَ زِنى. ****** خذوا تكريمَكُمْ عنّي.. وزيدوهُ مباركَتي خذوهُ وقسّموهُ بينَ أطراف المبادرَةِ كما اقتسمو جميعَ حقوقِ شعبي دونما حقٍّ ولا صفَةِ. ولي يا قومُ جائزةٌ، إلى إحرازها أسعى عظيمٌ شأنُها.. ليسَتْ شبيهةَ غيرِها قَطعا ولا هي بالتي تُعطى لصاحبِها بحفلٍ نحوَهُ يُدعى ولكن تُستحقّ بنزعِها نزْعا وتُؤخَذُ من يدِ الطاغوتِ بالإكراهِ لا طَوْعا هي الحُرّيّةُ البيضاءُ، وهْي كرامَةُ الإنسانِ، وهي سيادَةُ الوطَنِ وفي حفلِ انفجارِ الفَجرِ، يومَ تواضُعِ الزمَنِ.. أنا وجميعُ من صدقوا بثورتِنا ومن ثبَتوا بدَربِ الحقّ بينَ مدارِبِ الفِتَنِ سنمنحُها بإذنِ الله جائزةً.. لتكريمِ اليمنانيين واليمَنِ.. ******** وحتّى ذلك الحينِ الذي سيجيؤنا مُكْرَهْ وبِسْمِ أولئك الأحرارِ أهلِ الصبرِ في أيامِنا المُرّهْ حلفتُ ببوعِزيزي تونُسَ الخضراءَ مَنْ أذكى بنارِ إبائِه في رُوحِنا الغَيْرَهْ حلفتُ بخالِدِ بنِ سعيدَ مَنْ أهدى لنهرِ النيلِ مُهجَتَهُ ليُغرَقَ تحتَهُ فرعونَ مصرَ ويفتدي مِصْرَهْ حلفتُ بزينبَ الحِصنيِّ في سوريّةَ الحُرّه وإخوتِها الذينَ يسرمدونَ قوافِل الشُهداءِ حتى يُسقِطوا بشاراً الهِرّه حلفتُ بياسمينَةَ في تعزَّ بكلّ من سكَبوا لعزّةِ هذه الأوطانِ من دمِهِمْ ولو قطرَه حلفتُ بسيّدِ الشهداءِ مَنْ ضحّى بمُلْكِ الرافدَينِ مؤمّلاً في قُبّةِ الصخره وأحلِفُ قبلَهُمْ بمحمّدِ الدّرّه.. بأنْ لا أقبلَ التكريمَ قبلَ النصرِ بلْ لا أحتفي بالنصرِ حتى يُعلِنَ المظلومُ لي نصرَهْ.. وحتى تستعيدَ يدُ العدالةِ كُلَّ مظلمةٍ وتجزيَ كُلَ باغٍ ظالمٍ وزرَه وحتى يستردّ الشعبُ من أيدي الفسادِ زمامَ دولتِهِ ومن أيدي الوصايةِ حولَها أمرَه ويُرجِعَ جيشهُ خدَماً لهُ من خِدمةِ الأُسرَه وحتى يستوي بحقوقِهِ اليمنيّ في صنعاء واليمَنيّ في المهره.. وحتى يلمِسَ الفُقراءُ.. ما وعَدَتْ بهِ الثوره.