الحكومة تجدد تأكيدها: الحوثيون حوّلوا المساعدات الدولية إلى أداة تمويل لحربهم    مسيرة طلابية بمديرية جبل المحويت تضامناً مع الشعب الفلسطيني    في لقاء موسع بالحديدة: العلامة مفتاح يدعو للاستعداد لموسم الامطار    صاعقة رعدية تودي بحياة فتاة في المحويت    القَطَا و الغراب    غضب جنوبي يتصاعد ضد احتكار هائل سعيد ونهب مقدرات ما بعد الحرب    التفتيش القضائي يقر نزولا لمتابعة القضايا المتعثرة    جهود خليجية للإفراج عن بحارة محتجزين في صنعاء    غدا الثلاثاء .. انطلاق المعسكر الإعدادي لمنتخب الناشئين    الحديدة.. اعتقالات تطال محتجّين على خلفية مقتل مواطن في مديرية المراوعة    النفط يتراجع بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج في سبتمبر    البنك المركزي يوقف تراخيص أربع شركات صرافة لمخالفتها الأنظمة    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    تعليق العمل في المجمع القضائي بتعز احتجاجًا على اعتداء عسكريين    مصور رياضي يُمنع من تغطية مباراة بدوري بيسان بتعز.. أكرم عبدالله يوضح ملابسات الحادثة ويطالب بالإنصاف    عدن.. البنك المركزي يوقف تراخيص أربع كيانات مصرفية    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    الجماعي يطلع على سير أداء اللجنة المشتركة واللجان البرلمانية الدائمة    حجة.. وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس    الحزام الأمني بالعاصمة عدن يضبط ثلاثة متهمين بممارسة السحر والعبث بالآثار عدن    تضامن حضرموت يتعاقد رسميا مع المدرب السعودي بندر باصريح    "صهاريج عدن" على قائمة التراث العربي المعماري بقرار من الألكسو    "حاشد" صوتكم لا خصمكم    ميسي يغيب عن الملاعب لمدة غير محددة نتيجة إصابة عضلية    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا غرق قارب مهاجرين باليمن    سلطة التكنولوجيا هي الاولى    تقرير حقوقي يوثق 5618 انتهاكا ارتكبتها مليشيات الحوثي الإرهابية بحق النساء    القاضي المحاقري يشيد بجهود محكمة استئناف ذمار    حضرموت التاريخ إلى الوراء    تدشين فعاليات وانشطة الاحتفاء بالمولد النبوي بذمار    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يعزي في وفاة المخرج الإذاعي سعيد شمسان    شرطة مأرب تضبط كمية من مادة الحشيش قادمة من مناطق المليشيا    الأرصاد الجوية تحذّر من أمطار رعدية في عدة محافظات    مناقشة الإعداد والتجهيز لإحياء فعاليات ذكرى المولد في إب    رئيس جامعة إب يتفقد سير الأداء بكلية العلوم التطبيقية والتربوية والكلية النوعية بالنادرة والسدة    لقب تاريخي.. ماذا ينتظر باريس وإنريكي في أغسطس؟    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    العالم مع قيام دولة فلسطينية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    جحيم المرحلة الرابعة    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    إعلان قضائي    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    أمين عام الإصلاح يعزي عضو مجلس شورى الحزب صالح البيل في وفاة والده    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي ناصر محمد رئيساً مدى الحياة ( 2-2 )
نشر في سما يوم 28 - 05 - 2011

أؤكد للجميع أنه في الحلقة الماضية وتحت عنوان "شجون وظنون الذاكرة" لم أبذل فيها أدنى جهد وإنما كنت أكتب بطريقة سيريالية وأوقّع على مايعتمل في النفس وفقاً لوقائع حدثت وكانت من وحي تجربة شخصية كان لزاماً علي أن أترك قلمي يسردها بتجرد وعفوية .. اليوم أنتقل من الذاكرة -ظنونها وشجونها- إلى المذكرات بماتحمل كلمة مذكرات وخاصة عندما تكون سياسية من معنىً طارد للعفوية ذلك لأن الذاكرة ملكنا أما المذكرات فهي ملكنا وملك الآخرين ، وكلنا يعلم أن السياسة بمعنى الاشتغال بالعمل العام تقتضي التفكير العميق والتخطيط والدراسة ولذلك يكون السياسي أكثر من غيره مأخوذاً بفكرة العملية الاستباقية ليحصد النتائج التي يريدها قبل غيره ويغلق الباب أمام خصومه ويتصدر واجهة الأحداث وهذا مانسميه ضرورة الأخذ بزمام المبادرة.
إذاً ، سأحاول في هذه الحلقة أن أفعل شيئاً من ذلك بعيداً عن عفوية الحلقة السابقة ..
كنتُ قد وعدتُ في ختام الحلقة الأولى بمحاكمة علي ناصر محمد ، والمحاكمة بمعناها اللغوي تعني تفنيد المواقف والحكم عليها ، ولكن لا بأس أن نمر عليها بمعناها القانوني الذي قد يتبادر إلى الذهن ابتداءاً .
صحيح أن الرئيس علي ناصر محمد ومنذ خروجه من اليمن الجنوبي بقي محتفظاً بصفة الرئيس الشرعي إلا أن قادة الجنوب أو ماكان يسمى ب ( الطغمة ) الذين أمسكوا بزمام الحكم هناك كرسوا جهدهم السياسي الرسمي والإعلامي والقضائي أيضاً لملاحقة ما كان يسمى ب (الزمرة) وقائدها علي ناصر محمد ، وظلت قضية محاكمتهم غيابياً حاضرة ومستولية على المشهد آنذاك ، وفي المقابل كان علي ناصر يرفض الموضوع من حيث المبدأ والنتيجة على حدّ سواء ، واختار مشروع المصالحة كسلاح لمواجهة الهجمة التي يتعرض لها والتي لم يكن يجد له فيها أنصار كُثر خارجيين فدوماً الخارج يتعامل مع من يُمسك بالسلطة في الداخل وهذا ديدن العمل الرسمي والدبلوماسي بين الدول والحكومات ، وبالرغم من كل محاولات الثأر السياسي ، يقول علي ناصر : "لقد تعرضت بعد أحداث يناير 1986م لسيل من الشتائم تهز الجبال قبل الرجال التي صبها خصومي فوق رأسي، ولكن هذا لم يدفعني إلى معاملتهم بالمثل، فلم أهاجم النظام في عدن، ولم أهاجم الوحدة رغم أن لي ملاحظات علنية منشورة ومدونة في كتبي على سلبيات النظام في صنعاء الذي استخدم كل وسائل التشهير للنيل من سمعتي وتاريخي وتاريخ التجربة في اليمن الديمقراطية" إنه هنا يتحدث بهاجسين متوازيين الذاكرة والمذكرات ، بيد أن من المؤكد أن محاكمة علي ناصر محمد سقطت لسبب واحد بسيط أنه كان يمثل الشرعية من وجهة نظر الزمرة التي كانت تطرح محاكمة الطغمة أيضاً كرد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه بحسب المبدأ الرياضي الفيزيائي ووفقاً لمسألة الشرعية التي تمسكوا بها . هنا تساقطت المحاكمات التي كان حلها بيد علي ناصر ولكن أحداً لم يقبل بهذا الحل ، وهو المصالحة التي طرحها ولو كان الجنوبيون قد فوتوا الفرصة على الجميع وأخذوا بهذا الحل لكان مقدمة طبيعية لوحدة راسخة رسوخ الجبال ومدروسة ومرحلية ولن يكون أمام الألعبان صالح أية ورقة يلعب بها ، وكلنا يعلم دور الزمرة في أزمة 93 وحرب 94م آنذاك والذين تنكر لهم صالح كما تنكر لغيرهم ، موقف علي ناصر كان متوازناً وناقداً ومتطوراً مع تطور الأحداث بشكل مفهوم ومعقول إلى أن وصل ذروته طبيعياً ليبلغ مرحلة الثورة التي يتصدرها الشباب اليوم .
كما أن ثمة قيادات في الزمرة من قام بمراجعة سياسية وطنية هامة وحدد موقفاً – بصرف النظر عن نوع الموقف- ( السفير اللواء أحمد عبد الله الحسني أنموذجاً) ، وإن كان متأخراً نسبياً ولكنه يُعد مبكراً جداً قياساً بمن قفزوا من سفينة صالح على إثر الثورة الشبابية الراهنة من مسؤولين وسياسيين ودبلوماسيين .
إذاً .. جاءت الوحدة الاندماجية المهرولة لتقضي على بقية تلابيب موضوع المحاكمات ولتُختزل بعد ذلك بشرط إخراج علي ناصر من صنعاء لتحقيق الوحدة ، وهو الشرط الذي راق لعلي صالح . لقد كان خدمة مجانية عظيمة قدمها علي سالم البيض لعلي عبد الله صالح على طبق الوحدة والجنوب الذي يعتبره صالح طبق غنيمة ليس أكثر ولا أقل .
تساقطت المحاكمات وبدأت محاكمات جديدة وبمعايير مختلفة فالقائد الذي كان يريد محاكمة علي ناصر ثم اشترط خروجه تحول إلى نائب رئيس وبقي ناصر محتفظاً بمنصبه رئيساً شرعياً ولكن هذه المرة من خارج "اليمنين" الشمالي والجنوبي اللذين باتا يمناً واحداً تتجاذبه المصالح وتتناهبه أطماع "حمران العيون" ممن كانوا وفيهم من لايزال يعتقد بعودة الفرع إلى الأصل ، وهؤلاء بالمناسبة وهنا أوجه الكلام للجنوبيين خاصة يقيمون هذا المبدأ حتى داخل اليمن الشمالي فصاحب تعز والحديدة لغلغي من أفريقيا تماماً كما أصحاب الجنوب هنود وأندنوسيين وصومال ، أما هم فملائكة نزلوا بكيس من السماء ومع الأسف انهم ملائكة لايفكون الخط ، ولكن بوسعهم أن يفككوا الوطن والوحدة ويقسموا الثروة فيما بينهم كالأضحية ، ولذلك فان كلام المتنفذين منهم سلطة ومعارضة عن المواطنة المتساوية والشراكة كلام لا أشتريه بحبة خردل مالم يثبتوا العكس ، وهو أمر لم يحصل عملياً حتى اللحظة ولا أظنه سيحصل ، ومن هنا فإنني أعتقد جازماً بأن سقوط النظام بكافة رموزه ومشاركيه في احتلال الجنوب والاستيلاء على مقدراته والمشاركين بالقول وبالفعل ولن أقول بالصمت في الحرب على صعدة وفي الفساد المستشري في اليمن عامة هو السبيل للحل في إطار النظام الجديد ما بعد صالح ودون ذلك فإن صعدة ستبقى مستقلة وقد تهيأ لها ذلك ، والجنوب لن يستفتي لمصلحة الفيدرالية بل سيستفتي لمصلحة فك الارتباط والاستقلال .
وفي شأن الوحدة وبما أننا كنا قبل أيام على موعد مع ذكراها ال21 ، أجد من الضروري أن أذكر بأنه دارت بيني وبين علي ناصر نقاشات مطولة وفي مناسبات عديدة .. كان يحدثني أبو جمال بحزن أنه لم يشارك في رفع علم الوحدة وكان يردد أنه كان لهم الحظ في نيل هذا الشرف ولم يكن لي هذا الحظ ، وهنا لاننسى وقد اعتبرنا في الحلقة الماضية أن علي ناصر أكثر قائد يمني ارتبط تاريخه السياسي بالوحدة أنه أيضا من وقع على أول اتفاقية للوحدة العام 72 م بالقاهرة وأذكر أنه كلما كان ينوء بالألم لأنه استبعد من شرف رفع علم الوحدة في 90م كان حديثه مشوباً بمشاعر الغبطة ، ولطالما يردف بالقول ولكن المؤلم أكثر هو أن لايتصل بك أحد في هذه المناسبة ويتابع هنا : أذكر أن القيادي الذي اتصل بي نهار ذلك اليوم 22 مايو 90 هو محمد علي أحمد وهنأني بالوحدة .
ومالبثت السنوات أن مرت وعاد العليان (العلي السالم) و(العلي غير الصالح) ، لاستقطاب ( العلي الناصر ) بعد أن فرقتهم الأزمة واقتربوا من الحرب ( 94م) ، وكلنا نعلم أن سلطة 7 يوليو حولت الوحدة إلى "وحلة " بعد ذلك ، وبالرغم من كل ذلك لم يسلم علي ناصر سلاح الوحدة لخصمه عدو الوحدة وعدو اليمن وعدو الشعب علي عبد الله صالح .
أحسب أنّ تمسك علي ناصر المبكر بمبدأ المصالحة هو من خوله ومكّنه -إضافة إلى كونه طرفاً رئيسياً في أحداث يناير- من أن يأخذ زمام المبادرة ويتصدر مسيرة التصالح والتسامح وهو هنا بالذات أكد لي أكثر من مرة وكذلك للصحفيين والسياسيين الذين زاروه ويتقاطرون على مكتبه بدمشق بشكل مستمر بأنه جزء متواضع من هذه العملية التاريخية وليست حكرا عليه ، وهي خطوة جوهرية في التاريخ الجنوبي ككل ، وكانت من أكثر الخطوات إزعاجاً لسلطة صالح التي تلعب دوماً على ورقة الفتنة والتشرذم والانقسام والاقتتال وتبث روح البغضاء والكراهية بين أبناء الشعب ، الأمر الذي دفعها إلى محاربة هذه الخطوة بكل السبل بما في ذلك محاولة نبش القبور لاستدعاء الفتنة ومحاولة إجهاض التصالح والتسامح الجنوبي دونما جدوى .
وبمناسبة سياق الحديث عن الأخذ بزمام المبادرة فإن مشاركة علي ناصر للرئيس حيدر العطاس -والأخير رجل دولة من الطراز الرفيع وشخصية جنوبية سياسية وازنة - تندرج في هذا السياق المسؤول وهذا الاجتماع التشاوري الجنوبي في القاهرة يأتي كمحصلة لعمل مشترك بين الرجلين امتد لسنوات وبدأ ببيانات مشتركة بينهما مالبثت أن أضافت الوزيرين السابقين محمد علي احمد وصالح عبيد أحمد إيماناً بأهمية العمل الجماعي وقوة تأثيره محلياً وخارجياً .
وهنا أود أن أنوه إلى أني متمسك حتى اللحظة بماكتبته في مقال سابق بعنوان ( ماذا لو كان الرئيس البيض خامسهم ) وهو أي (البيض) القائد الذي لم ألتق به شخصياً ولا صحفياً فيما التقيت بالعطاس شخصيا وصحفيا وكذلك محمد علي أحمد أما صالح عبيد فقد التقيته صحفيا فقط في مقابلة نشرت قبل سنوات وبعد صمت طويل ، وأرى أن الكرة في ملعب السيد البيض ليكون الأول وليس الخامس كما قال علي ناصر في حوار أجريته معه لصحيفة اليقين حيث ردّ على سؤالي "لماذا لا يكون البيض خامسكم" بالقول : " ليكن أولنا وليس خامسنا " ، واعتبره كثيرون رداً ذكياً ومعززاً لخط التصالح والتسامح .
يعُد اجتماع القاهرة نوعياً بامتياز و غير مسبوق في هذا المسار، ويمثل نوعاً من تحمل مسؤولية تاريخية في وقت عصيب ومرحلة مفصلية وأعتقد أن أي تأخر وإبطاء في هذه الخطوة كان سيمثل ضربة للقيادات التاريخية إزاء تحمل مسؤولياتها اتجاه القضية الجنوبية خاصة وان المخاوف بدأت تتعالى حول مصير هذه القضية في حالة سقوط دراماتيكي لنظام صالح بفعل الثورة الشبابية الشعبية السلمية العارمة . ، وقد قرأت معظم ما كُتب حول اللقاء التشاوري ووجدت أن ثمة مايشبه الإجماع على انها خطوة كبيرة وعظيمة ينبغي البناء عليها لإكمال العمل بالتوافق وأكرر ( بالتوافق) لأنه سيبقى من الصعب الحصول على إجماع سياسي جنوبي في ظل الخلافات بين الحراكيين وحتى بين القيادة التاريخية نفسها ولكن التوافق هنا سيد الحلول والمرجعية في الأخير للشعب الجنوبي صاحب القرار الفصل والفيصل .
تابعت كثيراً مما كتب عن اجتماع القاهرة كما قرأت باهتمام بيان الرئيس علي سالم البيض في ذكرى فك الارتباط مؤخراً .. قرأت دعوته والتي أتت بعد أيام قليلة من اجتماع القاهرة ، وآمل أن لا تكون تكريساً للانقسام الجنوبي بحيث تصبح جبهة في مقابلة جبهة الفيدراليين بزعامة ناصر والعطاس فالتوافق أمر مهم .
وهنا أرى أنه من الأهمية بمكان النظر إلى أصول المسائل لا فروعها .. إن أصل الحراك الجنوبي هو التصالح والتسامح أليس كذلك ؟ وأصلهما معاً هو القضية الجنوبية العادلة ، ولذا ينبغي على قادة التصالح والتسامح أن يعملوا على إرساء هذه المسيرة بالاجتماع في مؤتمر وطني جنوبي أكبر وأوسع من اللقاء التشاوري في القاهرة ويجمع القادة الجنوبيين على اختلاف مشاربهم ، ولا ينبغي أن نغفل أن ثمة تحفظ على اجتماع القاهرة بسبب الحق الفكري والسياسي لحزب رابطة أبناء اليمن في مشروع الفيدرالية وأحسب أن هذا يمكن حله أيضاً بالتوافق ودعوة الأطراف المعنية بمايليق بمقام كل منهم .
وبالإمكان ان يقدم أصحاب الرؤية المخالفة للفيدرالية مشروعهم وفي الأخير سيختار الشعب الجنوبي أحد المشروعين لأن مسألة الفرض لم تعد لها قيمة سياسية وقانونية وشعبية .
كما أن الجميع بحاجة لاستفتاء شعب الجنوب في نهاية المطاف ، وهنا و في ظل سقوط نظام صالح وكافة رموزه التي شاركت معه في احتلال الجنوب -انتبهوا كل رموز النظام- في هذه الحالة أحسب أن كفة الفيدراليين ستكون هي الراجحة باستفتاء الشعب وأظن أن مؤشرات ذلك واضحة للعيان من خلال متابعة مجريات الثورة الشبابية وما أحدثته من تغيير في المطالب الشعبية الجنوبية والالتحام الشعبي الذي أظهرته الصورة الفريدة من نوعها ولا يستطيع أحد أن ينكر أن ذكرى 22 مايو التي مرت قبل أيام لا تشبه أي ذكرى لهذا العيد منذ عام 94م ، وإني لأرى في هذا الأمر مايشبه الاستفتاء على الوحدة مجدداً مما يوحي بأن الحل الفيدرالي أكثر وجاهة لاسيما لو جاء مترافقا مع حلول عملية لكل جوانب القضية الجنوبية سياسياً وحقوقياً ، وقد تنبه علي ناصر وفي عملية منسجمة تماما مع مواقفه السابقة وهنأ الشعب اليمني بالوحدة مشيرا إلى انه الأول من نوعه دون رسميات ورابطا بين ضرورة التصعيد الثوري من كافة القوى من أجل استعادة الوحدة وبالتأكيد وحدة العدل والمساواة والشراكة لا وحدة الظلم والفيد والعدوان ، مشيرا في رسالته التي وجهها لشباب التغيير إلى التضحيات التاريخية التي بذلت من أجل الوحدة كحلم عظيم وهدف استراتيجي ، أنا شخصياً لا أرى في تهنئة البيض بذكرى فك الارتباط وتهنئة ناصر بذكرى الوحدة عامل افتراق مطلق ، بل لعل هذا الأمر في جنبة من جنباته مفيد للقضية الجنوبية فتوزيع الأدوار مهم أحياناً للحصول على أعلى المكاسب للشعب وخاصة عندما يكون هذا الشعب هو ضحية قرارات غير صائبة من قادته وعانى بسببها الويلات والقهر والعذاب بكل صنوفه كما هو حال شعب الجنوب ، ولكن مقتضى الحال هو مقاربة هذه المواقف لا مباعدتها.
وهنا يجب التنبيه أنه تقع على الرئيس علي ناصر مسؤولية تاريخية ستكون أعظم إكليل يتوج به تاريخه السياسي الذي اتسم بالتوازن والوطنية والوحدوية وهو إكمال مسيرة التصالح والتسامح التي بدأها ، وقد أحسن أبو جمال صنعاً حينما أورد في كلمة الافتتاح لاجتماع القاهرة بأنه يعد "استكمالاً لتحقيق المصالحة الجنوبية الشاملة ذلك الطريق الذي بدأناه بالتصالح والتسامح عام 2006م من جمعية أبناء ردفان البواسل والذي أثبتت الأيام والأحداث والسنوات بأنه الطريق الصحيح فلولاه لما كان الحراك الجنوبي ولولاه لما كان هناك شيء اسمه القضية الجنوبية ولولاه لما كنا اليوم هنا نتدارس أمور جنوبنا الحبيب ونبحث في مستقبله" وكان موفقاً عندما أورد أيضاً في كلمته الختامية باجتماع القاهرة التأكيد على ضرورة التواصل مع من لم يحضروا ذلك الاجتماع ، فالإقصاء مسألة خطيرة بأي حال من الأحوال ، وبتقديري ليكن التوافق مع فريق فك الارتباط أو الاستقلال ممثلا بالرئيس البيض هدفا أولياً ومباشراً للمرحلة المقبلة عبر كل السبل الممكنة والمتاحة ، وبموازاة ذلك ينبغي تفهم الخلافات القديمة الجنوبية - الجنوبية واحتوائها منذ 67م ، والالتفات إلى كل الأطراف التي أهملت في مسيرة التصالح والتسامح كما ينبغي التنبه إلى (عدن) وهي العاصمة الحالمة ، فلا جنوب بدون عدن ولا شمال بدونها ، ولا نزال نسمعها تئن من ممارسات الإقصاء والتهميش من جنوبيين وشماليين على حد سواء .

الرئيس علي ناصر –وكماعرفت- منه ومن عدنيين كُثر ومن مختلف الفئات يرتبط بعلاقة خاصة بهذه المدينة وأهلها التي كتب لها كتاباً جميلاً وأنيقاً يليق بمقامها بعنوان ( الطريق إلى عدن) أثق بأنه لن ينزلق إلى إهمالها في أي عمل سياسي جديد ، وهذا ما يتوخاه العدنيون وكذلك ما يتوقعه محبو عدن الذين أحسب نفسي واحداً منهم .
وفي جانب التوثيق لا أظن أن عدن سيقتصر حضورها عند علي ناصر في ذلك الكتاب الخاص الذي يحمل اسمها بل إنني أستطيع القول مطمئناً بأنها ستكون حاضرة ليس كمدينة وعاصمة فحسب بل كقبلة عاشق في كل طيات مذكراته ، وهاهي أتت المناسبة للحديث عن مذكرات علي ناصر التي لم تصدر حتى الآن ، وحسبما وعدتُ في الحلقة الماضية .
لقد سألتُ أبا جمال كثيراً عن المذكرات وتوقيت إصدارها وهي شبه جاهزة – حد اعتقادي- وكذلك لم تكن تخلو أسئلة الصحفيين في معظم مقابلاتهم من السؤال عن المذكرات ، وأوفرهم حظا حصل من علي ناصر على إجابة حول شكل المذكرات وتسمية فصولها وهي أربعة فصول كما ورد في إحدى مقابلاته لصحيفة يمنية : "الثورة – الدولة – الوحدة – السياسية الخارجية"
ولعل هذا التقسيم يشي بأهمية علمية غير مسبوقة لمذكرات رئيس جمهورية ، وما لايعرفه كثيرون هو أن الرئيس علي ناصر بدأ بكتابة المذكرات أو التحضير لكتابتها والتوثيق لها منذ خروجه إلى سورية . هنا يحضر رجل الدولة المهتم بالشأن التاريخي ، ومنذ ذلك الوقت يكرس علي ناصر كثيراً من الجهود والطاقات في سبيل إيجاد وتوفير قاعدة بيانات ووثائق واسعة لمذكراته مما يعني أننا لن نكون على موعد مع مذكرات توثق لسيرة ذاتية كتلك التي قرأناها لمسؤولين ورموز يمنيين أو حتى عرب ، بل سنكون على موعد مع مصنف تاريخي وسياسي وعسكري واقتصادي واجتماعي وثقافي عال المستوى مدعم بالوثائق والمعلومات والصور ما ظهر منها وما بطن، وسيكون مصنفاً مهماً يضاف إلى المكتبة العربية ويضيف إليها ويشكل مرجعية للباحثين والمهتمين ، وسيغطي جانباً من القصور الذي يكتنف التوثيق التاريخي في اليمن .
لقد قال علي ناصر في معظم مقابلاته الأخيرة أقصد السنوات الثلاث الماضية التي عملت فيها إلى جواره بأن المذكرات ستصدر قريباً ، وهنا ينبغي توضيح سبب عدم إصدارها من وجهة نظر تحليلية ، فلدى الرجل رؤية استراتيجية للتطورات في الواقع اليمني كما لو كان يستشرف حدثا مستقبليا ولطالما ناقشته شخصيا حول إصدار مذكراته وكان يرد باقتضاب بالقول بأنه سيأتي وقتها وأحيانا يوميء إلى حدث غير مرئي ، كما أن السنوات الماضية عجّت بكثير من التطورات السياسية التي لا يمكن إغفالها في المذكرات ببداياتها ونتائجها وعلاقتها بالتاريخ الرئاسي والسياسي للرجل .
بدءاً بالتصالح والتسامح ثم بالحراك ، مروراً بخروج البيض من عُمان ، وليس انتهاءاً بالثورة الشبابية الراهنة ، ولا يمكن أن نغفل بأن المذكرات تتضمن فصلاً كاملاً ومستقلا تحت اسم الوحدة وهذا الفصل لا شك بحاجة إلى نهاية سيناريو أيضاً يريد صاحب المذكرات أن يكون جزءا لا يتجزأ منه في الواقع العملي .
بعضهم يذهب بعيداً في محاكمة مواقف علي ناصر لاسيما الأخيرة منها ، معتبراً أن الرجل يرغب في السلطة ، وفي الحلقة الماضية تعرضت إلى مسألة عدم مغادرة الرجل للسلطة وليس السياسة فقط ، لكنني أستطيع القول مطمئنا بأن الرجل زاهد عن السلطة أكثر من زهده عن السياسة ولذا فإنني أستبعد أنه يريد العودة إلى السلطة بالمعنى المباشر ويترك منصبه رئيسا شرعيا مدى الحياة ، وإن كنت لا أستبعد أن يوافق الرجل إذا وقع تحت ضغوطات جنوبية أولا وشمالية ثانيا وربما خارجية أيضاً على أن يمسك بالحكم لفترة مؤقتة وقصيرة جدا يتوج بها تاريخه السياسي لإيصال البلد إلى بر الأمان الديمقراطي ، ولكني أرى في الأمر مخاطرة كبيرة لن يقوم بها رجل يحسب خطواته جيدا كعلي ناصر لاسيما وأنه يمتلك شبكة علاقات واسعة في الجنوب والشمال ومعظمها متهافت وغير منسجم وهو يستطيع التوفيق بينها الآن لكنني أظن أنه في رأس هرم السلطة سيكون الأمر صعباً . كما لا ننسى بأن الرجل عرف ( الخُبرة ) وخبرهم جيدا أثناء إقامته بصنعاء أربع سنوات قبل الوحدة ، وهو الذي يقول لك في هذا المقام: إنهم قومٌ لا يقولون لك كلمة ( لا ) ولا ينفذون كلمة ( نعم ) .

هامش مهم :
- ذكرتُ في بداية الحلقة الأولى من هذا المقال بأني التقيت وتعرفت شخصياً ولأول مرة بالمواطن اليمني الجنوبي علي ناصر محمد بمنزل المواطن اليمني الشمالي علي بن إبراهيم سيف الحق ، وكان هذا هو السياق الفني لمستهل المقال ، وحتى لا يكون عسفاً بحق صاحب المنزل المضيف أود التوضيح بأنه الصديق الأمير علي بن ابراهيم بن حميد الدين ، حفيد الإمام يحيى حميد الدين وآخر وزير دفاع للمملكة المتوكلية ، رجل كبير القدر والمقدار ويتسم بثقافة ليست غريبة على أسرته العلمية الزيدية التاريخية ويتمتع الصديق الأمير بروح وحيوية الشباب وأكن له كثير من الاحترام فلطالما كان منزله بدمشق منتدى ثقافي نجتمع من خلاله لنتحدث بحرية وبروح نقدية معاصرة.
[email protected]

عن صحيفة اليقين الأسبوع
http://www.samaa-news.com/news5322.html


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.