نقب عن العنبر الذي أضعته في جوف ذلك الحوت الذي ابتلع المحيط ! ما زال البابُ مغلقا يا ديباجة وأنا هنا منذُ خمسة عشر عاما أمضغ الثواني ولا شيء .. لا شيء ! يتدحرجُ رأسي فقط " هذه الكلمات التي تتكئ جنباتها على التفاصيل الدقيقة من حولنا؛ وتعيش هوامش المكان والذاكرة؛ كانت للأديبة السعودية القادمة من مكةالمكرمة مها النهدي؛ اقتطعتُها من نصها "شهقة باب" وهو العنوان الذي اختارته لإصدارها الثاني؛ وقد احتوى على نصوص وجدانية شعرية تحط بك درب قوافل؛ تجرّ معها فوضى يومياتنا؛ وهو كتاب ينبئ بقدوم أديبة ذات خط فريد يُميزها؛ خاصة أنها تجاوزت تجربة الإصدار الأول وعنوانه "حنجرةُ المكحلة" والعنوان هنا وحده ينتهي بك إلى دلالات مدهشة. النهدي في "شهقة الباب" لا تتردد في أن تجعل للتفاصيل الجامدة من حولنا أعينا وألسنا وآذانا وأطرافا تسمع وتثرثر وتنمو وتصرخ وتشيخ؛ لتُصيبنا بدهشة هذه الأشياء الميتة والمتوارية في بيوتنا؛ في صور شخوص تنعطف مع تناقضاتنا الآدمية؛ فهي في هذه التجربة تقف مرة بقارئها على مختصرات غاية في الإيجاز ك"قلبي وطن كبير يتسع لمواطن واحد فقط ! " وتقول "وكل الأشياء في حبك معكوسة .. حتى أنا!! " وأيضا "حقٌ للبكاء أن ينجب وجها جميلا !!" وتأتيك أحيانا أخرى في نصوص مطولة مملوءة بغيمات تمطر قارئها خيالا؛ كي تستنبت من أرض التأويل كلمات تطلق سراح معانيها من سجون المعاجم العربية إلى فضاءات المركبة؛ كما في "ستُ ليالي معا" و"قرع النصوص" و"ياء الوجع.." وغيرها من نصوص . والأخت الأديبة مها التي تعكف حاليا على كتابة روايتها الأولى كما أخبرتني؛ تعتبر من الأسماء المبدعة الشابة التي لم تأخذ حقها الصحفي الذي يرسخ حضورها الأدبي من خلال صحافتنا الثقافية رغم أنها أصدرت كتابين؛ وحين التقيتها مرتين في لقاءين ثقافيين عابرين؛ عرفتُ لماذا ؟! فهي من تلك الأرواح الشفافة التي لم تعرف للتسلق على المثير والفج طريقا؛ تجدها هادئة وراقية ومتواضعة؛ مُفضلة أن تأتي بهدوء بدلا من أن تكون فقاعة صابون كبعض التجارب الشابة التي سمعنا عنها الأمس ونسيناها اليوم بسرعة؛ وما أستغربه حقا؛ وأتساءل عنه هو أين صحافتنا الثقافية عن إصدارات الأديبات الشابات السعوديات كمها النهدي ؟! هل مُحرروها لا يقرؤون ؟! أم مشغولون في قراءة إنتاج مبدعات منتديات الإنترنت؛ لاكتشاف نجمات جديدات عبرها ؟! يكرسون منها أسماء إنتاج مليء بالخيبة الفنية !؟ أسئلة عديدة خطرت في بالي وأنا أقرأ شيئا من نص رشيق للنهدي؛ أشعرتني فيه بالاطمئنان على إبداع المرأة القادم؛ وهي تطلقنا في مساحات التأمل: " شجرةُ صفصاف وضفائر سنابل تتدلّى من على شرفة عمري الأخضر الذي ما زالت ترقص بذوره تحت جلدي "