أيام قلائل مضت منذ اختتم ملوك وأمراء مجلس التعاون الخليجي مهمتهم الدورية الثانية والثلاثين في العاصمة السعودية الرياض وقد تميزت هذه القمة بما طرحته من قضايا كان أبرزها ما عرضه العاهل السعودي في كلمته الافتتاحية وطلب فيها الانتقال من حاله التعاون إلى حاله الاتحاد وقد لقيت مبادرته ترحيب كل الزعماء المشاركين بالقمة إن هذه الدعوة دغدغت مشاعر وعواطف شريحة واسعة من جماهير الأمة العربية ولكنها في المقابل ولدت بعض المخاوف لدى قلة قليلة من جماهير هذه الأمة واعتقد أني واحده من هذه القلة وقد تولدت لدي هذه المخاوف مما لمسته وعايشته في ظل الوحدة اليمنية فالعواطف الصادقة و الآمال الكبيرة لا تكفي لتكون قاعدة ننطلق منها ونبني عليها بل يجب الأعداد والتهيئة لكل الظروف والعوامل لإنجاح ما نطمح إلية فإذا أراد الأشقاء الانتقال من مرحلة التعاون الناجحة إلى مرحلة الاتحاد التي هي مرحلة مختلفة جدا عما هو علية ألان فيجب عليهم أن يضعوا نصب أعينهم التجارب السابقة للاتحاد واقصد بذلك الوحدة المصرية –السورية ووحدة شطري اليمن . لأن في حالة فشل هذا الاتحاد فلن يعود الوضع إلى ما كان علية ولكنة سيؤثر قطعا بشكل سلبي على صيغة التعاون التي كانوا عليها قامت الوحدة المصرية-السورية في أجواء مفعمة بزخم ثوري عربي طاغي وكان لشخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الأثر البالغ في إحداث ذلك المناخ الذي كان يسود المنطقة العربية لقد التفتت الجماهير العربية حول شخصية الزعيم بصوره قل نظيرها في التاريخ العربي وقد قامت الوحدة المصرية السورية في 1957بعد أحداث عظيمة مرت بها مصر واقصد بذلك تأميم قناة السويس و ما أعقبها من عدوان ثلاثي على مصر وكل ذلك كان مما رسخ وقوى مكانة الزعيم جمال عبد الناصر لدى الجماهير العربية التي كانت تراه زعيمها الأوحد بلا منازع خلال عملي في الحقل الصحفي أجريت كثير من اللقاءات مع العديد من الشخصيات التي كان لهم دور في النضال ضد الاستعمار البريطاني وقد اجمع كل من التقيت بهم أن كثير من المظاهرات التي كانت تخرج في عدن في تلك الحقبة كان أكثر الشعارات التي يرددها المتظاهرون هو شعار ( عاش جمال عبد الناصر )كما إن الصور الشخصية الوحيدة التي كانت ترفع في المظاهرات هي أيضا صور الزعيم جمال عبد الناصر كل ذلك الحب للزعيم إضافة لطغيان المد القومي هي عوامل عاطفية لكنها كانت الركيزة الأساسية التي قامت عليها تلك الوحدة متجاهلة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين القطرين رغم أن البناء الاقتصادي والاجتماعي هو الأساس الذي ستقوم علية البناءات الوحدوية وبعد قيام الوحدة اكتشف السوريون أن ليس كل القادة المصريين جمال عبد الناصر وأكاد اجزم أن تصرفات القادة العسكريين المصريين كانت من ضمن الأسباب التي دفعت السوريين للمطالبة بالانفصال ليس رفضا منهم للوحدة بل رفضا للتبعية أما الوحدة بين شطري اليمن فرغم حصول أول المفاوضات بشأنها في مطلع السبعينات وتشكيل لجنتي شئون الوحدة لجان (عبد لله طلع عبد الله نزل ) كما كان يطلق عليها للتفكه والتي لم تتعدى انجازاتها الاجتماعات والمشاورات ولم يتم اتخاذ أي إجراءات تمهيدية لقيام الوحدة باستثناء ما كان يقوم به النظام في جنوب اليمن من غرس لمفهوم الوحدة بين أوساط الجماهير وجعلها هدف يناضل في سبيله ولازال من عاش في تلك الفترة يذكر شعار( لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة ألخمسيه وتحقيق الوحدة اليمنية ) ذلك الشعار الذي كان يردد يوميا في المدارس ويتصدر كل المعاملات والرسائل الرسمية الحزبية والإدارية ويعلق في جميع اليافطات في الشوارع والميادين وأيضا مما يحسب للنظام في الجنوب إضافة لتهيئة الناس وغرس حب الوحدة في نفوسهم هو عدم تميزه بين أبناء الشمال والجنوب فالجميع كانوا مواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وتصرف البطاقة الجنوبية لكل مواطن بينما نجد في الشمال عكس ذلك ومازال كثير من المواطنين الذين اضطرتهم الأحداث السياسية للنزوح إلى الشمال الحبيب يتذكرون بمرارة البطاقة التي كانت تصرف لهم والمدون بها (جنوبي مقيم) لكن كلا القيادات في الشطرين لم تحاولا أن تنقذا هذه الشعارات وترجمتها عمليا على ارض الواقع حيث استمر الاختلاف الجوهري للنظام الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية المتناقضة بين الشطرين ففي الوقت الذي كانت كل موارد وأراضي الجنوب ومصانعة ومؤسساته ملكية عامة أي أن كل رأسمال الجنوبيين يمتلكه ويديره القطاع العام نجد الوضع في الشمال عكس ذلك فالقطاع الخاص هو المسيطر والمسير للعملية الاقتصادية في الشمال وكل حجر لدية مالك ولأتملك الحكومة أي شيء حتى أن مقرات كثير من وزاراتها كانت مستأجرة وبعد قيام الوحدة ضاع رأسمال الجنوبيين وأصبحوا لا يملكوا شيء سوى رواتبهم الشهرية في حين ازدهر القطاع الخاص في الشمال ونمى وترعرع وزاد معدل تصريف منتجاته في السوق الجديدة فليس من الحكمة في شيء أن أخد كل من طرف كل ما يملكه وابقي للأخر كل ما لدية واطلب منهما أن يكونا متآلفان سعيدان وراضيان في ظل كل ذلك التناقض بين الشطرين قامت الوحدة اليمنية الاندماجية حارقة كل المراحل التمهيدية فطرف ينظر إليها كحلم يتمنى تحقيقه والأخر ينظر إليها كفرع عاد إلى أصلة وهما معا سبب ما تعانيه هذه الوحدة اليوم أن دراسة تجربة الوحدة المصرية والسورية ووحدة شطري اليمن سيفيد الأشقاء الخليجيين كثيرا مع مراعاة التركيز على عامل مهم لم يكن موجود في فترة قيام الوحدة المصرية السورية نظرا للمد القومي العربي ولم يكن كذلك في التجربة اليمنية نظرا لمزايدة قيادات الشطريين كلا على الأخر وهو عامل جديد ظهر في البلدان العربية وانتشر بها بصورة قوية وازداد قوة بعد أزمة غزو العراق للكويت واقصد بذلك تضخم الذات القطرية لكل قطر عربي على حدة حيث عمل كل قطر عربي وبذل أقصى جهوده للتركيز على ذاته ومحاولة إظهار تفرده وتميزت عن غيرة من الأقطار المجاورة مما غذى وقوى الاعتزاز القطري واضعف الانتماء القومي فرغم تجربة مجلس التعاون الخليجي الناجحة التي وحدة بين سكان الدول الخليجية وأزالت كنير من العقبات إضافة للتشابه الكبير ا في كثير من النواحي الاجتماعية والسياسية وتوفر كثير من المقومات الأساسية للوحدة إلا أن تضخم الذات القطرية عند كل قطر على حدة كبير ويجب أن يجد المسئولين في دول المجلس الحل المناسب له إذا كانوا جادين في مسالة التوحيد إن مصطلح الوحدة المدروسة والمتدرجة الذي تعرض لكثير من السخرية والاتهامات من قبل دعاة الوحدة الفورية الاندماجية يجب أن يوضع نصب أعين المخلصين من قادة هذه الدول لان أي انتكاسة جديدة لن تقوم بعدها قائمة لأي وحدة عربية في المستقبل وستكون سلاح بيد أعداء الأمة يثبطوا به همم كل من يسعى للوحدة من الأجيال القادمة فكما كان ظهور الأفكار المنادية بالقومية على حساب الوحدة الإسلامية ارجوا أن لا تكون الأفكار المنادية بالقطرية على حساب الوحدة القومية أن دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز أثبتت أن مازال فينا رجل رشيد