لقد مثل خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في المولد النبوي الشريف خارطة طريق سياسية تجسد تطلعات اليمنيين الى الحرية والعدالة ، لم يتحدث كما كان يتوقع البعض عن حق سلالة او منطقة في الحكم ؟ كما لم يكفر او يخون المخالفين له في الموقف أو القناعة السياسية والدينية ، أكد على وحدة المسلمين وحذر من الانجرار وراء الفتنة الطائفية التي ترعاها قوى الاستكبار والاستبداد ، كان واضحا لجهة الالتزام بأهداف الثورة التي يجب ان تسقط جميع الفاسدين ، أدان بشدة التدخل العسكري الامريكي في الاراضي والاجواء اليمنية وانتقد صمت حكومة الوفاق ازاء انتهاك سيادة البلاد وقتل ابنائها. ورفض الالتفاف على الثورة الشعبية عبر المبادرة الخليجية ، وقبل ان يتحدث عن صعدة وجراح ابنائها اكد على معالجة القضية الجنوبية وإعادة الشراكة الحقيقية لوحدة 22مايو 1990م وطالب بإسقاط فتاوى التكفير التي اباحت اعراض ودماء إخواننا في المحافظات الجنوبية والتعويض العادل للشهداء والجرحى والمتضررين من نهب الاراضي ومن تعرضوا للإقصاء والابعاد من الوظيفة العامة بعد 94م . ولجهة التجاذبات التي تشهدها ساحات الاعتصام كان السيد عبد الملك بدر الدين واضحا في تأكيد أن جماعته ليست اقصائية لكنها بالمقابل لن ترضخ لمنطق الإقصائيين. وفيما يخص الجيش اشار الى ضرورة اعادة هيكلته بما يجعله حاميا للشعب حارسا لسيادة البلاد لا يخضع لأسرة أو تيار سياسي أو ديني يوجهه لخوض الحروب الداخلية كما حدث في الجنوب وصعدة وتعز. وفي الأفق العربي من الطبيعي ان ينحاز زعيم جماعة انصار الله الى ارادة الأمة متوجها بالتحية الى حركات المقاومة ومحور الممانعة في وجه المشروع الامريكي الاسرائيلي، محذرا من خطورة الجري الأعمى وراء مخططات الأنظمة المرتهنة التي تعمل على تصوير المسلمين الشيعة وايران بأنهم كأعداء مقابل تقديم امريكا واسرائيل كأصدقاء . من هم الحوثيون? مرت حوالي عشر سنوات على ظهور جماعة الحوثيين تخللتها ستة حروب اثارت جدلا اقليميا ودوليا، ومع ذلك لا زال البعض في اليمن يتساءل : من هم الحوثيون؟ وماذا يريدون؟ وآخرين يطالبونهم بالخروج من دائرة الغموض والافصاح عن هويتهم والتعريف بأنفسهم؟ ويتناسى بعض الباحثين أو الصحفيين أن مهمة البحث والاستقصاء الموضوعي منوطة بهم، ومن غير المعقول ان يظل من يفترض ان هذه مهمته يتحجج بمثل تلك التساؤلات ، إلا اذا كانت بهدف التقليل من شأن الآخر والتشكيك في مصداقيته. في ساحات الثورة من المفهوم أن يوجه البعض دعوته للحوثيين للانخراط في العمل السياسي بعيدا عن حمل السلاح، لكن من يتبنى تلك الدعوات حاليا على الاقل هو الذي يشكك في كل خطوة يخطوها الحوثيون في ميدان الممارسة السلمية ، وهذا كما اعتقد هو السبب الذي جعل الحوثيين يتريثون في اعلان حزب سياسي خوفا من تكرار التجربة الحزبية الفاشلة في ظل ملعب لا تزال ارضيته مفخخة بالقوى النافذة المتسلحة بالأصوليات والقبيلة والعسكر والإسناد خارجي. حينما انطلق الحوثيون للانخراط في الثورة الشبابية ودفعوا بشبابهم الى ساحات الاعتصام وجدوا أن من يطالبهم بالتحول الى العمل السياسي يقف لهم بالمرصاد في ساحات الثورة الى درجة تنفيذ هجمات ليلية على المخيمات ونهب وتدمير محتوياتها .. مئات بل آلاف من اتباع السيد عبد الملك الحوثي تركوا السلاح وحضروا الى ساحات الاعتصام وشاركوا في مشقة السير على الأقدام مع زملائهم من تعز الى صنعاء ومن الحديدة الى العاصمة وكان يفترض "سياسيا" الاشادة بهذا التحول لكن الذي حصل هو تحويل الحوثية الى تهمة لتبرير قمع مسيرتي الحياة والكرامة ومواجهة شباب الثورة برصاص القتل وبيانات التخوين. بحسب علمي ان ابناء محافظة صعدة كان بودهم تنظيم مسيرة راجلة الى العاصمة صنعاء لكنهم عزفوا عن ذلك بعد ان صدرت بيانات من قبل أطراف في المعارضة تحذر من مجازر ستنفذ ضد المشاركين في المسيرة، متهمين الحوثي بالسعي الى اقتحام مجلس الوزراء واسقاط الحكومة والسيطرة على منصة ساحة التغيير ، و(هم جادون حين هددوا بمجزرة ولن يسمحوا لمسيرة راجلة تأتي من صعدة حتى لوكا نت من الاطفال والنساء فضلا عن الشباب) والأسباب معروفة لا علاقة لها بعدم ايمان الحوثي بالنضال السلمي او موقفه من الدولة المدنية .. الدولة المدنية الفيتو على حق اليمنيين في دولة مدنية ليس بيد الحوثي ولا بيد بقية الأفرقاء في الداخل، وبعيدا عن المثالية في الطرح كلنا يعرف ان الشقيقة الكبرى ومن خلفها العم سام لم ولن يسمحوا بوجود دولة مستقلة وذات سيادة تتمتع بالحد الأدنى من مقومات الاستقلال في اليمن وبالتالي فإن رمي الكرة في مرمى الحوثي أو غير الحوثي ليس اكثر من جهل او مغالطة.. ان الطريق الوحيد الموصل الى دولة مدنية هو انتصار الثورة وتحقيق كامل اهدافها في اسقاط الوصاية الاجنبية، وحين يمتلك الشعب قراره وحريته بإمكانه اقامة دولة مدنية وهو الطريق الذي ذكره السيد عبد الملك الحوثي في خطابه حين اكد على استمرار الثورة حتى اسقاط وكلاء الخارج في اليمن. سلاح الحوثيين لا اعتقد ان هناك يمني او عربي أو مسلم يختلف مع ما ورد في خطاب السيد عبد الملك الحوثي، ومع ذلك سيظل التشكيك والتخوين حاضرا من قبل البعض، غير أن استمرار الحوثيين في العمل السلمي في ساحات الحرية والتغيير وانخراطهم في المسار السياسي كفيل بتجاوز المنطق الإقصائي. صحيح هناك من يطرح مسألة حمل السلاح والصراع الحاصل في بعض مناطق صعدة وحجة ، ولكن الى الآن ما تزال الجهات التي تطرح هذه القضايا غير جادة أو صادقة في المزايدة على الحوثي في هذا الصدد، خاصة ولهذه الاطراف ضلع في خلق بؤر الصراع في تلك المحافظات ضمن مخطط اقليمي. وفي المحصلة لا بد من حوار حول قضية حمل السلاح يشمل كل اليمنيين بما فيهم الحوثيين وحزب الإصلاح الذي تسيطر قبائله على اجزاء واسعة من العاصمة ، وخاضت عناصره حروب شرسة ضد الوية الجيش في ارحب والحيمة وابين وغيرها. كما يفترض وجود حوار جاد وحقيقي بين المكونات اليمنية يكلل بمعادلة وطنية تحفظ حرية الجميع وحقهم في التعبير عن رؤاهم وممارسة نشاطهم السلمي بعيدا عن الالغاء والتكفير والعنف وكما تطرح هذه القضية على طاولة الحوثيين يجب ان تطرح على بعض اركان المشترك والقوى العسكرية والمشيخية المتحالفة معه. السيادة اليمنية في ظل ثقافة الفتة الطائفية والمذهبية يصبح الحديث عن واحدية مصير الشعوب العربية والاسلامية التي تحدث عنها السيد عبد الملك الحوثي مدعاة للتخوين والتشكيك التي ركبت موجتها للأسف تيارات الاسلام السياسي بخفة وصفاقة تكشف زيف الشعارات المرفوعة خلال العقود الماضية . وهنا لم يعد غريبا لدى البعض صمت حكومة المشترك وما يسمى بالمجلس الوطني إزاء القصف الامريكي للأراضي اليمنية، وتصوير موقف الحوثيين الرافض لانتهاك سيادة البلاد وكأنه عملا طائفيا وعمالة لإيران وسعيا لإسقاط المبادرة الخليجية ، من الغريب أيضا ان يتصدى 70 عالم دين لإصدار فتوى تتهم ناشطين وصحفيين بالكفر والزندقة ولا يدينون في الوقت نفسه الغارات التي تنفذها الطائرات الامريكية لقتل الابرياء في محافظة ابين. لا ندري واشنطن بصدد مراجعة قيمها وسياساتها العدائية تجاه العرب والمسلمين؟ ام ان القوى السياسة هي المخدوعة وكلنا يعرف كيف جسدت واشنطن شعاراتها في العراق وافغانستان فيما يتم حرف بوصلة الولاء والبراء صوب ابناء الشعب الواحد والأمة الواحدة . الجانب الأمني لم يسجل اي حادث امني أو غير أمني في مناسبة ذكرى المولد النبوي بمحافظة صعدة. مستوى التنظيم وحفظ الأمن الذي رافق الاحتفال يحتاج الى قراءة مستقلة، وهو أمر يرتبط ولا شك بالعمق الاجتماعي والقدرة السياسية ووضوح الهدف لدى الحوثيين بالشكل الذي تجسد في كلمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي . كيف لجماعة "متخبطة" بحسب وصف بعض المثقفين ان تؤمن توافد مئات الآلاف وتوفر لهم متطلبات السلامة والهدوء فضلا عن المأوى والضيافة، دون أن تغفل عملية التنسيق مع القبائل على طول الطريق العام خارج محافظة صعدة من اجل تأمين سلامة الضيوف منذ اللحظات الأولى لانطلاقهم وحتى عودتهم الى ديارهم سالمين. من جديد نؤكد ان ما نقوله ليس اطراء ولا مجاملة إنها الواقع المثير للجدل الذي رسمه الحوثيون منذ بداية الثورة السلمية وحتى المولد النبوي السبت الماضي ..