«اذا ما احسست يوماً ما، ان الدنيا تضيق من حولك .. تذكر ان لك صديقاً اسمه الدكتور شيراك». كلمات قالها الرئيس الفرنسي شيراك . للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عندما زاره الى مستشفاه في رام الله قبل سنوات من حصار عرفات في مقر الرئاسة برام الله . قد يعتبرها البعض أو اعتبرها البعض في حينه كلمات مجاملة من دبلوماسي لنظيره يقال مثلها الكثير على طاولات وصوالين السياسية. وتمر السنون وتضيق الدنيا حول ابي عمار ويصبح ذلكم النسر العربي الذي لم تتوقف اجنحته القوية من الطيران حول العالم، وفي صدره قضية وهب حياته لها ليصبح محاصراً في غرف محدودة تسمى مقر الرئاسة. وتمد اليه يد المرض او الموت البطئ.. وتعاوده حالات الغيبوبه الكامله .. فيجد المناضل الصلب ابو عمار ان ماسمعه من الصديق الانسان شيراك.. لم تكن كلمات مجاملة دبلوماسية، بل كانت كلمات زعيم انسان تمثل القيم التي تؤمن بها فرنسا .. كلمات من رئيس دولة يعرف جيداً ماذا يقول، ومتى وكيف يترجم مصداقية ما يقوله.. فكان له موقفه الانساني والاخلاقي المشرف في الضغط على شارون للسماح باسعاف عرفات الى باريس ومعالجته في إحدى مستشفياتها. في الوقت الذي انتقل كل ما يتفاخربه العرب من قيم النخوة والوفاء والشهامة الى باريس التي فتحت للمناضل عرفات ذراعي الضيافه والمحبة والانسانية . الاجمل والاكثر والابلغ تاثيراً من كل جميل احتفظ به الشارع العربي لفرنسا الصديقة ورئيسها الانسان .. ان هذا الرئيس النبيل عندما سارع الى زيارة عرفات في مشفاه العسكري بباريس قد وقف بجانب عرفات المدثر على سريره في نصف غيبوبة وقال مخاطبا عرفات بقوله «ياسيادة الرئيس انا صديقك الدكتور شيراك الى جانبك» كلمات من القلب لم تؤكد لعرفات مصداقية ما سمعه من الرئيس شيراك قبل سنوات، ولكنها استطاعت ان تجعل عرفات يفتح جفونه وينظر الى صديقه الفرنسي الانسان ويبتسم له ابتسامة شكر ومودة .. لعلها الابتسامة الاخيرة على شفاه مناضل صلب لم تفارقه الابتسامة في اشد الظروف كأحداث ايلول الاسود وحصار بيروت .. ليس المناضل عرفات بمفرده، وليس الشعب الفلسطيني وحده، بل الشارع العربي بأكمله، قد وجد بجانبه الصديق شيراك. وفرنسا الدولة التي تحتضن القيم الانسانية في الحرية والأخاء كما تحتضن بذور المدارس الادبية والفكرية بما فيها من مبادىء وقيم نبيلة. لن نطيل في الحديث ونشير الى واحدة من ردود فعل الشارع على السنة شعرائه- نحو الموقف الفرنسي، ومنهم الشاعر اليمني محمد احمد منصور حيث يقول :- فدعاه الى فرنسا وفيِّ وهو مازال في الكيان حطاما فرأى نخوة العروبة في (باريس) تُرسي اعلامها والخياما اسكنته قلوبها عن وفاء وحبته الاجلال والاعظاما ومثلما كان شيراك ، هو الصديق الوفي .. الى ان ودع رمز القضية الفلسطينية وداع الرؤساء العظام مازال ابناء الشعب الفلسطيني ينظرون اليه كأب صديق وهم يرفعون شعار (كيف قْتل ابونا) سؤال لن تجيب عليه إلاّ شهادة الوفاة وتقرير اسبابها كما تقضي به قواعد مهنة الطب في اي مستشفى في العالم .