هو غير مناسب البتة أن يتذكر الإنسان أحزانه في مناسبة كهذه؛ حتى ولو كانت هذه الأحزان غير شخصية. لكن ما يجري حولنا لم يترك لنا منفذاً للفرح. فما من بلد عربي ولا إسلامي إلا ولديه مشكلة من الحجم الثقيل. وما لم تكن قد انقضت المشكلة الرئيسية في بعض البلدان فإن ذيولها باقية. ومن لم يتعرض من تلك البلدان لهذا النوع الثقيل من المشاكل في العام الماضي؛ فإن دوره قادم في عامنا هذا، فسوريا وإيران مهددتان. وحتى أن ماليزيا لم تسلم من التهديد. فقد باتت بعض الأوساط الاستعمارية تشير إليها كملاذ للإرهاب. وتتهمها بأنها دربت مسلمي تايلاند للقيام بإثارة القلاقل في البلاد! وستصدر صحيفتنا هذه والحجيج بعرفات. ويفترض أن الحج يكون كما كان عبادة لله ومؤتمراً يتداول فيه المسلمون شؤون حياتهم والتفكر في مستقبلهم ومستقبل أوطانهم، والتضامن الصريح والواضح مع إخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. لأن تجمع العدد الهائل من البشر من مختلف الأقطار الإسلامية لا يمكن أن يكون هدفه مجرد الوقوف بعرفات ورمي الجمرات والسعي والطواف حول الكعبة وبين الصفا والمروة. لكن يبدو أن شبهة الإرهاب قد حولت موسم الحج إلى مجرد طقوس لاعلاقة لها بالحياة. وهو أمر محزن بكل معنى الكلمة. فالعبادة لمجرد العبادة يمكن أن يؤديها المسلم وهو جالس في بيته! ومن دواعي أحزان هذا العيد أن فقدت البلاد أحد أبنائها الطيبين الذي كرس جزءاً من ريعان شبابه مع عدد من زملائه في تبني هموم الوطن وجازف بحياته معهم في أحلك الأوقات. ذلك هو زميلي وصديقي صالح الأشول، الذي لم أستطع المشاركة في جنازته لاعتبارات أمنية. فقد جمعنا فصل دراسي واحد في المدرسة الثانوية مع عدد من الزملاء؛ كان الشهيد علي عبد المغني أبرزنا جميعا فيه. وعن صالح وصحبه قصة تروى. فبعد قيام الثورة وصل الدكتور البيضاني عفا الله عنه إلى صنعاء؛ وبدأ يلح على المغفور له الرئيس السلال بالتخلص من شباب مجلس قيادة الثورة موحيا له بأن هؤلاء سيتخلصون منه كما تخلص مجلس قيادة الثورة المصرية من محمد نجيب! ولعل أن هذا أثار في نفس الرئيس السلال مخاوف حقيقية، لأن هؤلاء وزملاء لهم كانوا يفضلون أن يتقلد اللواء حمود الجائفي رحمة الله عليه مقاليد الرئاسة لكنه لم يقبل. ولا أمكنهم نتيجة لذلك البقاء في مواقعهم بمجلس قيادة الثورة، ولا في وطنهم. فقد نفاه البيضاني مع علي بن علي الجائفي وحمود بيدر إلى القاهرة باعتبارهم بعثيين معادين للناصرية. والبيضاني لم يكن ناصريا ولا قوميا كما يعلم الجميع. بل أنه كان معادياً للتيارات القومية العربية كلها، وعلى رأسها التيار القومي الناصري الفعال والكاسح وكان هو الهدف الرئيسي الأول للسادات والبيضاني معا! لذلك فإن البيضاني كعين للسادات في اليمن أغرقا العلاقات العربية العربية في وحل العداوات. واستنفدا قدرات مصر الاقتصادية والعسكرية في ما سمي بحرب اليمن؛ لتمكين إسرائيل من هزيمة مصر والعرب في حرب 1967 كضربة مميتة وخاتمة مهينة للقومية العربية وأنصارها، ولتبدأ بعد غياب الجسد الناصري؛ رحلة " التيه العربي " ف 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا. ومناحم بيجن صديقنا العزيز. ونحن جزء من حضارة البحر الأبيض المتوسط، إلخ... وما تزال اللعبة مستمرة. ليست هذه سيرة ذاتية، ولا تجديد في مضمون الصفحة الأخيرة من هذه الصحيفة كما ألمح إلى ذلك القلم الخميسي ( الكريم ) ، لكنها تداعيات لحظة فقدان زميل وصديق له ما له وعليه ما عليه مثله مثل سائر البشر. وإذا كانت لي أمنية في هذا العيد فهي أن يفدي الله عباده بدم الكباش، وأن تبقى هذه الصحيفة شفافة كما كانت قبل إعلان الديمقراطية!