يخاطب اللبنانيون سوريا هذه الأيام بشعارات ثلاثة: وداعا سوريا. شكرا سوريا . إلى اللقاء سوريا. الشعار الأول رفعته المعارضة اللبنانية بأطيافها المختلفة للقول بأنها لا تريد سوريا في لبنان وإنما في سوريا. وتختلف دوافع المعارضين اللبنانيين تجاه هذا القول.بعضهم وهو الأكثر تشددا يعتبر أن الانسحابات السورية من لبنان هي بمثابة استقلال جديد للبلد انطلاقا من وصف الوجود السوري بالاحتلال.فقد سبق لتيار الجنرال اللبناني المقيم في فرنسا ميشال عون أن اعتبر أن الحكومة اللبنانية هي حكومة متعاملة مع الاحتلال كما هي الحال بالنسبة لحكومة فيشي الفرنسية التي تعاونت مع الاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. في حين يرى معارضون آخرون ولاسيما الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أن مشكلته مع سوريا ليست نابعة من مشكلة احتلال على الطريقة النازية لفرنسا وإنما من عدم تطبيق اتفاق الطائف الذي ينظم الوجود السوري في لبنان ومن تدخل أجهزة المخابرات السورية في الشؤون اللبنانية الصغيرة والذي وصل على ما يقول إلى حد الضغط من اجل تعيين المختارين في القرى والتعاطي في الشؤون الحياتية اليومية للمواطنين. وكان جنبلاط يردد على الدوام ان الوجود الاستراتيجي السوري في لبنان من اجل المعركة مع إسرائيل مرحب به وانه مستعد شخصيا لان يرعى مثل هذا الوجود في منطقته إذا اقتضى الأمر لذا عندما يقول جنبلاط وداعا لسوريا فانه يردد بالمقابل انه لا ينشد القطيعة بل تصحيح العلاقات مع السوريين.والملفت أن هذا الموقف لم يكن متناقضا مع ما كان يردده البطريرك الماروني نصرالله صفير الذي كان معارضا دائما للوجود السوري في لبنان وكان يؤكد أن الأمريكيين موجودون في ألمانيا لكنهم لا يتدخلون في الشؤون الداخلية الألمانية وكان صفير يقول كما جنبلاط أنه يرغب في علاقات ممتازة مع سوريا. والذين يقولون اليوم "شكرا سوريا" ينقسمون أيضا إلى عدة أطراف تندرج جميعها في الموالاة. يعتبر حزب الله محور هذه الأطراف وشكره لسوريا ناجم عن المساعدة الحاسمة التي قدمتها للحزب في معركته الطويلة ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. والمساعدة السورية للحزب لا تقتصر بتقديم الأسلحة والمعونات العسكرية بل في وضع حد للحرب الأهلية بين اللبنانيين وتحويل العمق اللبناني جبهة لوجستية للمقاومة في جنوب لبنان والحق انه لولا هذه المساعدة لربما كان من الصعب أن تنجح المقاومة في طرد الاحتلال الإسرائيلي اقله بالطريقة التي تمت أي بدون شروط وبدون تنازل وتوقيع اتفاقية سلام على غرار الاتفاقيتين المصرية والأردنية. لكن معنى الشكر لسوريا يختلف بالنسبة للبعثيين في لبنان فهؤلاء يعتقدون أن سوريا هي الإقليم القاعدة لبلاد الشام وان وجودها في لبنان طبيعي لا بل ضروري على طريق الوحدة العربية ولعل الدور السوري هو الذي أدى إلى دخول البعثيين اللبنانيين إلى الحكم والمجلس النيابي ولا غرابة في ذلك إذا ما نظرنا إلى العلاقة العضوية بينهم وبين الحزب الأم في سوريا. يبقى أن الأطراف الأخرى في الموالاة تدين لسوريا بأشياء متفاوتة الأهمية وتستدعي الشكر من جانبهم. فالحزب السوري القومي الاجتماعي يستمد تسميته من سوريا أصلا, ليس في حدودها الراهنة وإنما في حدود الهلال الخصيب الذي يطمح الحزب لتوحيده وفق نظرية قومية إقليمية تعتمد الجغرافيا قاعدة في استراتيجية الحزب. وحزب الكتائب اللبنانية بزعامة كريم بقرادوني كان حليفا لسوريا بعد اتفاق الطائف وقد سمح له هذا التحالف بالاندماج مجددا في المجتمع السياسي اللبناني بعد ما تعرض للعزل خلال الحرب. أماالتيار الماروني الشمالي بزعامة سليمان فرنجية فهو يحتفظ بعلاقات قوية مع سوريا سابقة على الحرب لذا يقول فرنجية أنه باق مع سوريا إلى الأبد في حين أن التيار الدرزي بزعامة طلال أرسلان يعتبر أن سوريا أتاحت له البقاء بمواجهة المد الكاسح للتيار الجنبلاطي .هكذا يبدو أن لمختلف الأطراف الموالية أسبابها الخاصة لشكر سوريا، كل على طريقته وبحسب دوافعه. بين شكر سوريا ووداعها أطلقت السيدة بهية الحريري شقيقة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري شعاراً جديداً هو : إلى اللقاء سوريا.معنى الشعار لا يخفى على احد فهو يرمي إلى التميز عن بعض المعارضين المتشددين الذين يريدون القطيعة مع سوريا والاقتراب أكثر من الموالين الذين يشكرون سوريا في سياق اللقاء الدائم معها. لقد ذهبت الحريري إلى ابعد من ذلك في التميز عن المعارضين الراديكاليين عندما أكدت أنها تقف مع سوريا في معركتها لاستعادة أرضها المحتلة في الجولان وأنها تعارض نزع سلاح المقاومة اللبنانية.ويتبين من خطاب الحريري الذي ألقته أمام مئات الألوف من المتظاهرين المعارضين في ساحة الشهداء في وسط العاصمة اللبنانية أن التيار الذي تمثله، قلبه مع المعارضة وعقله مع الموالاة والسبب في ذلك ربما يكمن في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وحرص المعارضة على إبقاء صفحة الاغتيال مفتوحة ومحاسبة الفاعلين وتقديمهم للعدالة في حين يرغب بعض الموالين في طي الصفحة واستئناف العمل الحكومي وكأن شيئا لم يكن. هكذا تبدو صورة سوريا في لبنان معقدة ولا تختصر بشعار واحد ولا بوصف واحد وتتجاوز الانقسام الطائفي بين المسيحيين والمسلمين، والراجح أن الانسحاب العسكري السوري من لبنان لن يضع حداً للخلاف على سوريا ودورها في هذا البلد بل سيعيد ترتيب الأوراق حول هذا الدور والرهانات المعقودة عليه سلبا وإيجاباً. بعبارة أخرى ستظل سوريا طرفاً في المعادلة اللبنانية كما كانت على الدوام وسيظل على اللبنانيين تحديد موقف واضح من الدولة العربية الوحيدة المجاورة لهم. في لبنان يمكن للمرء أن يعارض سوريا وأن يواليها لكن من الصعب عليه أن يكون عدواً لها سواء كانت موجودة عسكرياً على الأراضي اللبنانية أو حاضرة سياسياً من خلال أصدقائها وحلفائها.و لعل هذا ما يفسر قتال اللبنانيين للاحتلال الإسرائيلي وطرده بقوة السلاح واعتماد التظاهر السلمي في معارضة الوجود العسكري السوري . هكذا يبدو الشعار الأقرب إلى الواقع اللبناني السوري من بين كل الشعارات المتداولة في لبنان هو : إلى اللقاء سوريا.