قبل مناقشة قانون الصحافة لدى الراضين عنه والساخطين منه.. أرى تقديم تعاريف موجزة للصحافة وللصحفي.. لكي نتأكد من وجودهما معاً على ضوء هذه التعاريف المهنية في وطننا حتى يوجد لهما قانون؟!! مع ذكر أهم ضمان نجاح الصحافة وواجبات الصحفي!.. فإلى ذلك. إن الصحافة هي نقل المعلومات من هنا إلى هناك. بدقة وتبصر وسرعة.. وبطريقة تخدم الحقيقة.. وتجعل الصواب في الأمور يبرز ببطء.. حتى لو لم يبرز فوراً. اريك هودجنز. مدير تحرير مجلة:التايم الأمريكية. الصحافة بوق السلام وصوت الأمة وسيف الحق القاطع.. وملاذ المظلوم.. ولجام الظالم.. تهز عروش القياصرة.. وتدك معالم المستبدين. الأديب الروسي المشهور تولستوي. الصحافة.. لدى الساخر المتهكم.. مجرد تجارة.. لكنها لدى الإنسان المثالي.. مسؤولية وميزة. فريزر بوند.. نقلا من كتابه:مدخل إلى الصحافة إن الصحافة.. هي أن تكتب مقابل أجر.. في شؤون أنت تجهلها! لزلي ستيفنز- أحد كبارأساتذة الصحافة في أمريكا - ساخرًا من أوضاع بعض الصحافة الأمريكية: هذه بعض تعاريف الصحافة التي قد تختلف بحسب اختلاف توجهات وثقافة القائمين عليها.. وطريقة صياغتهم لمضمونها! الصحفي الجدير بهذا الاسم.. يأخذ على عاتقه تبعة كل كتاباته.. حتى ولو كانت غفلاً من الإمضاء.. فيعتبر الطعن والتشهير والقذف والاتهامات التي لا دليل عليها..من أشنع أخطاء الصنعة. وهو لا يقبل إلا المهمات التي تتفق مع كرامة المهنة.. ويمتنع عن ادعاء لقب أو انتحال صفة ليحصل على الخبر..وهو لا يأخذ مالاً من عمل حكومي أو منشأة خاصة.. يمكن أن تصبح فيها صفته الصحفية أو علاقاته.. أو يصبح نفوذه عرضة للاستغلال. وهولا يوقع باسمه مقالات للإعلان التجاري أو المالي البحت. وهو لا يرتكب سرقة أدبية.. ولا يسعى في أخذ مركز زميل له.. ولا يعمل على فصله.. بأن يتقدم للعمل بشروط أدنى..وهو يحفظ سر المهنة.. ولا يسيء استعمال حرية الصحافة بقصد مغرض!. تعريف الصحفي لدى نقابة الصحفيين الفرنسيين.. والذي بات تعريفاً دولياً للصحفي. الصحفي بلا مبدأ.. شجرة جرداء لها هيكل محطم دون ظل محدود! لقائل مجهول.. نقلاً عن كتاب سنابل الزمن. ص237. الصحفي بمثابة مؤرخ من خلال تسجيله للأحداث.. وما لم تكن هذه الأحداث حقيقية وجديرة بالنشر.. فإن هذا الصحفي الذي أوجدها.. إنما هو بمثابة تاجر الخردة!؟ أما من أهم ضمان نجاح الصحافة وضمان استمرارها وخدمتها للقراء.. فهي الحرية.. لكن ذلك لا يعني عدم الالتزام بأخلاقيات المهنة.. فإذا كانت الحرية مضمونة للصحافة.. فإنه لا بد أن تكون هذه الحرية مبنية على المسؤولية بحيث تكون مهذبة.. خاصة عند الحصول على الأخبار.. وتكون مستقلة ماليًا تعيش من خلال نشر معلوماتها الجديرة.. حتى لا تفرض عليها نشر آراء هي ضد الحقيقة.. وتكون منصفة.. ودقيقة في الطرح.. وتخدم القارئ بحق.. ليس فقط قيامها بإعطائه ما يريد.. وإنما أيضاً وهو الأهم إعطاؤه الحقيقة التي يجب أن يحصل عليها. ومن أهم واجبات الصحفي.. البحث عن الحقيقة المجردة لغرض نشرها للقراء.. بعيداً عن الإثارة التي قد تكون أحياناً على حساب الحقيقة.. وعدم التشهير بقصد ضد الغير.. هذه أهم تعاريف الصحافة والصحفي.. وأهم ضمان نجاح الصحافة وواجبات الصحفي كما أرى.. أما مناسبة ذكر هذا بموضوعنا هنا.. فهو كما سنعرفه في النهاية. فمنذ تسريب.. فتوزيع مشروع قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2005م قبل بضعة أشهر.. وحتى اليوم.. بات هذا القانون الذي لم يصدر رسمياً بعد.. هو حديث المجالس الصحفية الخاصة والعامة.. وأصبح مادة صحفية للعديد من المقالات والدراسات والآراء.. والتي تتمثل بالمدح والقدح.. مما أوجد الراضون عن هذا القانون والساخطون منه.. وكلا الطرفين له ما يبرر طرحه!. فالمادحون لقانون الصحافة.. أو الراضون عنه.. وهم في الغالب رسميون يتناولون إيجابياته من وجوه عدة.. أهمها.. الوضع الاجتماعي اليمني القائم الذي لا يزال في طور البناء والتأهيل.. فكرياً وثقافياً وديمقراطياً.. مستدلين بوضع الصحافة اليمنية القائم.. وبعض ما تنشره بعض الصحف لبعض الأقلام.. كما يستدلون بما يحدث اليوم في أعرق الدول الديمقراطية.. من حرص على الأمن القومي.. كما حدث مؤخراً في بريطانيا حينما قامت الحكومة البريطانية ممثلة بالنائب العام فيها بالتوجيه إلى صحيفة: ديلي ميرور بعدم نشر النقاش الذي دار بين الرئيس الأمريكي بوش.. ورئيس الوزراء البريطاني- توني بلير- والخاص بعزم بوش ضرب قناة الجزيرة وعدم موافقة بلير على ذلك. بجانب قيام الحكومة البريطانية بتحذير الصحافة البريطانية والإعلام البريطاني بوجه عام بعدم خرق ما يسمى ب:قانون سرية المعلومات والتي تدخل فيها الوثيقة الخاصة بالعمليات العسكرية في العراق ومنها عزم بوش على ضرب مقر:الجزيرة وحصلت على أمر قضائي ضد الصحف البريطانية التي تقوم بمثل هذا النشر بحجة الضرر بالأمن القومي. هذه نماذج موجزة لما يستدل بها الراضون عن قانون الصحافة أما المنتقدون لهذا القانون الساخطون منه.. وأكثرهم في صحف المعارضة وبعض المستقلين والرسميين أيضاً.. فإنهم يتناولون سلبياته من وجوه عدة.. أهمها ما ذكره الأخ الزميل القدير سعيد ثابت سعيد- وكيل أول نقابة الصحفيين اليمنيين.. في الورقة التي قدمها إلى منتدى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر يوم الاثنين 21/11/2005م بعنوان: قانون الصحافة بين الواقع والطموح وهي المأخذ التي تعبر بمجملها عن رأي معظم المعارضين لمشروع القانون.. وإن بصيغ وأفكار شبه متباينة.. لقد وضع الأخ الزميل سعيد ثابت بورقته هذه بعض المقارنة بين قانون الصحافة رقم (25) لسنة 1990م.. ومشروع القانون الجديد.. ثم.. ذكر أهم معوقات حرية الصحافة بالمشروع الجديد.. أهمها – بكل إيجاز:- 1- اشتراط الحصول على ترخيص لإصدار الصحيفة.. معتبراً ذلك كما جاء بمشروع القانون بمثابة قيد مفروض على حرية الصحافة. 2- حول مفهوم أو تعريف الصحفي.. معترضاً على ما جاء بالمشروع حينما جعل عضوية النقابة شرطاً في تحديد أو تعريف الصحفي.. وبنى اعتراضه هنا لأن ذلك يتنافى مع الدستور.. ولأن العمل النقابي طوعي وليس إجبارياً. 3- حول إعطاء وزارة الإعلام حق إعطاء البطاقة الصحفية والتسهيلات الصحفية كما نص مشروع القانون الجديد.. فاعترض.. لأن احتكار وزارة الإعلام للبطاقة وللتسهيلات الصحفية.. يجرد النقابة من أهم مهامها حسب قوله. 4- حول محظورات النشر كما نص مشروع قانون الصحافة الجديد.. خاصة عدم نشرالمعلومات التي تهم الأمن العام.. حيث علق الأخ سعيد ثابت على هذا بقوله.. "بأن الغرض من إنشاء وإصدار الصحيفة.. هو أن تكون وسيلة إعلام وأخبار.. لا جهة تكتم وأسرار! مضيفا أن التكتم هو أحد أهم الواجبات الوظيفية بالدرجة الأولى! 5- حول حرية الصحافة.. معلقاً على قيام الدولة بإيجاد الإجراءات القامعة والعقابية ضد حرية الرأي والتعبير.. رغم أن الدستور اليمني قد أعطى الحق في هذه الحرية دون الإحالة أو الاحتياج إلى تقنين. 6- حول المادة الثالثة من مشروع القانون والخاصة ب:تنظيم ملكية الصحف مشيراً بورقته أن وزير الإعلام في نص هذه المادة أصبح هو الخصم والحكم لأنه هنا يأخذ صلاحية القاضي.. الخ. ثم يذكر الأخ الزميل سعيد ثابت أن مشروع قانون الصحافة الجديد.. توافق مع محظورات القانون القديم.. بجانب أن المشروع الجديد يتضمن مواد سالبة جديدة.. ويوغل في فرض الرقابة.. وإعطاء صلاحيات للوزير- وزير الإعلام- والوزارة.. لا يقرها الدستور كما أنه - أي المشروع الجديد- يتسم بقدر كبير من الركاكة والضعف بجانب ضعف الصياغة والارتباط والتداخل في مواده وتكرار بعضها-! هذه أهم المآخذ على مشروع قانون الصحافة الجديد.. والتي تكرر طرحها وإن بصيغ وتوجهات مختلفة في العديد من المقالات والتصريحات الصحفية.. وربما كان ذلك أحد أهم أسباب إدخال بعض التعديلات على هذا المشروع.. قبل رفعه مؤخراً إلى مجلس الشورى لدراسته. مع أن هذا المشروع بعد تعديله لم يطلع عليه إلا القلة.. أما الكثرة من الصحفيين - وكاتب هذه الدردشة أحدهم- لم يطلعوا عليه بعد! بل إن بعض الزملاء ممن تأكد له عدم اطلاعي على المشروع الجديد رغم وظيفتي الرسمية المعلنة- اعتبرني بمثابة:شاهد ما شافش حاجة! ومعه الحق كل الحق بهذا!. والسؤال هنا.. ما مدى الإيجابية من عدمها بما طرحه ويطرحه الراضون عن مشروع قانون الصحافة الجديد والساخطون منه؟.. وما هو رأي كاتب هذه الأسطر بكل ذلك وما الحل الذي يراه شخصياً؟ ذلكم هو موضوع الحلقة الثانية والأخيرة من هذا العنوان. مع ان متابعة بعض المقالات خاصة التي تأتي أكثرمن حلقة لدى معظم القراء في وطننا اليمني هي شبه معدومة.. لكن حيز المساحة قد يجبر امثالي على اتباع مثل هذا التوجه احياناً!. [email protected]