في حديث صريح قال رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق «شيمون بيريس» ان الحرب الدائرة اليوم هي حرب بقاء او موت لاسرائيل ما يعني انه يجب ان تربح الدولة العبرية الحرب لأنَّ الامر يتعلق بمصيرها. هكذا اذن لكي تبقى إسرائيل يجب أن يموت العرب أو يرحلوا عن أراضيهم أو يعيشوا في ظل سيطرتها التامة على الشرق الأوسط كخدم لا قيمة لهم ولا اعتبار. بكلام آخر لكي تبقى إسرائيل على العرب أن يخرجوا من التاريخ والجغرافيا ومن الماضي والحاضر والمستقبل. هذا الاستنتاج ليس ضربا من ضروب المبالغة إنه الواقع بعينه واليكم الأدلة الدامغة.في سعيهم للاستجابة للمطالب الإسرائيلية من أجل سلام دائم بين دولتين جارتين رتب الفلسطينيون أوضاعهم السياسية بما يتناسب مع هذا الهدف و اختاروا محمود عباس القائد الفلسطيني الذي يستوفي كافة الشروط المقبولة إسرائيليا فهو اعترض على الانتفاضة منذ اللحظة الأولى لاندلاعها وابدى استعداده للذهاب الى ابعد الحدود في قمع الحركات الفلسطينية المسلحة اذا ما حصل على مطالب الحد الادنى واوحى عبر احد مساعديه بالتخلي عن حق العودة وقبل بدولة فلسطينية منزوعة السلاح وبتبادل للاراضي وبكل الشروط التي عرضت في السر والعلن من طرف الامريكيين والاوروبيين ومع ذلك رفضت اسرائيل التفاوض معه وظلت تصر على استسلام فلسطيني دون شروط والقول بعدم وجود محاور فلسطيني ومن ثم تحدثت عن حل احادي يقضي بتقطيع اوصال الأرض الفلسطينية وضم المستوطنات الكبرى دون تبادل اراض ومحاصرة القدس والاصرار على ضمها للدولة العبرية. هكذا وضعت تل ابيب الفلسطينيين امام خيار واحد بصيغيتين مختلفتين: إما الاستسلام وخسارة الارض والعيش في كانتونات ممزقة يبنى اقتصادها على العمل المأجور والخدمة في اسرائيل واما الرفض وبالتالي التعرض للقتل والتهجير ومصادرة الاراضي بالقوة والخضوع للحل الاحادي فكان ان تراجع الفلسطينيون عن خيار محمود عباس واوكلوا امورهم لحركة المقاومة الاسلامية حماس عبر انتخابها في التشريعيات وبالتالي تسليمها زمام حكومة فلسطين.في هذا الاطار تم اختطاف الجندي الاسرائيلي واستناداً الى هذا الاطار عملت اسرائيل وتعمل على تدمير قطاع غزة. المثال اللبناني ليس بعيدا عن نظيره الفلسطيني.قال السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي الذي تلا خطف الجنديين الاسرائيليين أن تل ابيب اصرت في مفاوضات تبادل الاسرى السابقة على الاحتفاظ بسمير القنطار ورفاقه ولو اطلقتهم لما اضطر الحزب لخطف جنديين عبريين كان الحزب قد حصر عملياته العسكرية لوقت طويل في مزارع شبعا. فماذا لو بادرت اسرائيل الى تحرير الاسرى والانسحاب من مزارع شبعا هل كان حزب الله سيقول بعد ذلك انه سيواصل عمله من اجل تحرير فلسطين بالقوة العسكرية ؟ ولو قال ذلك كم كان عدد اللبنانيين الذين سيعملون معه من اجل هذا الهدف؟ بالتاكيد ليس بحجم الاعداد التي ستنضم اليه بعد نهاية المعارك الطاحنة اليوم في لبنان. هنا ايضا بدا ان اسرائيل ارادت تعليق قضية الاسرى ومزارع شبعا بانتظار ظروف افضل من اجل معاقبة حزب الله وتدميره وبالتالي ازالة آثار الانتصار الذي تحقق في جنوب لبنان عام الفين ومن ثم تحويل لبنان الى بلد تحكمه وزارة تافهة وضعيفة بحيث اذا ما حانت لحظة السطو على مياهه في ظل شرق اوسط يئن عطشا لاتجد من يردعها وبحيث اذا ما حانت لحظة ايواء الديمغرافيا الاسرائيلية المحشورة بين تل ابيب والقدس تكون الاراضي اللبنانية لقمة سائغة دون حماية ودون ارادة قتال ثم ان لبنان الضعيف يشكل فرصة ذهبيةلاعادة الاعتبار لشعار اسرائيل الكبرى ذلك ان الضعف اللبناني يختم حلقة الضعف العربي السافر حول كل حدود اسرائيل والضعف وحده يوقظ ويغري بمشاريع الهيمنة والسيطرة وانتشار الايديولوجيات التوسعية للاقوياء. بكلام آخر كانت اسرائيل طيلة السنوات التي تلت انسحابها من جنوب لبنان تبحث عن اللحظة المناسبة لاعادة لبنان «عشرين عاما الى الوراء» بحسب احد جنرالاتها أي الى حالة الضعف التي تناسب الدولة العبرية بل يمكن القول ان ضعف لبنان هو مطلب اسرائيلي استراتيجي يمكن التعرف اليه عبر السياق ولكن ايضا عبر التصريح الاسرائيلي الاول الذي تلا الضربات الجوية المكثفة حين دعا شيمون بيريس رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الى التفاوض المباشر وعبر عن رغبة اسرائيل بدعمه كي توسع حكومته «سلطتها» أي ضعفها الى الحدود مع الدولة العبرية. في المثال المصري يمكن الاستدلال على المعاني نفسها ذلك أن الدولة العبرية جابهت افلاماً سينمائية واغان مصرية وكتباً ومنشورات وابحاث ممانعة أي كل ما من شانه ان يزيد المجتمع المصري قوة معنوية في مواجهة الدولة العبرية. اما في الاردن فحدث ولا حرج وآخر احاديث الاستضعاف ذلك التصريح العسكري الاسرائيلي الذي يرى أو -يهدد لافرق- بأن يكون العاهل الاردني آخر ملوك الاسرة الهاشمية على ان تكون بلاده مقبرة للقضية الفلسطينية ولحق العودة وسائر الحقوق ذات الصلة. ولو اقتصر الامر على الدول المحاذية لفلسطين لربما امكن النظر اليه من خلال معادلة الضعف والقوة التي تتحكم بجغرافية الدول وعلاقاتها ومستوى ونوع تطورها لكن الاستراتيجية الاسرائيلية تتعدى ذلك الى الشرق الاوسط برمته فهي التي خططت واستدرجت دعما امريكيا لهذا المشروع وقد كان شيمون بيريس صريحا منذ اللقاء الاول في المغرب في بداية تسيعينيات القرن الماضي إذ خاطب عددا من الزعماء العرب الذين التقاهم بقوله : لقد جربتم قيادة جمال عبد الناصر في الشرق الاوسط القديم فلماذا لا تجربون قيادة اسرائيل في الشرق الاوسط الجديد.!!! إن العنف الوحشي الذي تقذفه اسرائيل في مختلف الاراضي اللبنانية لاتفسير له إلاّ في اطار الرد على بلد استطاع حزب الله ان يبني فيه قوة رادعة حقيقية هي الشرط الوحيد ليس لتدمير اسرائيل وانما لحفظ وصون المصالح اللبنانية وبالتالي حمل تل ابيب على التفكير مليا قبل التطلع الى ارض وثروات وسيادة لبنان. ولعل ما يشهده بلد الارز هذه الايام هو تعبير عن الرفض الاسرائيلي لحالة عربية انتقالية من الضعف المطلق الى القوة الدفاعية الرادعة. بكلام آخر تريد تل ابيب لبنانا بلا ارادة يردد فيه البعض نفاقا من نوع قوة لبنان في ضعفه. نعم لكي تبقى إسرائيل يجب أن يبقى العرب ضعفاء تافهين بلا ارادة أي خدما في شرق أوسط كبير تبشر به كوندليزا رايس وفيه يخرج العرب من التاريخ مرة واحدة والى الأبد وحتى لا يتم ذلك يجب أن نصلي لله كي يشد على أيادي حسن نصرالله ورفاقه ذلك انه بين ضعفنا وضعف إسرائيل يجب ألا يتردد عربي في الاختيار.