كثيراً ما يقال أن أدولف هتلر جاء إلى الحكم عبر انتخابات ديموقراطية شرعية لا غبار عليها بيد أنه غير قواعد اللعبة السياسية التي أتاحت له الوصول إلى أعلى هرم في الدولة وجعل من بلاده موئلا للتيار النازي العنصري الذي كلف العالم بأسره حرباً عالمية طاحنة مازلنا نعيش آثارها البعيدة حتى اليوم. قبل هتلر قام نابليون بونابرت بانقلاب من داخل الجمهورية على الجمهورية نفسها وحول بلاده من المجلس الإداري الرئاسي إلى النظام الإمبراطوري، ومن ثم شن حروباً في كافة انحاء أوروبا ووصل الى مصر المملوكية ومثله فعل حفيده بعد عقود ليتوج إمبراطوراً باسم نابليون الثالث الامر الذي وصفه كارل ماركس بسخرية موصوفة في كتاب ما برح يحتفظ حتى اليوم بقيمة تاريخية لاجدال حولها. نابليون الأول قضى على الجمهورية الأولى والثالث قضى على الجمهورية الفرنسية الثانية وفي الحالتين جاء الرجلان من رحم نظام جمهوري تماماً مثلما فعل هتلر في ألمانيا. استخدمت هذه الأمثلة على نطاق واسع أثناء الجدل الذي ترافق مع الانتخابات التشريعية الجزائرية في مطلع تسعينات القرن الماضي وقيل يومها هل يتوجب السماح للإسلاميين بتولي الحكم طالما أنهم جاؤوا عبر انتخابات ديموقراطية لكنهم يعلنون جهاراً نيتهم لتغيير قواعد اللعبة التي سمحت لهم بالحصول على الأكثرية النيابية؟ اختلفت الإجابات في حينه. ثمة من اعتبر انه لا يجوز السماح للإسلاميين بقلب الطاولة على اللاعبين في حين رأى آخرون أن نتائج صناديق الاقتراع تعلو على ما عداها وانه لا بد من القبول بحكم الصناديق مهما كان قاسياً سوى أن الجدل لم يطل كثيراً فقد ألغيت نتائج الانتخابات ودخلت البلاد في حرب أهلية شرسة كلفت أكثر من مئة ألف قتيل وعليه بدلا من أن تكون الديموقراطية والانتخابات الجزائرية فرصة لتوفير الأمن والاستقرار وعرس للجزائريين تحولت إلى مأتم وطني لم يتم فصولاً بعد. وحتى لا نظلم أحداً في هذا الحكم لا بد من الإشارة إلى حساب خاطيء للسلطة الجزائرية في حينه فهي لم تقدر قوة الإسلاميين حق قدرها وظنت أن «جبهة التحرير الوطني» قادرة على الفوز بالأغلبية النيابية وتحويل الإسلاميين إلى أقلية في نظام ديمقراطي تعددي فكان أن دفعت البلاد ثمناً فادحاً لتقدير خاطيء دون أن يعني ذلك أن الإسلاميين يتحملون المسؤولية عما حدث وان الحداثيين كانوا محقين في قلب الطاولة على خصومهم فهذا الحكم غير أخلاقي ولا يفيد في استخلاص الدروس المفيدة مما حصل إذ لا يمكن أن تطلب من قوة سياسية الدخول في لعبة انتخابية وفق برنامجها المعلن ومن ثم تقول لها حسناً فزتم لكننا نرفض هذا الفوز وما عليكم سوى الذهاب إلى بيوتكم!! هكذا كان المثال الجزائري انقلاباً بالاتجاه المعاكس للمثالين الفرنسي والألماني المذكورين أعلاه ما يستدعي الحذر في كل مرة ننخرط فيها نحن العرب في استحقاقات انتخابية مصيرية. أقول هذا الكلام على هامش الحملة الانتخابية اليمنية التي وصلت إلى ذروتها هذه الأيام ومن سوء حظي أنني لم أتمكن من متابعة كل تفاصيلها كما جرت العادة من قبل وذلك بسبب الحرب اللبنانية التي استغرقت القسم الأكبر من اهتماماتنا كلنا خلال الشهرين الماضيين لكن بالقدر الذي تابعته لاحظت شعاراً غريباً لطالما تكرر في خطابات واحد أو أكثر من مرشحي المعارضة، وهذا الشعار يقول بتغيير النظام في إطار الانتخابات الرئاسية بمعنى أن المرشح الفائز سيغير النظام إذا ما فاز في الانتخابات. يعرف مرشحو المعارضة أن من الصعب على أي منهم تغيير النظام في ضوء موازين القوى اليمنية، وبالتالي لا جدوى من التلويح بهذا الشعار, لكن الأهم من ذلك هو التقيد بقواعد اللعبة الانتخابية وبالتالي ضبط الشعارات الانتخابية في إطارها. بكلام آخر تدور هذه الانتخابات من اجل اختيار رئيس للجمهورية في ظل نظام حدد قواعدها وعمل على ضبطها بالاتفاق مع المعارضين في إطار النظام نفسه ولا تتم من اجل تغيير هذا النظام, لان تغيير النظام في هذه الحالة يفتح أبوابا لا عد لها ولا حصر متعددة بتعدد الإيديولوجيات المتداولة في الساحة اليمنية وبالتالي يهدد الأسس التي قامت عليها اللعبة الانتخابية نفسها ناهيك عن انه يهدد وحدة الائتلاف المعارض المكون من تيارات إيديولوجية متعددة تجمعها مطالب سياسية وليس قواعد إيديولوجية واحدة. لا تنطوي الملاحظة الواردة في السياق على أية إسقاطات للأمثلة المذكورة أعلاه على الواقع اليمني ولا تنزع إلى الاتهام بل غرضها الوحيد هو أن تكون نقطة نظام مفيدة في تجربة يمنية رائعة أرادها أهل اليمن فرصة للتعود على طرق ووسائل مختلفة في اختيار ممثليهم.فلتكن إذن انتخابات رئاسية من اجل اختيار رئيس للبلاد وليس من أجل تغيير النظام والدولة اليمنية, ففي هذه الحالة وفيها وحدها تتبخر الثقة في اللعبة وتذوي الرهانات النبيلة المعقودة حولها