"انا مسيحية.." هكذا قالت لنا اميرة الطالبة في السنة النهائية بالاكاديمية الاعلامية وعلى وجهها وهج ابتسامة يشع بذكاء المصريين وما في ارواحهم من مرح .. اما لماذا، فقد كنا في بداية الاجتماع المخصص لاختيار رئيس ومقرر للجنة تحكيم البرامج الحوارية الاذاعية المكونة من مصر واليمن وسورية والسودان ولبنان -ممثل باذاعة النور- اما اميرة فهي من ضمن طلبة اكاديمية الاعلام الموزعين على لجان التحكيم للاستفادة من اسلوب تقويم البرامج المتنافسة، ومن خبرات الاعلاميين المجربين .. ولانها كانت ترتدي الحجاب- الذي لايسمح برؤية غير الوجه الخالي من الزينة او رتوش المكياج، والذي صار موضة في مصر - فقد تنبهت الى تنبيهنا ونحن في حديث تعارفي انتقل الى حديث عام بدأ من الحديث عن الاسلام وواقعه اليوم ومخاطر المفاهيم الخاطئة لجوهره، ولهذا ارادت اميرة ان تنبهنا بأنها مسيحية الديانة، وان الحجاب الذي ترتديه لاعلاقة له بديانة معينة، وهذا ماتأكدت منه عندما دفعني فضولي لسؤالها عن سبب ارتداء الحجاب وكان جوابها مختصراً يحمل افادة يحسن السكوت عليها عندما قالت: « كده اريح» . كان ذلك يوم الحادي عشر من نوفمبر، اي قبل ان تقوم القيامة على الاستاذ فاروق حسني وزير الثقافة المصرى بسبب رأيه في الحجاب، ومهاجمته من قبل الاسلاميين بضراوة وحماس منقطع النظير، وكأنه قد مرق من دينه كما يمرق السهم من الرميّة، مع ان الامر في حقيقته لاينحصر على الجانب الديني والتمسك بالتعاليم الاسلامية والغيرة عليها. وما يعزز تمسكي بهذا الرأي، ليس الحجاب الذي على رأس اميرة المسيحية، بل هناك اكثر من حيثية منها.. انتشار الحجاب في المدن المصرية فوق رؤوس حجب الشعر الذي يكسوها وتُرك الحديث لما تبقى من مفاتن الجسد التي تبرزها القمصان والبلوزات وبنطلونات الجنز الاكثر ضيقاً. اي تدين هذا الذي يتوقف عند غطاء للرأس وترك البقية لبنطلون الجنز في التسوق ، والعمل والاماكن العامة. كانت وسائل الاعلام في مصر تنقل ردود الفعل المختلفة حول تصريح او رأي وزير الثقافة .. وكانت الآراء بين مؤيد ومعارض وفي كل فريق مسلم ومسيحي كما هو شأن الاصطفاف السياسي الحالي في لبنان وكان من بين المنتقدين لرأي وزير الثقافة حول الحجاب فتيات يرتدين الحجاب وبنطلونات الجنز والبلوزات الضيقة والاكثر ضيقاً. اذن فالامر مختلف ولا ننكر ان الاسلاميين استغلوا الامر للحصول على ضربة جزاء في مرمى الحكومة والحزب الوطني، كما لاننكر ان هناك من تعامل معه كتدخل في امور وحريات شخصية.. وكأنهم سمعوا بالمقولة الشهيرة للمرحوم محمد ابو طالب عندما قال: «هذا رأسي وانا حر فيه -اقضضه - اسمنه- اقصصه .. الخ مادخلكم فيه».. وهذا ماقلته في جلسة سمر وعشاء في منزل الاستاذ محسن العيني بالقاهرة والذي تكرم بدعوتي وزميلي الاستاذ احمد طاهر الشيعاني اليه، وكان حافلاً بنخبة من الادباء والشعراء والاعلاميين المصريين الكبار، قلت لهم: ردة الفعل هذه.. والنقمة على فاروق حسني ليست دينية بحتة.. هناك جانب شخصي .. فهذا الحجاب المنتشر فوق المسلمات والمسيحيات في مصر من دوافعه، ان المرأة والفتاة الحريصة على الظهور في أحسن تقويم، وجدت حلاً ينقذها من متاعب ونفقات اصلاح شعرها وتزيينه يومياً والذهاب الى محلات الكوافير وارهاق شعرها بحرارة الاجهزة الكهربائية والكيماويات والاستيقاض مع اذان الفجر لاصلاح وتسريح شعرها .. ارهقها كل ذلك ووجدت في الحجاب مخرجاً وتوفيراً للوقت والمال والمحافظة على الشعر.. والا بماذا تفسر الحجاب فوق الملابس الضيقة وبنطلونات الجنز. هذا رأيي وان لم يعجب بعض الحضور من الصحافيات .. وقد استمديته من الحديث مع كثير من المحجبات .. ان فاروق حسني لم يقل ماقال حول الحجاب في حوار اعلامي رسمي وانما في حديث جانبي مع اعلامية وجدت موضوعا قد يثير الشارع بشقيه السياسي والاجتماعي.