المعارضة - وأقصد هنا العربية - لاتزال تعاني معاناة كثيرة، وفي عدة جوانب، سواء منها السياسية وهو الأهم، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية و... الخ وقبل أن نستعرض (العقدة) المبتلاة بها المعارضة، لا بد أن نشير وبحيادية إلى أن المعارضة مطلوبة إذ هي تمثل الوجه الآخر للسلطة في أي بلد كان، وهذا شيء معروف حيث،لا يوجد أي نظام في العالم (بما فيه العالم الثالث المتخلف) من دون أن توجد فيه معارضة. صحيح أن المعارضة - إن جاز التعبير - شيء مطلوب وتمثل جانبا حيويا ومهما في ذات الوقت بالنسبة إلى الشعوب، إلا أنها تتم بإيجابية تعود على الوطن والمواطن، ولذلك يجب أن نفهم معنى (المعارضة)، فالمعارضة التي تنطلق من منطلق وطني بحت همها المصلحة الوطنية الخالصة، وتسعى إلى ما من شأنه الحفاظ على المكتسبات الوطنية والقومية، وصيانة المصلحة العليا للوطن والمواطن، كما أنها تسعى (المعارضة) إلى إصلاح أي اعوجاج قد يحدث، ومن ثم تبين الخلل بأسلوب حضاري ليتم تداركه من قبل النظام القائم، وتساند وتساعد النظام في ذلك، ومن هنا يحصل التكامل في المجتمع، وتتحقق الأهداف والطموحات وتتسع عملية التنمية بمفهومها الشامل. إلا انه للأسف ان المعارضة في العالم الثالث - المتخلف بطبيعة الحال - تعاني عقدة قديمة، ولاتزال، حيث انها لم تستطع التخلص من تلك العقدة القديمة الحديثة، المتمثلة في (أنا ومن بعدي الطوفان)، وتأملوا في حال معارضة في إحدى الدول العربية كانت دائما ترمي النظام الرسمي هناك بالتبعية لنظام عربي آخر (لا نريد أن نسمي واللبيب تكفيه الإشارة) المهم أن تلك المعارضة وصل بها الحد إلى أن أصدرت أحكاما مغلظة على ذلك النظام المتبوع على حد زعمها وتدور الأيام وإذا هي (المعارضة) صارت ليس فقط تابعا بل أداة في يد من كانت تصدرعليهم أحكاما مغلظة، تأملوا العقدة! بل تأملوا التناقض ! مثال آخر: في أثناء أحداث داخلية في إحدى دول المنطقة، وقفت ما تسمى المعارضة هناك مع طرف ضد آخر (لشيء في نفس يعقوب وليس من اجل الوطن)، ورفعت شعار: لا للاقتتال وسفك الدماء، كون ذلك تعديا للخطوط الحمراء للوطن، وظلت تردد هذا الشعار طوال مدة تلك الأحداث، وتدور الأيام وإذا بها ترفع السلاح في وجه من كانت تلومهم وتسفك الدماء وتثير الفتن وتضع المصلحة الوطنية خلف ظهرها، وتنتهك الخطوط الحمراء - التي لا تؤمن بها إلا في أوقات معينة طبعا - بل جعلت تلك الخطوط تحت أقدامها. إنها عقدة التناقض والتصادم مع الذات، عقدة حب الإقصاء، عقدة درب الصواب الذي لا يقبل الخطأ وغيرها درب الغلط الذي لا يحتمل الصواب. لا شك أن المعارضة في أي بلد كان التي تنطلق من رؤى وطنية خالصة، وتسعى إلى ما فيه خير الوطن وأبنائه، تجد القابلية في المستويين الرسمي والشعبي بل إنها بهذا توجد لنفسها ثقلا جماهيريا واسعا كونها تقوم بدور ريادي، دور المرشد والمنظم والهادي للإصلاح والتطوير والرقي، وأما إذا كان العكس هوسيد الموقف وبوصلة التوجه فإنها (المعارضة) تصبح كما قال الشاعر: إذا كان الغراب دليل قوم يهديهم إلى جيف الخراب، وهذا هو الحاصل لدى المعارضة في العالم الثالث حيث تضع نفسها في خانة التوجس والريبة والعداء وعلامة الاستفهام الوطنية بل تصبح محل شك لدى السواد الأعظم من الناس لأنها بدلا من أن تهتم فيما من شأنه رفاهية الوطن واستقراره تعمل على تأخره ودماره وتأملوا ماذا يحدث في أكثر من بلد! إذ كيف نستطيع أن نطلق كلمة - معارضة وطنية -على من يقوم بأعمال تخل أصلا بالمبدأ الوطني والقومي؟! وهل من المعقول أن نطلق على من يقدح في الوطن وثوابته ورموزه ويعبث بأمنه واستقراره بأنه وطني؟ ثم هل من يسعى إلى إغراق السفينة نطلق عليه: صفة ربان ماهر؟! اعتقد أن هذه النظرة خالية من أبجديات الحس الوطني والحس القومي كما أنها بعيدة عن الحكمة التي يجب أن يتحلى بها المنظرون ومن يتأسى بهم، فأين الذين يبنون ولا يهدمون، ويصلحون ولا يفسدون؟! وأرجو الا يفهم من هذا ان كل المعارضة على امتداد الساحة العربية على المنوال نفسه، كلا، فهنالك معارضة وسطية يهمها مصلحة الوطن، وحضارة الامة وهويتها والتقدم في شتى المجالات. وهذا قليل توافره في عالم المعارضات العربية. نقلا عن أخبار الخليج