إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم، ما هذا الذي حدث بمنطقة مارب وماذا نسميه وتحت أي منطق نُدرجه، هل ندرجه تحت الجهل بهذا الدين العظيم الذي حرم قتل النفس المعصومة أم هو كفرٌ بهذا الدين وخروج على تعاليمه العظيمة التي تحفظ للإنسان الضرورات المنصوص عليها شرعاً وهي النفس والمال والعرض وغيرها من المحرمات التي لا ينبغي انتهاكها.. فالإسلام حرم قتل النفس المعصومة بدون حق وجعل عقوبات رادعة، حيث قال الله سبحانه: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُُقتلوا أو يُصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينُفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم).. دين الرحمة دين الدعوة بالتي هي أحسن، يقول الله سبحانه لرسوله: (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين). تأمل معي أخي الكريم معنى قوله تعالى: (رحمة للعالمين).. ولم يقل رحمة للمؤمنين ولا للمسلمين، بل للعالمين جميعاً، لقد أرسل الله هذا الرسول الكريم بهذا الدين العظيم لتأليف القلوب والدعوة بالتي هي أحسن، ولقد جعل الله نصيباً وقسماً من الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وجعل كذلك نصيباً وقسماً لابن السبيل، وهو المُنقطع ونحن بدلاً من أن نقدم المعونة لهؤلاء ونحبب إليهم هذا الدين ونُعرفهم بمزاياه قتلناهم وهم في ديارنا وضيافتنا وحمايتنا وبهذا العمل الطائش قدم الذين قاموا بالجريمة نموذجاً سيئاً عن الإسلام وأهله، فلقد عاش الكثير من أهل الكتاب مع المسلمين قديماً وحديثاً ولم يحدث أن اعتدى أحدٌ من المسلمين على أحدٍ منهم، فالإسلام حفظ لأهل الذمة حقوقهم وأعراضهم ودماءهم وقد حرم الله قتلهم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل معاهداً فأنا خصمه يوم القيامة)، وقال في حديث آخر (لم يرح رائحة الجنة).. فمن دخل بلاد المسلمين فهو من المعاهدين ومن أهل الذمة وله ذمة الله وذمة المسلمين وذمة ولي الأمر، ولقد جاء أبو سفيان ابن حرب إلى المدينة ليُجدد العهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويطيل المدة وهو العهد الذي أبرمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع قريش، وقد حدث أن دخلت بنو بكر في حلف قريش، ودخلت خزاعة في حلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد حدث أن قريشاً ساعدت حلفاءها على قبيلة خزاعة بالمال والسلاح، وقد علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر فجهز جيشاً عظيماً فعلمت قريش فأرسلت أبا سفيان ليُجدد العهد والميثاق، وقد جاء أبو سفيان إلى المدينة وهو الذي قاد جيش المشركين وقتل المسلمين يوم أحد وأوغل في القتل فلم يتعرض له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتعرض له المسلمون في المدينة ولم يقتلوه، وقد اكتفى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإعراض عنه حتى أنه دخل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزيارة ابنته أم المؤمنين (أم حبيبة) زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على شركه وخرج من المدينة سالماً، وقد جاء من قبله سُهيل بن عمرو الذي كان موفداً من قريش يوم بيعة الشجرة (بيعة الرضوان) وعقد مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تلك المعاهدة المعروفة ولم يقتله الرسول ولم يأمر بقتله وعاد إلى قريش سالماً مع أنه كان متعجرفاً في بعض نصوص هذه المعاهدة عند صياغتها، ولقد حدث أن كسرى عندما سمع بظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى عامله باليمن وأمره أن يعتقل هذا الذي ظهر في يثرب ويدعي النبوة ويرسله إليه مكبلاً بالأغلال، وقد أرسل فعلاً وفداً من عدة رجال من أشداء الفرس إلى المدينة وأمرهم أن يعتقلوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نزولاً عند أمر كسرى، فلما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان لهم شوارب عظيمة فقال لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أمركم بإطالة شواربكم، قالوا: ربنا، يعنون بذلك كسرى، فقال أما أنا فيأمرني ربي أن أحف شاربي وأطيل لحيتي، وأردف قائلاً لهم: ارجعوا إلى من أرسلكم وأخبروه أن كسرى قد قتله ولده اليوم وتولى من بعده المُلك، وعادوا ولم يقتلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتعرض لهمم المسلمون وهم قد جاءوا بقصد الأذى ومع أنهم من عبدة النار، وحينما عادوا أخبروا عامل كسرى على اليمن بما قاله الرسول لهم من خبر قتل كسرى في ذلك اليوم، فقال سوف ننتظر ونترقب الأخبار، فإن صدق فهو نبي، وإن لم يصدق الخبر فهو مدعٍ وكذاب، وقد جاء الخبر إليه كما ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ودخل في دين الله مُختاراً طائعاً، وحينما دخل عدي بن حاتم إلى المدينة وهو على دين النصرانية فأجلسه الرسول في مجلسه وقدّم له وسادة كانت لديه وأكرمه، وقال له ما قال مما يعلمه الجميع ولم يقتله فأسلم الرجل ودخل في دين الله لما شاهده من سماحة الإسلام، وكم من مثل هذه المواقف الرائعة التي تشهد لهذا الدين العظيم بعظمة أخلاقه، الشاهد في الموضوع أن هؤلاء القتلة الجهلة الذين لا خلاق لهم ولا عقل لهم ولا هدف لهم ولا غاية لهم ولا أدري ما هي حجتهم عند الله، وقد يقول قائلهم إنهم أعداء الإسلام ويقتلون المسلمين.. أقول لهم كيف عرفتم أن هؤلاء الذين قتلتموهم هم الذين يقتلون المسلمين، وقد قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ويقول الله سبحانه (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى).. أقول لهؤلاء وأوجه إليهم نصيحة لوجه الله إن كانوا يقدّرون وجه الله أقول لهم إن هذا العمل لا يرضاه الله ولا رسوله ولا يرضاه المسلمون ولا يقبله العقل ولا المنطق فعليكم بالتوبة إلى الله والرجوع إليه عن ما أنتم عليه، فقد أسأتم للإسلام وأسأتم لأمتكم وأسأتم إلى شعبكم وظلمتم أنفسكم، والله يتوب على من تاب