قبل عامين أطلق فخامة الرئىس مبادرته المتضمنة عدم خوضه الانتخابات الرئاسية للعام 2006م فأحدث حراكاً سياسياً كبيراً في الشارع اليمني سواء على مستوى الحزب الحاكم المتفاجئ آنذاك أو على مستوى أحزاب المعارضة التي لم تصدق المبادرة وانتظرت طويلا حتى تحركت قبل الانتخابات لتسمي مرشحها للانتخابات الرئاسية سبتمبر 2006م، لكي تتحول الانتخابات الرئاسية، لأول مرة في تاريخ اليمن الحديث، إلى انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية شعر معها المواطنون بجدية الحراك السياسي فتفاعلوا معها ووجدوا أمامهم خيارات برنامجية وتعددية ديمقراطية جادة. واليوم، كعادة الرئيس في الأخذ بزمام المبادرة، أعاد الكرة مرة أخرى وتقدم للشعب اليمني ونخبه السياسية بمبادرة جديدة للحراك السياسي وللتغيير من خلال الحوار البناء والجاد حول جملة من القضايا الوطنية التي تتطلب تعديلات دستورية تصب في إطار تطوير آليات النظام السياسي وذلك في محاولة لتعزيز بناء الدولة اليمنية الحديثة والانتقال باليمن من مصاف الدول المتخلفة التي تحكمها اشكاليات العصبية القبلية والفردية والمناطقية إلى مصاف الدول المدنية الحديثة التي يسودها التسامح والحوار وتحكمها المؤسسات والتعددية والتداول السلمي للسلطة وروح العصر. حقيقة الأمر أن النظام السياسي وعلى رأسه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح قد شعر خلال الفترة الاخيرة، بعد الانتخابات الرئاسية، بحاجته الضرورية والملحة إلى التغيير وإجراء جملة من الاصلاحات لاستكمال بناء الدولة اليمنية الحديثة خاصة وأن المطالب الخارجية، سواء المطالبة بدفع عجلة التنمية من خلال جذب الاستثمارات الخارجية، أو الساعية لإدماج اليمن في مجلس التعاون الخليجي أو الدافعة إلى التصدي للتطرف والإرهاب، بالإضافة إلى المطالبة بتطبيق برنامج الرئىس الانتخابي للقضاء على الفقر والبطالة وتصحيح العديد من الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تفاقمت نتيجة تراكمها من المراحل السابقة التي سادها ضعف التخطيط والإهمال وتغول الفساد وسوء آليات التنفيذ التي كان مرجوا منها تحقيق قدر كبير من الاستقرار والتنمية. من هنا جاءت مبادرة الرئيس الاخيرة المواكبة لاحتفالات شعبنا بأعياد الثورة سبتمبر وأكتوبر للحوار حول جملة من القضايا الوطنية لتضع الحزب الحاكم والمعارضة والنخب السياسية والمجتمع المدني أمام مسؤولياتهم التي تتطلب من الجميع الوقوف أمامها بجدية والخوض فيها بمسؤولية ومراجعتها بعيداً عن التعصب الحزبي المنغلق، وذلك للخروج بإجماع أو بتوافق سياسي وشعبي حول أولويات البناء وإيجاد برنامج وطني ملزم للتطبيق خلال المرحلة المقبلة. حقيقة الأمر أنني أجدها فرصة يجب أن تستغلها أحزاب الحكومة والمعارضة وأن تأخذ مبادرة الأخ الرئيس على محمل الجد، لتساعده وتساعد اليمن ونفسها في إنجاز التحولات التي يتطلع الشعب اليمني إليها وألا تتأخر في المماحكات الشكلية وأن تقدم ما لديها من أفكار ومن ملاحظات ورؤى وتغلب لغة الحوار من منطلق المصلحة الوطنية العليا وتعزز أسس بناء الدولة اليمنية الحديثة. وأجدها فرصة تاريخية سانحة بما عرف عن فخامة الأخ الرئيس من تسامح وتقبل للحوار وسعة صدر لكي تستكمل مبادرته للحوار كل ما تصبو إليه من التفاف شعبي أن يدعو كل أطراف المعارضة المتواجدة في الخارج لتقدم رؤاها بشفافية بعيداً عن حوار الغرف المغلقة لتشارك في هذا الحوار الوطني لبناء الوطن، وهنا تتضح مصداقيتها الحقيقية للمصالحة مع الوطن أو مصداقيتها في البحث عن مصالحها الذاتية الضيقة ويكون الشعب هو الحكم. إن الشعب ينتظر أن تتغلب المصلحة الوطنية العليا وأن يلتقي كل فرقاء العمل السياسي والنخب المثقفة والمجتمع المدني على طاولة الحوار للخروج برؤية وطنية عملية جادة تساعد في الانطلاق لتعزيز بناء الدولة اليمنية الحديثة. * نقلاً عن صحيفة الثورة: