ليس امام الفلسطينيين سوى التمسك بالشرعية الدولية وقراراتها. عليهم في الوقت ذاته متابعة المفاوضات مع اسرائيل من اجل التخلص من الاحتلال على الرغم من كل العراقيل التي تضعها حكومة ايهود اولمرت في طريق نجاح المفاوضات وتحقيق تقدم ما. يبدو واضحاً ان ما تفعله حكومة اولمرت يستهدف استفزاز الجانب الفلسطيني ودفعه الى الانسحاب من المفاوضات. من اجل ذلك، نجد الحكومة الاسرائيلية تقدم، مباشرة بعد مؤتمر انابوليس، على توسيع الاستيطان خصوصا في القدس، في وقت يتحدث رئيس الحكومة نفسه عن اهمية المسار السوري، علما بان كل الكلام عن تحريك هذا المسار لا يستهدف سوى ممارسة مزيد من الضغوط على الجانب الفلسطيني. ان كل من يراقب سير المفاوضات منذ انطلاق مؤتمر مدريد اواخر العام 1991 يدرك ان الفلسطينيين لم يحققوا اي تقدم من اي نوع كان ان على الصعيد السياسي او على الصعيد العملي الا عن طريق النضال السلمي. يمكن فقط العودة الى النتائج التي حققتها الانتفاضة الاولى التي انطلقت في العام 1987 للتاكد من ان القضية الفلسطينية لم تحقق اي خطوة الى الأمام الا عندما اعطت المجتمع الدولي صورة حقيقية عن الحال السائدة على الارض، اكان ذلك في الضفة الغربية او غزة. والصورة الحقيقية هي صورة الاطفال يقاومون الاحتلال بالحجارة. اسرائيل لا تريد مفاوضات لانها لا تريد الانسحاب من الضفة الغربية. لو كان لديها هامش للمناورة مع الادارة الاميركية، لكانت قاطعت مؤتمر انابوليس الذي اكد ان قيام الدولة الفلسطينية اساس للتسوية، في حال كانت كانت هناك تسوية. هذا ما يفترض بالجانب الفلسطيني استيعابه قبل اي شيء آخر. ولذلك عليه العمل من اجل ان يكون هناك استمرار للمفاوضات والسعي الى التوصل الى اتفاقات جديدة مع الجانب الاسرائيلي حتى لو كانت هذه الاتفاقات ستبقى حبرا على ورق. كان مستغربا ان تلجا حكومة اولمرت الى الاعلان عن انشاء وحدات سكنية جديدة في القدس بما يتعارض كليا مع ما تم التوصل اليه في انابوليس. ومع ذلك، تبقى سياسة التهدئة وضبط النفس افضل سياسة يمكن اتباعها لا لشيء لانها تسمح بمتابعة الجهود الهادفة الى تحسين الاوضاع المعيشية للمواطن في الضفة الغربية والقضاء على فوضى السلاح وبعث الامل بان الاحتلال لن يعود جاثماً على صدور الفلسطينيين في يوم ما. كانت الخطوة الاسرائيلية القاضية باقامة وحدات سكنية جديدة في القدس مستغربة بالفعل، خصوصاً بعد الكلام الذي صدر عن اولمرت واعتبر فيه ان استمرار الاحتلال سيجعل من اسرائيل دولة تمارس التمييز العنصري على غرار ما كانت عليه جنوب افريقيا في الماضي، اي قبل اطلاق نلسون مانديلا من سجنه ثم انتخابه رئيساً للبلد. ما الذي قصده رئيس الوزراء الاسرائيلي بكلامه؟ هل كان يعني ما يقوله، ام ان الامر مجرد ذر للرماد في العيون الهدف منه تهدئة الاميركيين وطمانتهم من جهة والعمل على كسب الوقت من جهة اخرى؟ يثير التناقض بين الكلام والافعال اكثر من علامة استفهام في شان النيات الحقيقية لاسرائيل. في حال كانت تريد تسوية، ليس هناك افضل من الرئيس محمود عباس (ابو مازن) للتوصل الى مثل هذه التسوية التي ترتكز على قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة". ومعروف ان ولاية "ابومازن" تنتهي في غضون سنة وقد لا يكون راغباً في الترشح مرة اخرى. اكثر من ذلك، ان المماطلة الاسرائيلية في تحقيق تسوية والاصرار على الاستيطان في الاراضي المحتلة في العام 1967 يضعف من نفوذ السلطة الوطنية ويجعل الشارع اكثر ميلا لطرح "حماس". انها سياسات محيرة بالفعل تلك التي تعتمدها حكومة اولمرت التي يقول الخبراء في الشان الداخلي الاسرائيلي انها ليست بالضعف الذي يعتقده كثيرون. على العكس من ذلك، انها حكومة قوية قادرة على تمرير اي تسوية في الكنيست باكثرية تزيد على خمسة وستين صوتا من اصل مئة وعشرين، حتى لو خرج منها وزراء اليمين المتطرف الرافضين لاي مساس بالقدس. هل يمتلك اولمرت رغبة في التسوية؟ هل لديه ارادة تدفعه الى التسوية، ام لديه اوهام مبنية على ان التسوية مع الفلسطينيين لم يحن اوانها بعد وان من الافضل لاسرائيل الانتظار قليلا قبل اتخاذ اي خطوة حاسمة في هذا الاتجاه. ما الذي ينتظره رئيس الوزراء الاسرائيلي في هذه الحال؟ ربما يتريث في انتظار ما سيؤول اليه الوضع في العراق. وربما ينتظر ما سيحصل في لبنان حيث البلد على شفا انفجار كبير بعدما طاولت الاغتيالات مؤسسة الجيش التي بقيت، اقله الى الآن، المؤسسة الوحيدة شبه المتماسكة، المؤسسة التي لعبت دورا في المحافظة على السلم الاهلي والحؤول دون صدامات بين اللبنانيين. ربما كان ينتظر في الواقع كيف سيعاد رسم الخريطة السياسية للشرق الاوسط وما ستفعله الولاياتالمتحدة مع ايران. هل تتصالح معها وتدخل في حوار في العمق مع طهران يؤدي الى تكريس الدور الاقليمي لايران على حساب كل ما هو عربي في المنطقة؟ سينشا عندئذ توازن اقليمي جديد يزيد الفلسطينيين ضعفا. سيكون في استطاعة اسرائيل عندئذ ان تعطيهم اقل بكثير مما يتوقعونه الآن... في كل الاحوال ليس امام الفلسطينيين سوى الابتعاد عن كل ما من شانه ان يستفزهم كي يقعوا في فخ الابتعاد عن المفاوضات. في استطاعة اسرائيل ان تنتظر، لكن الانتظار لا يعود على الفلسطينيين سوى بالضرر ولذلك عليهم التمسك بالمفاوضات، لعل وعسى تفعل الادارة الاميركية الحالية شيئا من نوع القول لاسرائيل ان كفى تعني كفى وانه آن اوان التسوية الفلسطينية- الاسرائيلية في حال كان المطلوب حداً ادنى من الاستقرار في الشرق الاوسط. ولكن من قال ان اسرائيل مع فكرة الاستقرار على الصعيد الاقليمي؟ ومن قال انه لا يزال في استطاعة الادارة الحالية ممارسة اي نوع من الضغوط عليها؟ ليكن الله في عون الفلسطينيين الذين ليس امامهم من خيار سوى التفاوض مع طرف يفضل في كل لحظة ان لا يكون هناك تفاوض!