إذا كان الحديث النبوي الشريف يُؤكِّد «أنَّ مَنْ لا يهتمّ بأُمور المُسلمين فليس منهم»، فإنَّه، في ضوء هذا الحديث، يُمكن القول بأنَّ مَنْ لم يهتمّ بأُمور المُواطنين، فليس مُواطناً صالحاً، وأيُّ مُواطنٍ صالحٍ هُو هذا الذي يرى تُجَّار الجُملة والتجزئة الجشعين وهُم يُصعِّدون من أسعار الموادّ الغذائية بطريقةٍ جُنونيةٍ وغير مُبرِّرةٍ على الإطلاق، ثُمَّ يصمت ولا يستنكر!! أمَّا تجاهل بعض المسؤولين ووقوفهم صامتين تجاه ما يحدث علناً ومع سبق الإصرار، فإنَّه يضعهم في دائرة المُساءلة الشعبية، كما أنَّ ذلك يدفع بالناس بعيداً إلى تصديق تلك الإشاعات التي تقول : إنَّ هذا البعض من المسؤولين انفصلوا عن شعبهم، وصاروا يعيشون في أبراجٍ عاجيةٍ تحول بينهم وبين صُراخ الفُقراء، وإنَّ أغذيتهم المُستوردة - كما تقول الإشاعات - تمنعهم عن التفكير بمصير المُواطن العادي وما يُعانيه من هُموم الحياة اليومية، وتجعلهم بمنأى عن تصاعد الغلاء في الموادّ الضرورية. لقد تصاعدت أسعار الموادّ الغذائية في الأشهر الثلاثة الأخيرة كما لم يحدث من قبل، وهذا التصاعد غير المعقول يتمّ بالتضامن بين تُجَّار الجُملة والتجزئة، والضحيَّة في هذه الصفقة هُو المُواطن، الذي يعجز دخله الشهري عن مُواجهة هذا التصاعد المحموم والمحكوم بالجشع وبصمت المسؤولين، الذين يُقال إنَّهم يتواطأون مع التُّجَّار أو إنَّهم لا يعرفون ما يجري في الأسواق، وكأنَّ المسؤولية بالنسبة لهم نوعٌ من «الأُبَّهة» أو «البرستيج» - بالتعبير الأجنبي - الذي يضمن لهم ارتفاع المكانة وتحقيق المصالح الشخصية، ولا علاقة لهم، من قريبٍ أو بعيد، بما يتكبَّده المُواطن من قسوة الحياة ومرارة العيش. إنَّني - بصراحة - لا ألوم التُّجَّار مهما بلغ بهم الجشع وتصاعدت شهوتهم لكسب المال، لكنَّني ألوم المسؤولين المختصين الذين لا يضعون حدَّاً لهذا الجشع بالقانون وبالعدل وباقتراح الأسعار التي تعصم المُواطن المسكين، هذا الذي تكاثرت عليه الهُموم وزادت أعباؤه إلى درجةٍ لا تُحتمل، أمَّا في المُناسبات، فتتضاعف هذه الأعباء عليه، وهي التي يتَّخذ منها بعض التُّجَّار - في غياب الوازع الأخلاقي والرادع الرسمي - فُرصةً لسحق هذا المُواطن وتدمير مُقاومته والمُتاجرة بآخر القطرات في دمه، وكأنَّ هُناك ثأرٌاً مُبيَّتٌاً بين هذا المُواطن المسكين والتاجر الذي لا مشاعر له والجهات الرسمية التي أتقن مُمثِّلوها معنى المثل القائل : «أُذنٌ من طينٍ وأُذنٌ من عجين»!! إنَّ السُّؤال الجاهز في الأذهان هُو : هل هذا واقع السُّوق إذاً ما الحلِّ؟ أمَّا الإجابة عنه، فستكون بالقول : إنَّه كما تدخَّلت الحُكومة ووضعت حدَّاً لتصاعد أسعار القمح وكلَّفت المُؤسَّسة الاقتصادية بتوفيره بأسعارٍ مقبولة، فإنَّ على مُؤسَّسات الدولة مُجتمعةً أن تُسارع إلى وضع حدٍّ لتصاعد أسعار الموادّ الغذائية الأُخرى، وأن يكون ذلك بصُورةٍ دائمةٍ وليس في المُناسبات أو عندما تتعالى الأصوات، أمَّا الموادّ الغذائية الضرورية التي ينبغي وضع حدٍّ لجُنون أسعارها، فهي : القمح، والدقيق، والسُّكَّر، والأرزّ، والألبان، والزيوت، هذه الموادّ التي تقوم حياة الشعب عليها، وليس السِّلْم الاجتماعي فحسب، والمسؤول الصادق والأمين هُو الذي يتحسَّس مُشكلات الناس قبل وقوعها، والذي يُدرك أنَّ الحُلول لا تكون تعبيراً عن رُدود أفعالٍ آنية، ثُمَّ تنام لتبدأ المُشكلات دورتها من جديد. إنَّ كسر الاحتكار في الموادّ الغذائية بخاصَّة، لا يتنافى مع الحُرِّيَّة الاقتصادية، بل ينسجم مع الإجراءات التي تتَّخذها أكثر حُكومات الأرض مُوالاةً للرأسمالية ومبادئها، ومُهمَّة المُؤسَّسات الاقتصادية في البلاد أن تعود إلى نشاطها السابق في كسر الاحتكار والمُنافسة الحقيقية في هذا المجال، الذي يضمن للدولة هيبتها وللمُواطن قدراً من الحياة المقبولة الكريمة. الشاعر شائف مهيوب الزوقري في ديوانه الثاني عنوان الديوان الجديد «أقتفي حسراتي»، والشاعر شائف مهيوب الزوقري مُهاجرٌ يمنيٌّ في الولايات المُتّحدة الأمريكية، وحنينه إلى وطنه الأوَّل جعله دائماً لا يكفّ عن التواصل مع وطنه عبر الكلمة الشاعرة. كتب مُقدِّمة الديوان الثاني الأُستاذ الدُّكتور علي حدَّاد، أُستاذ الأدب الحديث ونقده في كُلِّيَّة اللُّغات بجامعة صنعاء، وممَّا جاء فيها أنَّ القصيدة عند الشاعر الزوقري «تأتي انهماراتٍ شُعوريةً مُتدفِّقةً تصدق في نواياها وغاياتها، لتتجلَّى في غاية التزاحم والاشتداد الانفعالي الذي تُعايشه ذاته وهُو ينطلق فيها إلى موضوعاته» ... يقع الديوان في (116) صفحةً من القطع الصغير. تأمُّلاتٌ شِعْرِيَّة : إنَّهم يتمادون في أكل أرغفة الناس، يندلقون كريحٍ بلا قائدٍ أو رسنْ! بينما يتقاذفنا خوفنا يحجب الكلمات عن الضوء يسلبها نعمةَ البوحِ يغتال ماءَ الحُروف ويسلبها صوتَها والوطن!