تؤكد الأحداث أن إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية 2007م لم تكن نهاية معركة ديمقراطية، بل بداية جولة فاصلة تراهن فيها السلطة والمعارضة معاً على مصير أخير للتجربة الديمقراطية في اليمن، وكل يقرأ اللعبة بمفاهيم سياسية مختلفة!! فالمعارضة اليمنية أيقنت أنها لا حظوظ لها في الفوز بأي ممارسة ديمقراطية حرة طالما السلطة تحصد بطاقات صناديق الاقتراع في كل مرة.. كما أيقنت أن الرضا المحلي والدولي الكبير عن شفافية ونزاهة الانتخابات بات يمنح السلطة زخماً شعبياً أوسع، وثقة أعظم بقدراتها على الإيفاء بالتزاماتها الوطنية وهو مايعني أن فرص المعارضة آخذة في التراجع، وأن الخناق يشتد حول عنقها إن لم تستطع الإفلات من قبضة الصناديق الانتخابية..! ويبدو أن التفكير قاد المعارضة إلى خلاصة مهمة مفادها أن أي تراجع إلى خارج دائرة الديمقراطية قد يجعلها في حالة من الشذوذ، ويتسبب لها بعزلة دولية تخسر من خلالها ذلك الدعم المعنوي والمادي الذي يؤمنه لها المجتمع الدولي.. ومن هنا اتجه التفكير نحو كيفية استغلال الحقوق الديمقراطية الأخرى في ضرب ديمقراطية السلطة، وتعطيل أدوارها، وجرها إلى دوامات من الصراعات والأزمات التي تحول دونها ودون تنفيذ برامجها الانتخابية، وخططها التنموية. ما نجده اليوم من حراك في الشارع اليمني لم يأت عبثاً، أو كنتيجة تلقائية لأوضاع البلاد الاقتصادية كما يفسره البعض بقدر ماهو جزء من مخطط قهر الديمقراطية الحقيقية بديمقراطية زائفة، ذات أنشطة سلبية تماماً تستهدف الوصول إلى نتائج عكسية لما يمكن أن تتمخض عن الديمقراطية الطبيعية. إن جهود المعارضة تصب في الوقت الحاضر في تمزيق القاعدة الشعبية بكم هائل من المنظمات والجمعيات والتكوينات المدنية المتعددة والتوجهات والشعارات، ومحاولة زجها في فعاليات احتجاجية، وأنشطة تربك ساحة الرأي العام، وتقلق أجهزة الدولة، وتجرها إلى قضايا ثانوية جداً وبما يبعدها عن برامجها التي تسعى إلى تحقيقها على المسار التنموي. الأمر الآخر هو مضاعفة الزخم الإعلامي بإنشاء كم هائل من الصحف والمواقع الالكترونية التي تقود حملات تعبئة منظمة تحت مفاهيم ديمقراطية مغلوطة بقصد سلخ الديمقراطية من محتواها الأخلاقي وغاياتها التنموية والسلمية ليصبح التمرد على قانون المظاهرات حقاً وطنياً، وانتهاك حرمة المؤسسات سلوكاً مشروعاً، والاعتداء على رجال الأمن هدفاً تحررياً نبيلاً.. وغيرها من المفاهيم التي أرساها الزخم الإعلامي المعارض، وأفرغ بها التجربة الديمقراطية اليمنية من فحواها. كما صبت المعارضة جهدها باتجاه الفعاليات النقابية داخل مؤسسات الدولة الإنتاجية وحصراً الحيوية بهدف شل القدرات الاقتصادية للدولة، وتعجيزها عن الايفاء بالتزاماتها التنموية، وجرها إلى أزمات مالية واختلالات اقتصادية مختلفة.. وبالتالي قطع الطريق على الدولة صوب أي طموحات استثمارية جديدة، من شأنها إنعاش الحالة المعيشية للمواطن.. فمازالت المعارضة تؤمن إيماناً مطلقاً بأنها لن تصل إلى الحكم مالم تتضاعف معاناة المواطن، ويشتد سخطه على الدولة، فيصبح سهل الانقياد والتحريك في أي شارع شاءت.. لذلك فإن المعارضة ترمي بثقل عظيم بهذا الاتجاه، وتستخدم شتى السبل من أجل تضييق فرص العيش على المواطن، ومناهضة كل نشاط حكومي موجه لتحسين وضعه المعيشي وهو الأمر الذي يفسر تركيز المعارضة على قطاعي النفط والاستثمار باعتبارهما الأكثر إدراراً للموارد المالية للدولة. إن كل تلك الممارسات تحدث تحت مظلة الشعارات الديمقراطية.. وبالتالي فإن المواجهة الحالية بين السلطة والمعارضة لاتخرج عن مظلة الشعار الديمقراطي، إلا أنها تتناقض في أخلاقيات الديمقراطية وقيمها أي أنها مواجهة بين ديمقراطية تنموية وبين ديمقراطية تخريبية، تستهدف مشاريع التنمية، ومعيشة الفرد، وأمن واستقرار الوطن.. وهو مايمكن أن نسميه انقلاباً على الديمقراطية يقوده المهزومون في تجاربها، ممن رفضت الارادة الشعبية منحهم ثقتها، وايلاءهم أمانة مسئولية إدارة شئون اليمن!!