غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    لملس يفاجئ الجميع: الانتقالي سيعيدنا إلى أحضان صنعاء    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    مجلس وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل يناقش عدداً من القضايا المدرجة في جدول أعماله    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    المنخفض الجوي في اليمن يلحق الضرر ب5 آلاف أسرة نازحة جراء المنخفض الجوي باليمن    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    غارسيا يتحدث عن مستقبله    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تثوير الشارع اليمني.. خيارات التغيير وبدائل السلطة
نشر في نبأ نيوز يوم 24 - 04 - 2008

رغم كل ما طرحته التقارير الأوروبية والأمريكية من تقييم إيجابي لتجربة الانتخابات الرئاسية والمحلية اليمنية 2006م، إلاّ أن الإنفلات المفاجيء للساحة الشعبية من قبضة السلطة، والذي أعقب تلك الانتخابات بحوالي ستة أشهر- لا أكثر- وغرق الشارع اليمني بالتظاهرات والفعاليات الاحتجاجية المختلفة، فجر جدلاً ساخناً حول حقيقة اللعبة السياسية الدائرة، ووضع الجميع أمام سؤال مهم: إلى أين تتجه اليمن- يا ترى!؟
* خيار المعارضة في تثوير الشارع
إن أولى منطلقات قراءة الأحداث تبدأ بحقيقة أن الصراع السياسي في اليمن يدور بين طرفين: الأول متمثل في مجموعة أحزاب وتنظيمات سياسية معارضة ذات آفاق فكرية أيديواوجية، وتعمل تكويناتها بدافع ولاء عقائدي- وإن كان ذلك ولاء للحزب وليس لحلف "اللقاء المشترك"..
أما الطرف الثاني فيمثله المؤتمر الشعبي العام (الحاكم)، الذي تعرفه أدبياته بأنه "تنظيم برامجي مرحلي"، والذي ما زال يعمل بديناميكية اقرب الى الحكومية منها الى السياسية- خاصة وأن محاولاته في التشكيلة الحكومية الأخيرة في الفصل بين تكويناته التنظيمية وأدواته الحكومية لم تصمد طويلاً وسرعان ما عاود مزاوجة الصفتين لدى قياداته. ويبدو أن هذه الحقيقة هي التي ستترجم نفسها على أرض الواقع بعد انتخابات 20 سبتمبر 2006م..
فالانتخابات الرئاسية والمحلية هيأت لأحزاب المعارضة "اللقاء المشترك" فرصة ذهبية لاختبار قدراتها أمام الجماهير، واكتساب مهارة "مداعبة" الحس الشعبي وإثارة حماسه.. وكانت ستقتنع بذلك المكسب حتى لو خسرت الانتخابات لولا أن ردود الأفعال الدولية التي وقفت مبهورة أمام الرأي العام العالمي ب"شفافية ونزاهة الانتخابات الرئاسية اليمنية" قطعت رجاؤها في أي محاولات للطعن بالانتخابات، وتنفيذ أنشطة احتجاجية لتبرير نتائجها والحفاظ على ماء الوجه أمام القواعد الشعبية.. الأمر الذي ولد القناعة لدى قياداتها بأهمية البحث عن عودة سريعة إلى الشارع من قبل أن ينجح الحزب الحاكم بتحقيق مكاسب ميدانية على الصعيد التنموي- وهو القرار الذي أقره المشترك في اجتماع لهيئاته التنفيذية منتصف مارس 2007م.
* الحسابات الاقليمية تفرض نفسها
أما على صعيد الحسابات الإقليمية فإن الزخم الدولي الذي حضي به الرئيس علي عبد الله صالح- خاصة من قبل الادارة الامريكية- اثار إنزعاج بعض الدول الخليجية لكونه يمنح صنعاء شيئاً من التمايز "الديمقراطي" والثقل "السياسي" بالمنطقة، في نفس الوقت الذي تواجه بلدانها ضغوطاً أمريكية لإدماج اليمن ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي، ومساعدتها في تأهيل إقتصادها..
ولعل "مبالغة" ردود الفعل اليمنية تجاه إعدام رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين (وإن كانت غير رسمية)، واحتضانها لقيادات حزب البعث، واستقبالها لإبنة صدام "رغد"، علاوة على "الهوس" الذي عاشه الاعلام اليمني بمختلف ألوانه بهذا الشأن، هيا المبررات لبعض الدول مثل الكويت، ولبعض القوى المتنفذة في السعودية لدعم القوى المناهضة لنظام الرئيس صالح، أملاً في التخلص مما تصفه ب"النظام البعثي في اليمن"، قياساً إلى العلاقات الممتازة التي كانت سائدة بين صنعاء وبغداد في عهد صدام حسين، والموقف اليمني أبان حرب الخليج الثانية.
ورغم التوافق بين مطلب المعارضة اليمنية، ورغبة بعض الأطراف الخليجية إلاّ أن خيارات زعزعة نظام الرئيس صالح ظلت محدودة للغاية لكونها ينبغي أن تجري تحت مظلة ذات طبيعة مستدامة، ونطاق جغرافي محدود يستنزف قوة الدولة المادية والسياسية، ويشل قدراتها في لعب دور "شرطي المنطقة".. فكان الخيار أما تعزيز قدرات صعدة في مناهضة السلطة، وتمكينها من مد رقعة المواجهة الى مناطق مجاورة- بفضل التجانس القبلي والمذهبي؛ أو فتح جبهة جنوبية إنطلاقاً من عدن باستغلال العامل التشطيري السابق، ووجود أعداد كبيرة من الاشتراكيين المعارضين ممن فروا الى الخارج ابان حرب صيف 1994م.. وهو الخيار الذي حضي على القبول في ظل التخوف من قيام كيان "شيعي" جديد يحاصر الخليج من الغرب في نفس الوقت الذي تحاصر شيعة العراق وإيران دول الخليج من الشرق..
* أخطاء السلطة مهدت لتثوير الجنوب
ومع أن الخيار يبدو صعباً في أي حسابات سياسية، إلاّ أن الأخطاء التي ارتكبتها صنعاء على ضوء تداعيات حرب صيف 1994م سهلت المهمة.. فعلى الرغم من مرور نحو ثلاثة عشر عاماً على حرب الانفصال، ونجاح السلطة في الامساك بزمام الأمور تماماً إلاّ أن أوضاع آلاف العسكريين "الجنوبيين" ممن تمت إحالتهم على التقاعد أو إبعادهم ظلت معلقة.. كما أن أعمال نهب الاراضي في المناطق الجنوبية من قبل المتنفذين تعدت الحدود الآمنة، وترتبت عتها مظالم كثيرة دون أن تجد أية معالجات- حتى وإن كانت بطيئة.. يضاف الى ذلك أن المناصب الادارية العليا داخل تلك المحافظات آلت في أغلبها لشخصيات من المحافظات الشمالية ولم يتم موازنتها لاحقاً بعد استقرار الاوضاع الداخلية..
إن تلك الأخطاء مثلت فرصة ثمينة لتأليب الرأي العام "الجنوبي" على أساسها، وإذكاء النزعة التشطيرية مجدداً.. لهذا حصرت أحزاب اللقاء المشترك نشاطها السياسي، وعلى مدى شهور، في نطاق جغرافيا الشطر الجنوبي- سابقاً- دون أي تفكير بمده الى مناطق كانت ضمن جغرافيا ما كان يسمى ب"الشطر الشمالي"! كما عززت خطابات قيادات المشترك في مهرجاناتها شبه اليومية مفهوم "الإحتلال الشمالي للجنوب"، وإن جاء بلفظ آخر، حتى تنامت هذه التعبئة وأسفرت عن حراك شديد عبر جمعيات ومنظمات ومسميات مدنية مختلفة تم إختلاقها لإضفاء صفة ديمقراطية على نشاطها المناهض لكل ما هو "شمالي".
وكما ذكرنا في البداية بأن حقيقة الاختلاف بين التكوينات التنظيمية السياسية لطرفي الصراع سيفرض نفسه على الواقع، فإن النشاط التعبوي بالاتجاه الانفصالي الذي مارسته أحزاب المعارضة- بصورة مباشرة وغير مباشرة- ومارسته جمعيات المتقاعدين العسكريين بصورة علنية، لم يقابله أي نشاط تعبوي معاكس من قبل تكوينات المؤتمر الشعبي العام التي سجلت غياباً كاملاً حتى على مستوى وسائل إعلامها الحزبي..! ونظراً لغياب آليات الرصد والتعقيب على أطروحات أحزاب المعارضة ذات التعبئة الانفصالية، وجدنا أن المعارضة بعد أن أدت مهمتها – وبتمويلات مالية هائلة- عاودت قلب الطاولة على الحزب الحاكم وباشرت بترويج الاتهامات له بأنه "إنفصالي"!
* سر دعم الاسلاميين للتوجه الانفصالي
ولكن هنا يبرز السؤال: ما مصلحة أحزاب المعارضة في إذكاء النزعة الانفصالية، إذا كانت جميعها "شمالية" باستثناء الحزب الاشتراكي!؟
بلا شك أن قراءة واقع أحزاب المعارضة يكشف أن حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمن) هو الطرف الوحيد في المعارضة الذي يمتلك مقومات التنافس على السلطة في اليمن.. إذ أنه يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة جداً، وموارد مالية كبيرة، وعلاقات إقليمية استراتيجية، ويعمل باسلوب عالي التنظيم والانضباط. في حين أن الحزب الاشتراكي لا يكاد يصل ربع نفوذ الاصلاح، ويفتقر للامكانيات المادية، ويعاني من مشاكل داخلية وانشقاقات في صفوفه. أما التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري فهو الأضعف بين الجميع ويفتقر للقواعد وللامكانيات المادية معاً.
ولو تأملنا في الأحداث لوجدنا أن مفهوم "تحريك الشارع" الذي أطلقه الاصلاح في مرحلة سابقة للانتخابات الرئاسية ما هو إلاّ رديف مفهوم (تثوير المدن) الذي ينتهجه الأخوان المسلمين وجماعة الجهاد الاسلامي في مصر وغيرها. فقيادة الاصلاح- التي عززت مؤخراً من نفوذ العناصر الأخوانية المتشددة في أمانتها العامة- لا تحمل أي مشروع انفصالي، ولن تسمح للإشتراكيين بالاقدام على أي خطوة من ذلك القبيل، إلاّ أنها تسعى الى إيصالهم، وإيصال الجنوب إلى صدامات بعيدة الأمد مع السلطة- حتى لو كان ذلك تحت شعار "إنفصال الجنوب"!
فهي تدرك أن السلطة متأهبة لخوض حرب ثانية للدفاع عن الوحدة إذا ما تم الاعلان عن أي تكوين شطري، وبالتالي فإن ايصال الطرفين الى حلبة المواجهة، وحروب المدن التي يجيدها كثير من الاشتراكيين، من شأنها إتاحة فرصتين، الأولى الوقوف مع السلطة "للدفاع عن الوحدة" مقابل شراكة سلطوية. والفرصة الثانية – وهي الأهم- هي إنهاك السلطة، واستنزاف مقدراتها، وإشغال قواتها في ميادين القتال، وخلق معاناة معيشية مضاعفة- وبما يعني أن الظروف كلها أصبحت مهيأة للاصلاح للانقضاض على السلطة، وبدعم وتأييد خليجي.. خاصة وأن "شريك" الوحدة- الاشتراكي- الذي يمثل "الوريث" للحكم سيكون تحت رحمة طواحين الحرب.
* وجهان للقراءة الأمريكية
ربما تتعدد حسابات القوى السياسية الداخلية، وتتعدد معها حسابات "معارضة الخارج" التي تحمل أجندة تشطيرية تكاد تقترب مما فعلته المعارضة العراقية للاطاحة بنظام صدام حسين.. لكن ساحة اليمن – وعلى مر التاريخ- لم تكن أبداً رهينة حسابات يمنية صرفة، بقدر ما تتداخل معها حسابات إقليمية ودولية مرتبطة بالتوازنات، وبالمصالح..
فالولايات المتحدة– الحليف الاستراتيجي لليمن- تنظر الى مطلب التغيير السياسي في اليمن من عدة أوجه: فالوجه الأول لنظام الرئيس صالح بالنسبة لها يتمثل في عناده تجاه العلاقة مع إسرائيل، وإزاء بعض المطالب الامريكية "الأمنية" المرتبطة بالعناصر الارهابية من مواطنيه- كما هو الحال مع قضية جمال البدوي المتهم الثاني بتفجير المدمرة كول. وتعتقد أن النظام يحمي بعض الجماعات المصنفة لديها إرهابية، كالشيخ عبد المجيد الزنداني. وأن جهود صنعاء في مكافحة الفساد ما زالت بطيئة ودون المستوى المطلوب، وأن هناك تبديد للمساعدات الدولية. علاوة على ان صنعاء حرمت بعض الشركات الأمريكية – مثل هنت- من امتيازات ومصالح استثمارية تفطية، وأخرى استراتيجية كالاستثمار في سوقطري التي فاز بها الاوربيون..
أما الوجه الثاني يتمثل في أن نظام الرئيس صالح يمكن الوثوق به خلافاً للاسلاميين، ويتمتع بنهج سلمي، ويسير بخطى جيدة في تجربته الديمقراطية، ومعقولة بالنسبة لبرنامج الاصلاحات، ومتعاون في الحرب على الارهاب، علاوة على كونه الرئيس الوحيد في المنطقة الذي تم انتخابه بانتخابات حرة، امتازت بالشفافية والنزاهة..
وعلى هذا الأساس، فإن الولايات المتحدة لا تجد بديلاً مناسباً للرئيس صالح وحزبة غير الاسلاميين – وهو بديل غير آمن، وغير مرحب به. كما تخشى من انفلات الأوضاع الداخلية في اليمن وتحولها الى بؤرة ساختة كما الصومال، يترتب عنها مخاطر كبيرة على الممرات الملاحية الدولية، واستقرار المنطقة، إذا ما استهدفتها القاعدة أو أي تنظيمات اسلامية متطرفة.. علاوة على إن ذلك قد ينسف التجربة الديمقراطية اليمنية- الانجح في منطقة الجزيرة العربية والخليج، التي هي بأمس الحاجة للانفتاح على الممارسات الديمقراطية.. وهو الأمر الذي دفع الادارة الامريكية مؤخراً الى التدخل لدى دول الخليج، وتحذيرها من أي عبث بالأمن القومي اليمني.
* آثار سلبية للمعالجات
حتى هذه اللحظة لا تبدو معالجات السلطة للأوضاع المتوترة على درجة جيدة من الأمان.. إذ أن تبني الرئيس صالح المكوث في عدن لفترة طويلة للاشراف على معالجة مشاكل المتقاعدين والأراضي وضعه في واجهة الخصومة "الجنوبية"، في الوقت الذي الذي كان بالامكان إحالة المشكلة الى البرلمان وتشكيل لجنة مشتركة من قيادات الكتل البرلمانية توكل اليها مسئولية المعالجة والتسويات، وفق ضوابط محددة– وبما يوقف اي اتهامات للسلطة بالتسويف أو المماطلة، ويمنع أيضاً ابتزاز السلطة بمطالب لا تتحمل مسئوليتها.
كما أن إعادة أعداد كبيرة من كبار الضباط إلى مناصب قيادية في الجيش أو الأمن ترتب عنه أمران: الأول إزاحة قيادات مخلصة دافعت عن الوحدة لحساب أخرى كانت مصدر تهديد لها، الأمر الذي ولد استياءً، وإحساساً بالغبن لدى فئة كبيرة من كبار الضباط. وثانياً خرق وحدات الجيش والأمن بقيادات بعضها مشكوك بولائها والبعض الآخر لها موقفها المعلن تجاه قضية الوحدة. وهو ما قد يتولد عنه ظهور تكتلات نوعية قائمة على عنصرية مناطقية، أو حتى إمكانية ظهور بعض حالات التمرد.. وفي كل الاحوال فإن إعادة التوزيع لم يتم على أساس مدروس ومتوازن، وبالتالي فمن المتوقع أن تصاحبه أخطاء عديدة.
والحالة ذاتها تكررت على الصعيد المدني، وقادت التسويات إلى الدفع بعناصر غير مؤهلة، أو فاسدة الى مراكز قيادية تنموية، الأمر الذي سيترتب عنه إعاقة الكثير من الخطط والبرامج الحكومية.
كما أن المعالجات الطارئة كبدت الدولة أموال طائلة تقدر بمئات المليارات، وفتح الأبواب للجميع لممارسة الاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات للمطالبة بمزيد من الامتيازات المالية الفورية.. وهذا كله تسبب بانهاك الميزانية العامة للدولة، وتعطيل مصالح تنموية، وانعكاس آثاره سلباً على معادلات الحياة الاقتصادية اليومية.
* على طريق الفوضى الخلاقة
أن الممارسات التي رافقت الأحداث باسم الديمقراطية وجهت تعبئة مكثفة ضد الأجهزة الأمنية أولاً، والقطاع النفطي ثانياً مما جعلهما موضع استهداف أودى بحياة نحو (40) رجل أمن وجيش، وعرض منشآت ومصالح نفطية الى خطر التفجير، والاضرابات، والتقطع وأعاق نشاطها الانتاجي.. وفي ظل استمرار التعبئة فإن من المتوقع أن يواجه القطاع النفطي مزيد من المشاكل..
كما أظهرت أنشطة المعارضة في الشارع انتهاكاً وتمرداً على العديد من القوانين واللوائح الدستورية، وفي طليعتها قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات، وقانون إنشاء منظمات المجتمع المدني- حيث برزت العديد من التكوينات التي تمارس نشاط مدني دون الحصول على الترخيص الذي يمنح المنظمة الصفة الشرعية.. كما خرجت بعض وسائل الاعلام عن طابعها المهني، وتحولت الى منابر للاساءة وانتهاك حقوق وحريات الاخرين.
ولعل بروز هذه الظواهر مثل مؤشراً على أن الديمقراطية اليمنية بدأت تفقد حمايتها ، وتتجه نحو الفوضى الخلاقة. فالديمقراطية تستمد حمايتها في الدول المتقدمة من المؤسسات القانونية والقضائية والدستورية، بينما التجربة اليمنية اعتمدت عند ولوج التعددية الحزبية على تراثها الثقافي والديني والاجتماعي لضبط جماح الحريات والممارسات الديمقراطية على أمل أن تتمكن فيما بعد من التحول الى دولة مؤسسات تكفل الحماية المناسبة للديمقراطية.
إلاّ أن الانفتاح السريع الذي رافق عهد الوحدة هشم العديد من قيم التراث الثقافي والديني، في نفس الوقت الذي واجهت اليمن تحديات أعاقت خطاها في بناء دولة المؤسسات، الأمر الذي أفقد التجربة الديمقراطية الكثير من عناصر حمايتها..
ومن هنا فإن مستقبل اليمن مرهون بمدى قدرة الدولة على تفعيل اللوائح الدستورية والقوانين الكفيلة بحماية المجتمع والديمقراطية من تيار الفوضى الخلاقة الذي تتلاشى في ظله هيبة الدولة، ويباح كل شيء باسم الديمقراطية والحريات..
* لندن- (صوت اليمن)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.