يعتبر الأمنُ مطلباً عزيزاً لكل بني الشر، لأنه قوامُ الحياةِ الإنسانيّة وأسَاسُ الحضارةِ المدنيّة، تتطَلّع إليه المجتمعات، وتتَنافس في تأمينهِ الحكومات، فتُسَخَّر له الإمكانات الماديّة والوَسائلُ العلميّة والدِّراسات الاجتماعيّة والنّفسيّة، وتُحشَد لَه الأجهزةُ المدنيّة والعسكريّة، وتُستَنفَر له الطَّاقات البشريّة. فمَطلبُ الأمنِ يَسبِق مطلبَ الغِذاء، اذ بغيرِ الأمن لا يُستَساغ طعام، ولا يَهنَأ عيش، ولا يَلذُّ نوم، ولا يُنعَم براحَة، وقد قال أهلُ الحكمةِ: (الخائفُ لا عَيشَ له)، والأمن يتوفَّر برسوخِ الإيمان في القلوب وتَطهير الأخلاق في السّلوك وتصحيح المفاهيمِ في العقول وفي ظلِّ الأمنِ تحفَظُ النّفوسُ وتُصانُ الأعراضُ والأموَالُ، وتؤمّنُ السّبُل، وتُقامُ الحدود، ويسود العمرانُ، وتنمُو الثّروات، وتتوافَر الخيرات، وفي ظلِّ الأمنِ يسودُ الشّرع، ويفشو المعروف، ويقلُّ المنكَر، ويحصُل الاستقرارُ النفسيُّ والاطمئنان الاجتماعيُّ. وإذا اضطربَ الأمنُ - لاسمح الله - تظهَر الفتَنُ، وتتخَلخَل أركان الأمة، ويكثُر الخبَث، ويلتبَس الحقّ بالباطِل, وتسود شريعةُ الغَاب، وتعمّ الفوضَى، ويهلك النّاس. وبإمكاننا أن نتأمل تلك البلدان من حولنا التي اختلَّ فيها الأمن، فنرى كيف هلَك فيها الحرثُ والنّسل، وسُلِبت الأموال، وانتُهِكت الأعراض، وفسدَ المعاش. ومِن أجلِ هذا فإنّ كلَّ عمَلٍ تخرِيبيٍّ يستهدِفُ الإخلال بالأمن يعتبر عملاً إجرامياً محرماً مخالفاً لأحكامِ شرعِ الله، لان فيه مفاسد عظيمة، في مقدمتها تعطيل عملية التنمية التي مقصدها تقدم البلاد وإسعاد العباد فلا تتحقق أية تنمية بمعناها الشامل بدون استتباب الأمن والاستقرار, وهذا هو واحد من مرامي الذين يرون في التحولات التنموية والديمقراطية قطعاً للطريق أمام دعاواهم المناطقية والتشطيرية التي يتخفون خلفها بغية تعويض أو استعادة مصالحهم التي فقدوها. ومجرد ربط هؤلاء بين مصالحهم الذاتية الضيقة ومصير الوطن هو بحد ذاته الدليل القاطع الذي يفضح ما يعتمل بدواخلهم من مشاعر الجفاء بل الحقد والمعاداة للمصالح الوطنية، التي يعبرون عنها بتلك النزعة العدوانية المتمثلة بمحاولات إثارة حالة الانشطار النفسي والتنافر الاجتماعي بين المكونات الإنسانية للمجتمع اليمني بدليل توجيههم أفعال النهب والتخريب نحو الممتلكات الخاصة ومصادر الرزق للمواطنين، وكأنه لم يطرُق أسماعَهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام، كحُرمةِ يومكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا»، وقوله: «كلُّ المسلم على المسلم حرام؛ دمُه وماله وعِرضُه». فهم بأعمالهم المرفوضة كذلك يروعون الآمنين، وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك أشدَّ التحذير فقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحلُّ لمسلم أن يروِّعَ مسلمًا». وذلك يؤكد أن المسألة ليست موضوع تظلم ومطالبة بحقوق وظيفية أو بوظائف.. وهذا ماتكشفه تلك الصيحات المسعورة والشعارات المحرضة على التشرذم التي لا ينطق بها غير الصغار من قصيري النظر وضيقّي الأفق من الذين لا ينظرون إلى أبعد من أنوفهم أو المحاصرين بإملاءات المحركين والممولين التي تفرض عليهم ما هم فيه من حالة التقزم والضآلة السياسية وطنياً وإنسانياً التي جعلتهم يصابون بالعمى السياسي والعدمية الوطنية مما افقدهم القدرة على معرفة حقيقة ما ينساقون إليه من فعل تخريبي تدميري إجرامي في حق المواطن والوطن اليمني، ظانين- بحكم دوافعهم الخاصة -أن العمل على إرباك الأمن والاستقرار سيكون هو سبيلهم لاسترجاع مصالحهم التي ضاعت أو أضاعوها في حقيقة الأمر. غير مدركين ان مصلحة كل أبناء اليمن في وحدتهم وأن هذه الوحدة تبقى محمية بإرادة الشعب الذي يرى فيها تتويجاً لتاريخ طويل من النضال من أجل الانعتاق من الاستبداد والاستعباد والتمتع بحياة الحرية والكرامة، وفيها الخلاص من أزمنة الصراعات ومآسي السحل والتصفيات الجسدية والموت التنموي الذي عانت منه بوجه خاص المحافظات الجنوبية . إن أفعالهم المشبوهة تعتبر في كل النواميس والقوانين جرائم مخلة لا يُقدِم عليها إلاّ مَن طُمِسَت بصيرتُه وزُيِّن له سوءُ عمله فرآه حسنًا، قال سبحانه وتعالى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[فاطر:8]. إن الإحساسَ الجادَّ بالمسؤولية وخطرِ النتائج هو الذي يحمِل كلَّ عاقلٍ وكلَّ مخلِص على رفضِ هذه الأعمالِ وعدَم قَبول أيِّ مُسوِّغٍ لها ولزوم فضح أهلها وآثارها ونتائجها، لان الجميعُ في سفينةٍ واحدةٍ، ومن خرَقَها أغرقَ الجميعَ. وليحذر كل مواطن مسلم أن يصدُر منه شيءٌ يُثير الفتنة أو يسوّغ لهؤلاء وأمثالهم ضلالهم وجهلَهم وإجرامَهم. فالمسؤوليّة عظيمة كما قلنا فلا بدّ من الوقفةِ الصارمة من أجلِ وضعِ الأشياء في مواضعِها والأسماء في مسمَّياتها، فالإجرام إجرامٌ، والإصلاح غيرُ الفَساد، واعمال التخريب والنهب والتدمير هي ابعد ما تكون عن الوطنية والاستقامة والإسلام.. وإنّ مسؤوليةَ حماية الوطن هي مسؤولية الجميع، كلٌّ حسبَ موقعه، فالإحساسُ بالخطر على الوطن والأهل والدّيار, والفُرقة والفوضى هي الأمر الذي يجب أن يستشعرَه الجميع وان يعمل الجميع على قبر أية محاولة تستهدف النيل من وطننا أو تعكير أمنه واستقراره أو تعطيل تقدمه وازدهاره. ونقول لمن زلّت قدمُه فوقعَ في شيء من هذه الأعمالِ أو وقع في رَوعِه لوثةٌ من هذه الأفكار المنحرفة المشبوهة أو تعاطُف معَهم, عليهم جميعًا أن يتّقوا الله في أنفسهم وإخوانهم من أبناء الوطن، وأن يرجعوا إلى جادّة الصوابِ والحقّ، ويكونوا صفًّا مع إخوانهم ضدَّ أعدائهم المتربِّصين بهم، وألّا يكونوا معولَ هدمٍ لكيانِ الوطن، فقد علموا من سُنن الله في الأوّلين والآخرين أنّ مثلَ هذه التصرُّفاتِ الطائِشةَ الرّعناء لا يستفيد منها إلاّ العدوّ المتربّص، ولم يجنِ منها الوطن والمواطنون إلا كل سوء، في الماضي والحاضر، فالويلُ ثمّ الويل لمن يبوء بإثم هذه الأفعال الشنيعةِ والأعمال المحرّمة. فهلاَّ اتَّقى الله هؤلاء، ممّا وقعوا فيه من شقِّ عصا الطاعةِ ومفارقةِ الجماعة، فتلك كبيرةٌ من كبائر الذنوب، ففي الحديث الصحيح: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعةَ فمات مات مِيتةً جاهلية»، فلا حولَ ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.