تكشف بعض الأحداث الجارية في الوطن سواء تلك التي تجري في بعض مديريات صعده نتيجة فتنة الحوثي وتمرده أو تلك التي شهدناها قبل فترة في بعض المحافظات الجنوبية مدى الخلل القائم في معاني الولاء والانتماء الوطني وبخاصة في نفوس الشباب والناشئة.. ومدى الحاجة لتعميقه وغرسه في تلك النفوس.. فمن المدهش والمثير للحيرة أن من يحملون السلاح في وجه الوطن إلى جانب مثيري فتنة التمرد هم شباب صغار نشأوا وترعرعوا في كنف الثورة والجمهورية والوحدة وتشربوا من المنهج الدراسي الذي تعلموه في مدارسها، كما أن من خرجوا إلى بعض شوارع الضالع وردفان وعدن وظلوا يثيرون الفوضى والشغب ويرددون الشعارات المناطقية أو المثيرة للكراهية والبغضاء الضارة بالوحدة الوطنية وبالهوية الوطنية عموماً هم الجيل الشاب الذي ترعرع في كنف الوحدة اليمنية ونال من خيراتها وتشرب معانيها العظيمة كرديف لمعاني القوة والازدهار والاستقرار والمجد الذي ظل الوطن وأجياله المتعاقبة يتوقون إليه عندما ناضلوا من أجل تحقيق حلم الوحدة العظيم.. أليس ذلك أدعى للتفكير الجاد في هذه الوقائع لاكتشاف أين الخلل؟ والذي لا شك يكمن في حقيقة جوهرية واحدة تؤكد بأن هناك نقصاً كبيراً في جرعة الوطنية والانتماء الوطني في نفوس هؤلاء الشباب من أبناء الوطن والذين وجدوا أنفسهم مندفعين للسباحة ضمن تيارات فكرية وسياسية غريبة قادمة من وراء هامش التاريخ وضمن مشاريع قديمة جديدة مدفوعة من الخارج أو من قوى تريد تصفية حساباتها الخاصة على الأرض اليمنية وعلى حساب الدم اليمني. وهنا يبرز التساؤل: كيف يمكن سد هذا الخلل القائم في نفوس هؤلاء الشباب الغاضب والمغرر به والذي بات يبحث عن هوية أخرى مستنسخة من تلك المشاريع التمزيقية والظلامية المتخلفة وعلى حساب الانتماء الوطني والهوية الوطنية والمستمدة جذورها من حقائق التاريخ والجغرافيا وأرومة الدم والمصير. أليس ثمة حاجة للتفكير العقلاني والمنطقي لمراجعة مناهجنا التربوية ووسائل التنشئة في المدارس والمعاهد والجامعات وداخل الأسرة وفي الشارع والمحيط الاجتماعي.. أليس ثمة حاجة باتخاذ خطوة جريئة باتجاه صياغة فكر وطني جديد خلاق يسد الفراغ القائم في عقول ونفوس الشباب اليمني الناشئ ويعبئه بالقيم الدينية والوطنية والأخلاقية الصحيحة.. بدلاً من ترك هؤلاء الشباب نهباً للمتآمرين والمرتزقة وللظلاميين والشموليين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمصالح الأنانية.. أليس ثمة حاجة لبعث مشاعر الفخر الوطني في نفوس كافة اليمنيين رجالاً ونساءً والمستمدة جذورها من إشراقات الحضارة اليمنية وإبداعات الإنسان اليمني فيها ومن ذلك السِّفر العظيم من المآثر والبطولات والمواقف والصولات والجولات التي سجلها اليمنيون وهم يشيدون حضارة حياة شامخة ويسجلون الريادة والسبق في ممارسة نهج الشورى والديمقراطية في تاريخهم الغابر وينتصرون بسيوفهم وعقولهم وسلوكهم لنشر رايات الدين الحنيف والعدل والحق في مواكب الفتوحات الإسلامية المجيدة وفي مختلف أصقاع المعمورة وفي مواطن الاغتراب التي ارتحلوا إليها من آسيا شرقاً وحتى إفريقيا غرباً وكانوا سبباً وعبر القدوة الحسنة والتعامل الإنساني الصادق في دخول الملايين من شعوب تلك القارات إلى رحاب الدين الإسلامي الحنيف، وكانوا لغيرهم مشاعل نور وهداية وتقوى وقدوة حسنة تفاخر بها الأجيال اليمنية جيلاً بعد جيل .. وفي العصر الحديث كان لأبناء اليمن الأباة مآثر خالدة لا تنسى وتضحيات غالية لا حدود لها في سبيل نيل الحرية والاستقلال ومن أجل الوحدة والديمقراطية والتقدم وتسجيل المواقف المبدئية الشجاعة دفاعاً عن قضايا الأمة وانتصاراً لحقها في الوجود والمستقبل الأمن الأفضل. أليس كل ذلك أدعى بأن يغرس في نفوس الشباب اليمني والأجيال اليمنية المتعاقبة وأن تتضمنه مناهجنا التربوية ودروسنا اليومية ومحاضراتنا وندواتنا وحديث علمائنا ووسائل إعلامنا وكل المنابر الثقافية والدينية والاجتماعية في وطننا.. وأن تكون هي رسالة الجميع وهدف وغاية كل أحزابنا ومثقفينا ومبدعينا وفنانينا وأدبيات وبرامج كل منظمات المجتمع المدني وغيرها في بلادنا؟ نحن بحاجة إلى أن يكون هدف الجميع غرس الولاء والانتماء الوطني في نفوس أبناء الوطن في الداخل والخارج باعتبار ذلك غاية وطنية نبيلة وشريفة يسعى من أجلها الجميع من أجل أن يسود الوطن الحب والوئام والسلام وأن يضع الجميع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار حزبي أو ذاتي وأن يكون شعار الجميع في هذا الوطن العظيم هو «اليمن أولاً». - الثورة: