من حق أحزاب اللقاء المشترك في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية أن تعبر عن مواقفها وتوجهاتها حيال ما يتصل بالاستحقاق الديمقراطي القادم والمتمثل في الانتخابات النيابية، المقرر إجراؤها في موعدها الدستوري في ابريل من العام القادم، ولكن ليس من حق هذه الأحزاب وقياداتها استغلال مناخات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير لنفث سمومها وأحقادها على شركاء الحياة السياسية وسلطات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية على ذلك النحو المسيء الذي تطالعنا به وسائل إعلامها من صحف ومواقع الكترونية عوضاً عن البيانات التي تصدر عنها والتي يغلب على مضمونها طابع الكيد والتصعيد والمنطق المتعالي على الأنظمة والقوانين والدستور والتي تظهر هذه الأحزاب وكأنها وصية على الوطن والشعب وإرادته الحرة. وسواء أدركت أحزاب اللقاء المشترك عواقب هذا الخطاب التصعيدي والتعطيلي على واقع الحياة السياسية والديمقراطية وما يمكن أن يترتب عليه هذا النزوع غير المسئول من انعكاسات سلبية على مجريات السلم الاجتماعي أو لم تدرك ذلك، فإن الواجب أن تعي أن من غير المقبول أن يعمد طرف أو أطراف إلى الخوض في ما يسيء لقواعد العمل الديمقراطي وجوانب ممارسته باعتبار أن أي خروج عن المبادئ والتقاليد الديمقراطية المتعارف عليها إنما يمثل تعدياً صارخاً على المناخات الضامنة للاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطة وإمكانات التطور الديمقراطي. وما يستوقفنا في مثل هذه الحالة هو أن نجد أن من يملأون الدنيا صخباً وضجيجاً بالشعارات الفضفاضة عن الديمقراطية وحرية الرأي لا يتورعون عن نهشها وتعطيل مساراتها واختلاق الأزمات كلما حان موعد أي من استحقاقاتها واذا ما عدنا إلى المحطات الديمقراطية السابقة فسنلحظ أن أولئك المتباكين على الديمقراطية لم يدخروا جهداً أو وسيلة إلاّ واستخدموها في محاولة لإعاقتها وتعطيلها إما بتمترسهم وراء المطالب غير المشروعة بهدف الحصول على بعض المكاسب السياسية والانتخابية خارج نطاق ما تفضي إليه صناديق الاقتراع أو من خلال محاولاتهم المتكررة لتفسير أحكام القوانين الناظمة للعملية الانتخابية بصورة تتناسب مع ميولاتهم وأهدافهم ورغباتهم وأطماعهم ووفق مقتضياتهم لا وفق ما تقتضيه الديمقراطية وجوهرها التنافسي الأصيل. وأمام هذا النزيف والتعاطي القاصر، نسأل أحزاب المشترك: هل فكرت يوماً أن تستفيد من تجاربها الماضية وما حفلت به من دروس وعظات؟ وهل فكرت يوماً أن تخضع تلك التجارب للنقد والمكاشفة والمساءلة حتى يتسنى لها تصويب وتقويم آليات تعاملها وطريقة تفكيرها وصولاً إلى التخلص من تلك الاعتوارات وأغلالها التي كانت وراء ابتعاد الناس عنها. إذ أنه وما لم تتجه تلك الأحزاب إلى مثل هذه المراجعة فمتى يمكن أن تتعلم من الدروس ويتحرر خطابها من أغطيته السميكة السوداء ليبدو معبراً عن المفاهيم الحقيقية للديمقراطية وينحو في اتجاه الواقعية والموضوعية بعيداً عن الرؤى الهلامية والشعارات الجوفاء، بل ومتى يمكن لهذه الأحزاب أن تتخلص من موروثات الفكر الشمولي وآيديولوجيات الماضي التي انتهى زمنها وغدت تتصادم مع قيم العصر.. في حين ما يزال البعض من قيادات تلك الأحزاب يقتاتون عليها بعد أن عششت في عقولهم وأذهانهم إلى درجة أنهم باتوا أسرى لها. وكما قيل في السابق، فإن هذه الأحزاب إذا ما أرادت الالتحاق بمشروع التطور الحضاري فإنها بحاجة ماسة للقيام بسلسلة من الخطوات لتصحيح الأخطاء وعدم تكرارها، وذلك يتطلب من قياداتها التحلي بروح الشجاعة والمصداقية والابتعاد عن العناد والمكابرة التي دفعت بهم إلى التمادي أكثر في الأخطاء والإحجام عن الاعتراف بفداحة الاستمرار في هذا المسلك الخاطئ، فالحق أحق أن يتبع.. كما أن الاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأولى لبلوغ جادة الصواب.