لا يمكن للمواقف المتشنجة والنزقة التي تبني توجهاتها على منطق الخصومة السياسية أن تتكيف بأي حال من الأحوال مع سماحة الديمقراطية وتقاليدها الرحبة باعتبار ان من يلجأون لذلك الأسلوب الحاد أما بهدف لفت الأنظار إليهم أو رغبة في النكاية بالآخر أو محاولة للبروز والظهور إنما هم بذلك التعاطي - قصدوا أو لم يقصدوا - يكرسون لمفاهيم خاطئة تندرج في عداد المظاهر المعادية لقيم الديمقراطية التي تقبل بالاختلاف في إطار تعدد الرؤى والاجتهادات ولا تسمح بالخلاف الذي يتصادم مع دلالاتها أو حتى المجاهرة به. ولذلك فإن كل إنسان وطني يرفض أن ينغمس العمل الحزبي في تعميق عوامل الخلاف، التي من شأنها أن تلقي بظلالها السلبية على التماسك الوطني والسلم الاجتماعي، لقناعة الجميع بان الديمقراطية هي الوسيلة الحضارية لتعزيز التداول السلمي للسلطة عن طريق التنافس الحر والشريف بين المكونات الحزبية والسياسية من أجل كسب ثقة الناخبين في صناديق الاقتراع والحصول على ثقتهم في أية دورة انتخابية. وقد كفلت الديمقراطية بذلك لأي حزب أو تنظيم سياسي حق الوصول إلى السلطة وبلوغ مبتغاه عبر تلك الآليات، وليس غير العاجز من يسعى إلى تبرير إخفاقاته عن مجاراة الحراك الديمقراطي، الذي يشهده الوطن اليمني لتحميل الآخرين مسؤولية فشله. وما يثير الاستغراب حقاً أن من يعمدون إلى الصراخ والضجيج ويعملون على إثارة الغبار وافتعال الأزمات، ويُسخّرون منابرهم السياسية والإعلامية للإساءة إلى التجربة الديمقراطية اليمنية وتشويه صورتها، ولا يتورعون عن إخفاء حقائقها وما أنجزته على الصعيد المجتمعي من خطوات متقدمة.. يتجاهلون أنهم يستمدون مشروعيتهم من هذه العملية الديمقراطية التي ينالون منها بالقدح والذم. إن مثل هذا الأسلوب أمر سبق وأن تعودنا عليه، ولم يعد جديداً ان نرى بعض القيادات الحزبية تستبق توقيت إجراء الانتخابات النيابية القادمة بمثل ذلك الجنوح الذي يغلب عليه الطابع الانتهازي والاستغلال الفج لعامل الزمن بترديد بعض الأباطيل المضللة والتمترس وراء بعض الاشتراطات والمطالب غير القانونية ظنا منها أنها عبر ركوب موجة العناد ستصل إلى بعض المكاسب السياسية والحزبية. وهو تصرف لا ينم عن أي ذكاء سياسي أو حصافة حزبية، بل أنه يكشف مدى حالة الاهتزاز التي يعيشها هؤلاء، ومدى ما ينتابهم من مخاوف حيال الاستحقاق الديمقراطي القادم، الذي يبدو أنهم لم يستكملوا جاهزيتهم لخوض منافساته الانتخابية. ورغم أن شيئا كهذا صار من المألوف، فإن ما يؤخذ على تلك القيادات الحزبية هذه المرة هو اضطراب خطابها السياسي لدرجة ظهورها بلا موقف محدد، حيث صارت تتأرجح بين خيارين، وهو التباس يدلل بجلاء أن هذه القيادات الحزبية لا تمتلك رؤية سياسية واضحة.. وأن وضعا مرتبكا صار يتلبسها إلى درجة صارت فيها لا تعرف ما تريد ولا يعلم من يتابع مواقفها عم تبحث. وللخروج من هذه الحالة فإن على هذه القيادات الحزبية ان تدرك ان زمن اللاءات في العمل السياسي قد انتهى وأن من يراهن على تلك اللاءات إنما يغيب نفسه ويبني حساباته على موقف عدمي مغاير لمنطق وحسابات العمل الوطني. وعلى مثل هؤلاء ان يختاروا أما ان يكونوا مع الديمقراطية أو ضدها؟.. ومن الأجدى لهم أن يكونوا مع الديمقراطية التي تفتح أبوابها مُشْرعة أمام الجميع. أما غير ذلك فإنهم سيجدون أنفسهم معزولين عن الناس أكثر مما هم فيه من عزلة ولن يجنوا من وراء لاءاتهم سوى الخيبة والفشل الذريع و«على نفسها جنت براقش».