بعد مرور ثمانية عشر عاماً من الممارسة الديمقراطية التعددية والانفتاح الذي شهدته الحياة السياسية والدورات الانتخابية المتتالية سواء منها البرلمانية أو المحلية أو الرئاسية، فقد كان من الطبيعي والمنطقي أيضاً أن تترسخ الجوانب المؤسسية داخل التكوينات الحزبية، وأن يصبح أداؤها محكوماً بالتقاليد الديمقراطية والقواعد الناظمة للنشاط الحزبي خاصة وأن 18 عاماً كانت كافية لتلك الأحزاب التي ما زالت تدور حول نفسها بصورة يغلب عليها التسرع والارتجال واهتزاز المواقف أن تتعلم من مدرسة الديمقراطية المرتكزات الصحيحة والسليمة للعمل الديمقراطي وبما يساعدها على ضبط إيقاع نشاطها السياسي والحزبي على الساحة الوطنية بعيداً عن تلك الحالة من الالتباس وخلط الأوراق والتمترس وراء توجهات خاطئة ورهانات غير واقعية تتصادم كلياً مع الأسس والتقاليد التي تستند إليها أعرق الديمقراطيات في العالم. وما يؤسف له حقاً أن نجد بعض أحزاب المعارضة مازالت حتى اليوم تجهل أو تتجاهل الكثير من بديهيات العمل الديمقراطي، ولا تمتلك الرؤية الصائبة التي تسمح لها بالتحرك ضمن معايير تتجاوب مع متطلبات الحياة السياسية مع أن من يريد أن يمارس العمل الحزبي لا بد له وأن يثابر ويجتهد من أجل الارتقاء بالحزب أو التنظيم الذي ينتمي إليه عبر تحويل هذا الإطار إلى كيان تنويري يقدم نفسه للناس من خلال برامج واقعية ليتسنى له كسب ثقتهم وأصواتهم في صناديق الاقتراع. وما يثير الاستغراب أنه وبدلاً من أن تتجه تلك الأحزاب إلى بناء نفسها والدخول في معترك التنافس الانتخابي مع الآخرين متسلحة بالمفاهيم المتزنة والمعقولة، فقد استهلكت كل جهودها وطاقاتها وقدراتها في حروب كلامية وحملات التنظير واختلاق الخلافات مع الحزب الحاكم واصطناع الأزمات الواحدة بعد الأخرى، والتي لم تجن من ورائها سوى المزيد من النكسات والإخفاقات لتبرهن بهذا المسلك انها تتعامل مع استحقاقات العملية الديمقراطية من منظور تكتيكي وليس عن قناعة بمبادئ الديمقراطية ومنهجها القويم. وتتأكد ملامح هذا النزوع في موقف هذه الأحزاب من الانتخابات النيابية القادمة واجرائها في موعدها الدستوري والقانوني المقرر في ال27 من إبريل المقبل، وهو الموقف الذي يترنح بين المشاركة والمقاطعة وبين المماطلة وأساليب الابتزاز التي تأمل من ورائها الحصول على بعض