تواجه الحكومة الاسرائيلية المقبلة عقبات بالجملة يبدو يوماً بعد يوم أن من الصعب تجاوزها. بعض هذه العقبات محلي وبعضها الآخر اقليمي ودولي .في الجانب المحلي صار ثابتاً ان بنيامين نتنياهو قد فاز باصوات قسم كبير من الناخبين وفق شعارات لا يملك وسائل تطبيقها من جهة ولا تتيح له من جهة اخرى هامشا واسعا للمناورة في التفاوض من اجل تشكيل حكومة ائتلافية مع الكتل الكبرى في الوسط واليسار ناهيك عن ان شعاراته المتطرفة لا توفر له ايضا هامشا واسعا للمناورة مع "المجتمع الدولي" الامر الذي ينعكس محليا في تشدد الكتل البرلمانية تجاهه وبالتالي رفض الاشتراك في حكومته. وعلى الصعيد الدولي صار واضحا ان الادارة الامريكية الجديدة لاتقف معه على ارض واحدة في العديد من الملفات .ففي الملف الفلسطيني اكدت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلنتون خلال جولتها الاخيرة على تمسك بلادها بحل الدولتين وعبرت عن رفضها تدمير منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية بحجة عدم حصول اصحابها على رخص رسمية للبناء.هذا في حين ترفض قاعدة نتنياهو الانتخابية مشروع الدولتين ولا تقبل بالتخلي عن الجولان. وفي الملف الايراني يعتمد نتنياهو لغة حربية ملحة ضد ايران بسبب مشروعها النووي غير ان واشنطن ما زالت ترغب في التفاوض مع طهران ولا تميل الى معالجة ملفها النووي بالوسائل العسكرية اقله قبل سحب قواتها من العراق.ولعل نقطة الاتفاق الوحيدة بين الطرفين تكمن في التعاطي المتشدد مع حركة حماس وحزب الله بيد ان ذلك لا يشكل برنامج عمل كاف بين الطرفين خلال الاربع سنوات المقبلة وهي مدة ولاية اوباما من جهة والمجلس النيابي الاسرائيلي من جهة اخرى. اما على الصعيد العربي فمن المعروف ان اختيار نتنياهو لتشكيل الحكومة الاسرائيلية قد ادى الى تسريع المصالحة العربية والى ارتفاع اصوات متزايدة للمطالبة بوضع اجل زمني لمبادرة السلام العربية التي اعلن الليكود مرارا رفضه البحث فيها وهذا يعني ان علاقة الحكومة الليكودية المقبلة بالمحيط العربي ستكون الاشد توترا منذ زمن طويل مع حكومة اسرائيلية والراجح ان تكون العلاقة فاترة حتى مع الدول العربية التي تعترف باسرائيل وترتبط معها باتفاقات سلام. بيد ان هناك من يتحدث عن مخرج اسرائيلي يقضي بالتنازل عن الجولان على مرحلتين وبالتالي ايجاد مهرب من العزلة المحتملة وتقضي المرحلة الاولى بالتنازل الاسرائيلي عن قسم من الجولان دون ان يترافق ذلك مع التطبيع الشامل وفي هذه الحالة تنكسر العزلة عن الحكومة وتهدأ الجبهة الشمالية لسنوات مقبلة وفي المرحلة الثانية يتم الانسحاب الكامل عشية الاستحقاق الانتخابي المقبل في اسرائيل بحيث يفوز الليكود مجددا ويسعى لتجميد القضية الفلسطينية الى اجل غير مسمى. لكن هذا المخرج يحتاج الى موافقة سورية مازالت حتى الان غير متوفرة باعتبار ان دمشق كانت تصر على الدوام على انسحاب كامل من الجولان وتخشى من المماطلة الاسرائيلية في اي حل جزئي ومن جهة ثانية لا شيء يضمن بقاء الفلسطينيين مكتوفي الايدي بانتظار ان يفرغ نتنياهو من مناورته السورية وذلك يعني ان الرهان على المخرج السوري ليس مضمونا لفك العزلة المحتملة عن حكومة اسرائيلية يمينية متطرفة.واذا كان مصير وزارة نتنياهو محكوما بالعزلة المحلية والعربية والدولية فما هي السيناريوهات التي سيعتمدها؟ في كل الحالات لن تكون لديه سيناريوهات مريحة ولعل اولها ان يلجأ الى تشكيل حكومة دفاعية مدججة بدعاة التطرف اليميني وان يعتمد برنامجا تغلب عليه القضايا الداخلية وفي هذه الحالة يحقق المطالب الذي وعد مواطنيه بتحقيقها ويجمد مشاريع التفاوض وبالتالي لايرد على الضغوط الامريكية والدولية ويرد بوسائل عسكرية على تحريك الجبهات الجنوبية مع حماس والشمالية مع حزب الله وسوريا والراجح ان هذا السيناريو لن يكون سهلا ذلك ان تحريك الجبهات بمواجهة حكومة يمينية متشددة ورافضة للتفاوض الجدي من شانه ان يحظى بتاييد واسع حتى من طرف المعتدلين العرب وربما لا يصطدم برفض دولي صلب وفي الوقت نفسه لن تكون وسائل نتنياهو العسكرية افضل من وسائل اولمرت وبالتالي لن توفر له الانتصارات المطلوبة ما يعني انه سيقع في مطب من سبقه وسيكون عليه التفاوض والتنازل ومن ثم السقوط المدوي في اوساط مؤيديه دون ان يربح خصومه. اما السيناريو الثاني فيقضي بتغليب الخطر الايراني على غيره من المخاطر ومحاولة حشد الجمهور الاسرائيلي باتجاه ايران وهذا الحشد لن يكون مفيدا الا في حال توجيه ضربة عسكرية لايران والسؤال المطروح في هذه الحالة هو هل يفعل ذلك بمعزل عن واشنطن طالما ان الاتفاق معها متعذر بسبب العراق؟ وان فعل هل يضمن انصياع ايران ام انها ستنفذ تهديداتها بحرب مفتوحة ضد اسرائيل وماذا عن سياق الحرب؟هل يمكنه التحكم بنتائجها؟ من الصعب الرد بدقة على هذا النوع من الاسئلة ذلك ان الحروب السابقة في غزة ولبنان بينت محدودية القوة الاسرائيلية وصعوبة حسم المعارك لصالح الدولة العبرية فكيف اذا كانت هذه المعارك بلا تغطية دولية جدية؟ هنا ايضا لن يكون هذا الخيار ميسرا وقد يودي بحكومة نتنياهو وربما يتسبب بمخاطر جمة قد لا تسمح واشنطن بالتسبب بها. يبقى السيناريو الاخير وهو رجوع نتنياهو عن تشدده والتنازل لكاديما ولحزب العمل وبالتالي القبول بحكومة ائتلافية ذات برنامج معتدل في هذه الحالة سيصطدم بناخبيه وربما يؤدي هذا الاصطدام الى انشقاق الليكود نفسه وبالتالي العودة مجددا الى الانتخابات المبكرة يفيد ما سبق الاعتقاد ان بنيامين نتنياهو هو اليوم اسير انتصاره الانتخابي الذي صنعه بشعارات متطرفة فان التزم شعاراته سيخاطر بعزلة خانقة لدولته على كل صعيد وان تخلى عن شعاراته سيغامر بوحدة الائتلاف اليميني وسيصطدم بقاعدته الانتخابية انه ببساطة امام خيارات احلاها مر.