تفصح التحركات التي بدأها يوم أمس فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح بزيارتيه لعاصمتين عربيتين خليجيتين هما أبو ظبي والمنامة، عن الأهمية البالغة للتنسيق والتشاور بين القادة والزعماء العرب من أجل ضمان نجاح القمة العربية الدورية التي ستنعقد بعد أيام قلائل في العاصمة القطرية الدوحة ، وتهيئة المناخان التي تجعل منها القمة ، قمة لوحدة الصف والتضامن والوفاق والتلاحم العربي، الذي تتلاشى معه كل التباينات والخلافات وعوامل الفرقة والتجاذبات التي تسببت - مع الأسف الشديد - في إعاقة مسارات العمل العربي المشترك وإضعاف فاعليته وقوة تأثيره على مر العقود الماضية. واعتمادا على هذه الرؤية ، فقد احتل موضوع المصالحة العربية وتعزيز مسيرة التضامن والعمل القومي المشترك مقام الأولوية وصدارة القضايا التي جرى بحثها بين فخامة الرئيس علي عبد الله صالح وأخويه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة ملك مملكة البحرين ، وذلك لالتقاء قناعة القادة الثلاثة حول حساسية وخطورة الظرف الحرج الذي يمر به الوضع العربي في هذه المرحلة المفصلية التي تجابه فيها أمتنا تحديات عاصفة توجب على قادتها وشعوبها التحلي بروح المسؤولية والتعاطي الجاد والصادق والأمين مع ما تفرضه تلك التحديات ولما من شأنه تفادي إفرازاتها وانعكاساتها السلبية انطلاقا من رأب الصدع وتنقية الأجواء العربية وجمع الكلمة وتقوية وتمتين عرى التضامن والتماسك والتكامل. ولا نبتعد عن الحقيقة إذا ما قلنا أن اللقاء الذي جمع يوم أمس في أبو ظبي فخامة الرئيس علي عبد الله صالح بأخيه سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، وكذا لقاء فخامته في المنامة بأخيه الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة ملك مملكة البحرين ، قد أشاعا أجواء من التفاؤل في الشارع العربي الذي لا شك وأنه يعلق على مثل هذه اللقاءات آمالا كبيرة في إزالة أية توترات أو ترسبات أو حساسيات تعرقل الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة وطي صفحة الماضي وتدشين حقبة جديدة تنطلق بالعمل العربي المشترك نحو الآفاق التي تنشدها شعوب الأمة. وتتسع تلك الآمال بصورة أكبر في ظل العلاقات الوثيقة بين قادة الدول الثلاث وكذا خصوصية العلاقات القائمة بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي والتي تعكس نفسها في الحرص المتبادل على ترسيخ مقومات التعاون الإقليمي في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية الذي يحتل اليمن جزءا استراتيجيا فيها ، وإدراك الجميع أن مثل هذا التعاون الإقليمي بات يمثل ضرورة سياسية وأمنية واقتصادية ، ليس لليمن فقط وإنما أيضا لأشقائه في دول الخليج ، فاليمن الذي تمتد إليه جذور أي انتماء عربي سيشكل اندماجه في المنظومة الخليجية إضافة هامة تعزز من مقدرات هذه المنظومة في مختلف المجالات ، فإلى جانب أن اليمن يمتلك وزنا بشريا كبيرا يقترب اليوم من 25 مليونا أي ما يمثل تعداد سكان دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة ، فإنه يشكل أيضا ظهيرا لها سواء في الجانب الأمني أو التنموي أو على صعيد الشراكة الاقتصادية ، ما يجعل منه عمقا استراتيجيا لدول ذلك المجلس. وبالنظر إلى ما تنوء به المنطقة العربية اليوم من أزمات ومشكلات ، فإن بناء منظومة أمن إقليمي لمنطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية يصبح أمرا ملحا ، خاصة بعد أن أثبتت تجارب الماضي أن التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين دول الجزيرة والخليج ، هو الركيزة الأساسية لضمان الأمن الإقليمي والأمن القومي العربي، وهو الطريق الأمثل نحو إحلال الأمن والاستقرار الشاملين. ويقتضي المنطق القويم والتفكير السليم ، أن يعمل القادة العرب على أن تكون قمتهم القادمة في الدوحة منطلقا لمنهاج عربي جديد تذوب فيه حالة التناقضات والخلافات التي تنتقص من رصيد هذه الأمة ، خاصة وأن كل المؤشرات تنذر بمخاض عسير يستهدف الهوية والوجود العربي برمته. ولا سبيل لمواجهة هذا الخطر إلاّ بالوحدة ورص الصفوف والتكتل والعمل المشترك.