الشفافية العالية التي تحدثت بها الحكومة في اللقاء التشاوري الثالث الذي جمع يوم أمس أكثر من مائتين وخمسين شخصية من المسؤولين في الجهات الحكومية وأعضاء في البرلمان ومنظمات المجتمع المدني على طاولة النقاش مع ممثلي الدول والمنظمات والصناديق المانحة ، وإن كانت قد جسدت عمق الشراكة القائمة بين اليمن وشركائها في عملية التنمية في الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الإقليمية والدولية ، فإن ذلك الطرح الشفاف الذي برزت فيه أعلى درجات المكاشفة والوضوح إزاء المصاعب والتحديات التي جابهت مسارات التنفيذ للخطة الخمسية الثالثة للتنمية والتخفيف من الفقر خلال السنوات الثلاث الماضية قد أكد على حقيقتين جوهريتين الأولى أن الحكومة وبقدر حرصها على الالتزام بمبدأ المصداقية مع الآخرين من شركاء التنمية فإنها تؤمن بأهمية وضرورة أن يسود هذا المعيار من الوضوح والشفافية في خطابها الموجه إلى أبناء شعبها الذين هم أولى بالاطلاع على حقائق الأمور والوقوف على حجم المشاكل والظروف التي تحيط بوضعهم الاقتصادي والتنموي والجهود التي تبذلها الحكومة من أجل التغلب على تلك المصاعب ، باعتبار أن ذلك هو أفضل الخيارات لتعميق روح الثقة بين المواطن والحكومة. أما الحقيقة الثانية فقد تجلت في قناعة الحكومة بأن أي توجه يفتقد للواقعية والتعاطي الجاد والمسؤول لن يؤدي إلاّ إلى اهتزاز في العلاقة بينها وبين أبناء المجتمع ولذلك فليس لها أية مصلحة في أن تقول للناس أن كل شيء على ما يرام وأن اقتصادنا الوطني يسير في طريق مفروش بالورود ، وأن أهدافنا التنموية قد تحففت كلها ، خاصة وأنها تعلم علم اليقين أن معظم أبناء الشعب يدركون تماما أن المعوقات والمصاعب التي حالت دون بلوغ معدل النمو الطموح الذي كنا نتطلع إلى تحقيقه خلال السنوات الثلاث الماضية في إطار الخطة الخمسية للتنمية ليس ناتجا عن قصور في الأداء وإنما تعود أسبابه للكثير من الأحداث والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ، ومن ذلك الارتفاع العالمي لأسعار المواد الغذائية والتراجع المريع لأسعار النفط وانخفاض إنتاجه محليا ، فضلا عما تسببت فيه كارثة السيول والفيضانات التي تعرضت لها محافظتا حضرموت والمهرة وكذا بروز ظاهرة القرصنة البحرية التي قلصت عائدات الإنتاج السمكي. وإلى جانب كل ذلك فإن الاضطرابات التي شهدها القرن الافريقي واستمرار تدفق اللاجئين على بلادنا شكلت هي الأخرى أعباء إضافية زادت من حدة التأثيرات التي أصابت اليمن جراء الأزمة المالية العالمية والتي لم تنج من أضرارها البالغة أعظم البلدان ثراء وغنى وقوة اقتصادية. والمؤكد أن مجابهة هذه التحديات تقتضي المزيد من التكامل بين الجهدين الرسمي والشعبي واضطلاع كل طرف بمسؤولياته وواجباته لما من شأنه التغلب على هذه التحديات الطارئة والعارضة انطلاقا من التحرك المشترك لتنشيط عوامل النمو في جميع القطاعات الاقتصادية وفي صدارتها السياحة والاستثمار اللذان يتطلبان توفير مقومات الأمن والأمان والاستقرار ، وهي من المهام التي تقع على عاتق أبناء الوطن جميعا دون استثناء. إذ أن من غير الموضوعي أن يعتقد البعض أن الحكومة تمتلك عصا سحرية، وأن بوسعها معالجة كل شيء بجرة قلم في بلد يعاني من انفجار سكاني لا يتناسب قطعيا مع موارده المحدودة للغاية. وفي الوقت الذي نقدر فيه كل دعم من شقيق أو صديق لمساعدة جهود التنمية في اليمن كنا نأمل أن تسود تلك الشفافية والمكاشفة التي تحدثت بها الحكومة خطاب الشركاء الدوليين الذين لا يجهلون أنه ورغم الشراكة القوية التي تربط اليمن بهم ما تزال اليمن من أقل الدول حصولا على المساعدات التنموية بين البلدان النامية عموما ، وأن ما تحصل عليه اليمن لا يتجاوز 13% مما تتلقاه دولة افريقية تتطابق مؤشرات التنمية فيها مع مؤشرات بلادنا، وفقا للأسس التي تعتمدها الدول المتقدمة في دعمها للبلدان الأقل نموا. ونعتقد أن إغلاق هذه الفجوة عن طريق رفع مساعدات الدول المانحة لليمن سيخفف من الأعباء الكبيرة على بلادنا وسيمكنها من تجاوز الكثير من مشكلاتها وفي مقدمتها مشكلة البطالة وما تنتجه من كوارث، حيث يصبح كل عاطل أشبه بقنبلة موقوتة يتطلب نزع فتيلها إيجاد المزيد من فرص العمل وتقديم العون ، الذي يمكن اليمن من تحقيق الانتعاش الاقتصادي والتغلب على الفقر ، وعدم ترك هذه الآفة تنهش بمخالبها وأظافرها وأنيابها الواقع الاجتماعي في هذا البلد الذي ينحت في الصخر لتأمين الحياة الكريمة لأبنائه.