كشفت الكثير من الوقائع أن البعض - مع الأسف الشديد - ما زال غارقاً في ثقافة الماضي ومشدوداً إلى خلفياتها البالية والسقيمة التي عفا عليها الزمن، دون أن يستوعب هؤلاء أن اليمن قد دخل في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م عصراً جديداً يستمد توجهاته من قيم الديمقراطية والحرية المسئولة والمشاركة الشعبية في صنع القرار والتداول السلمي للسلطة من خلال التنافس الشريف في البرامج والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وحق الشعب في اختيار حكامه. وفي ظل هذا النهج الوطني صارت وثيقة الدستور والقوانين النافذة تمثل المرجعيات الضابطة للعلاقات والسلوكيات والحقوق والواجبات، وأي خروج عن تلك المرجعيات يعد انتهاكاً لحق المجتمع في الأمن والاستقرار والتطور والنماء وهو ما ينطبق على التصرفات اللامسؤولة لتلك العناصر الضالة التي تسعى إلى إقلاق السكينة العامة أكان ذلك عن طريق إعادة اجترار الماضي وأمراضه وإحياء النعرات المناطقية والشطرية وإثارة الفتن وأعمال التخريب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار والإضرار بالاقتصاد الوطني، أو من خلال التغرير بالشباب وتعبئة عقولهم بأفكار مضللة ومخادعة وإعادة إنتاج الخطاب الكهنوتي الذي دفنه شعبنا بانتصار ثورته بعد أن ظل يدّعي زوراً وبهتاناً الحق الإلهي أو عبر قيام تلك العناصر المنحرفة باستبدال ذلك الخطاب بصكوك الغفران ودفع أولئك الشباب جيوباً وجماعات إلى محرقة الموت والهلاك وسوقهم إلى حتفهم لمجرد إشباع غواية شيطانية استبدت بنفر من المهووسين زينت لهم أوهامهم أنهم ومن نافذة اللعب بالمفرقعات وقطع الطرقات والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وقتل النفس التي حرم الله والتمترس في كهوف الجبال، سيتمكنون من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء واسترجاع أزمنة الاستبداد والاستعباد والتخلف. وما لم تدركه هذه العناصر الضالة والمضلة سواء تلك التي تجاهر بالعداء لقيم الوحدة الوطنية وترفع الشعارات المناطقية والشطرية أو تلك التي تتغذى من فكر التعصب المذهبي والطائفي والكهنوتي أن ما يحلمون به هو أبعد عليهم من عين الشمس إن لم يكن من سابع المستحيلات وأن ما تقوم بالترويج له من مشاريع دنيئة قد سقطت تحت أقدام أبناء الشعب اليمني في خضم مسيرته النضالية ضد النظام الإمامي الاستبدادي والحكم الاستعماري "الانجلوسلاطيني" وانتصار ثورته المباركة "26 سبتمبر و14 اكتوبر" التي كان من أعظم إنجازاتها قيام الجمهورية اليمنية واستعادة الوطن اليمني الوجه الشرعي لوحدته أرضاً وإنساناً. وبالتأمل الموضوعي للنوايا الخبيثة لأولئك الذين يسعون إلى تأزيم السلم الاجتماعي، سنجد أن ما يربط بين هذه العناصر هو حقدهم على هذا الوطن وهو ما تجلى في بعض مظاهره في الاعترافات المتلفزة للقيادي في تنظيم "القاعدة" السعودي الجنسية محمد عتيق العوفي، والذي كشف فيها عن الصلة الوثيقة بين تلك العناصر وتنظيم القاعدة الإرهابي مشيراً إلى أن من يقومون بالترويج للنعرات المذهبية والطائفية والمناطقية في اليمن وإن كان قد جرى توظيفهم في إطار المخطط التآمري الذي يستهدف تفتيت المجتمعات العربية، فإن هذه العناصر ليست بعيدة عن الجماعات التي اعتنقت الإرهاب بل انها تسير معها في فلك واحد. ولهذا السبب ولأسباب أخرى مضافة، فإنه وما لم تتوقف هذه العناصر عن غيها وتَعُدْ إلى جادة الحق والصواب وتتخلّ عن أفعالها وأعمالها المنكرة والمخالفة للدستور والقانون، فإن يد العدالة لا بد وأن تكون لها بالمرصاد، فلا مجال بعد اليوم لأي اندفاع مغامر يعيق مسيرة البناء والتنمية في الوطن أو يعمل على تعكير صفو السكينة العامة للمجتمع، وأن أي تماد في الشر سيجابه بقوة القانون وعقابه الرادع والحازم، ومن لم يهده عقله إلى السبيل القويم فقد جنى على نفسه ليحيق به الخزي في الدنيا والآخرة.