بغض النظر عن صحة الأرقام المتعلقة بنسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية أو بتلك التي حققها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والتي فاقت التسعين في المئة، لا شك أن الرئيس الجزائري فاز حقيقة في الانتخابات نظراً الى امتلاكه شعبية كبيرة أولاً والى أن لا منافس جدياً له ثانياً وأخيراً. قد تكون نسبة المشاركة مبالغاً فيها ولكن أن يحرز بوتفليقة نسبة تزيد على تسعين في المئة من أصوات المقترعين، فهذا أمر أكثر من طبيعي، خصوصاً متى يكون في مقدم منافسيه شخص مثل السيدة لويزة حنون تمثل حزباً صغيراً «تروتسكيا»، بلكاد يتذكر العالم لينين، فكيف الأمر بتروتسكي الذي كان على يسار الزعيم الشيوعي بعد انتصار الثورة البولشفية في العام 1917؟ كان بوتفليقة المرشح الوحيد في انتخابات الرئاسة، وكان الآخرون الذين نافسوه مجرد أدوات زينة في بلدٍ استعاد بعض عافيته بفضل الرئيس الجزائري الذي استفاد الى ابعد حدود من ارتفاع اسعار النفط في السنوات القليلة الماضية بما مكّن الجزائر من ايفاء ديونها الخارجية ومن تنفيذ مشاريع تنموية وضخ سيولة في السوق.. كانت السنوات العشر الأخيرة في الجزائر سنوات خير مقارنة مع السنوات العجاف التي تلت الاضطرابات التي اندلعت في اكتوبر من العام 1988، والتي أنهت عملياً عهد الرئيس الشاذلي بن جديد الذي أضطر لاحقاً الى الاستقالة بعد رفض العسكر قبول نتائج الانتخابات في العام 1992، وهي الانتخابات التي فاز فيها الاسلاميون بفارقٍ كبير. لم تكن أسعار النفط المرتفعة السبب الوحيد الذي ساعد بوتفليقة في أن يتحول الى أشبه بمنقذ للجزائر، يعود الفضل الأساسي في التحسن الكبير الذي طرأ على الوضع الداخلي، الى المؤسسة العسكرية والأمنية التي شنت حرباً على التطرف الديني والارهاب.. استطاعت المؤسسة العسكرية والأمنية خوض حرب طويلة النفس على الارهاب والعصابات المسلحة التي تتستر بالدين والتي سمحت لنفسها بارتكاب مجازر في أنحاء متفرقة من البلاد، ولا شك ان وصول بوتفليقة الى الرئاسة في العام 1999، بدعم من العسكر ومن بقايا المؤسسة البيروقراطية الحاكمة خلال عهدي بومدين والشاذلي، أي ما يسمى حزب جبهة التحرير الوطني، كان بمثابة عودة الحياة الى مؤسسة رئاسة الجمهورية. وفّر بوتفليقة أفقاً سياسياً للحرب على الارهاب، امتلك الرئيس الجزائري ما يكفي من الدهاء لصياغة خطابٍ سياسي معتدل ظاهر، ساعد هذا الخطاب، الى أى حد كبير، في تحقيق نوع من المصالحة الوطنية انضم اليها اسلاميون معتدلون أرادوا الاستفادة من البحبوحة الاقتصادية وحال الانفراج التي وفرتها أسعار النفط المرتفعة، ما لا يمكن تجاهله أن عهد الشاذلي بن جديد دخل في أزمة داخلية عميقة ذات طابع اجتماعي بسبب الهبوط الكبير في أسعار النفط في النصف الثاني من الثمانينات، انفجر الوضع في المدن الجزائرية في أكتوبر من العام 1988، بعدما ضاقت سبل الحياة بالمواطن العادي وتفشت البطالة على نحوٍ لا سابق له، وجاء انتخاب بوتفليقة رئيسا لولاية ثالثة في السنة 2009، ليعكس تعلق المواطن العادي بالاستقرار النسبي الذي وفره الرئيس الجزائري في السنوات العشر الأخيرة، أنه إستقرار مكَّن بوتفليقة بفضل خبرته السياسية الطويلة من تحقيق بعض حلمه المتمثل بأن يكون هواري بومدين آخر. أسس عهد بومدين الذي أمتد من العام 1965 الى العام 1980، للجزائر الحديثة التي تتحكم بها المؤسسة العسكرية الأمنية والبيروقراطية الثقيلة، نجح في توفير ثقل خارجي للجزائر، كان بوتفليقة من رموزه بصفة كونه وزيرا للخارجية في تلك الحقبة، كانت عائدات النفط والغاز تغطي كل الاخفاقات، كان الاخفاق الأول لعهد بومدين الذي أمسك بالبلد بيدٍ من حديد في مجال التعليم، في عهده، نسى الجزائريون الفرنسية ولم يتعلموا العربية، وكان الفشل الثاني في المجال الزراعي، والثالث على صعيد الصناعة، وضع بومدين الأساس لصناعة ثقيلة من دون التفكير ولو للحظة في كيفية تصريف ما ستنتجه المصانع الجزائرية. كان هناك فشل في كل مجالات التنمية. لكن الدور الاقليمي للجزائر والعائدات من النفط والغاز ساهمت في تغطية الفشل.. الى أن حصل انفجار عام 1988. الأكيد أن الجزائريين انتخبوا هذه المرة بوتفليقة رئيساً عن قناعة، ولكن يبقى السؤال هل استفاد الرجل من تجربة بومدين؟ هل عمل في السنوات العشر الأخيرة على وضع الأسس لدولة حديثة قادرة مستقبلاً على تنويع اقتصادها بدل البقاء أسيرة أسعار النفط والغاز؟ هل يدرك أن تركته ستكون ثقيلة في ضوء الزيادة الكبيرة في عدد السكان وهجمة الريف على المدن واستمرار البطالة وزيادة التطرف الديني؟ أم يعتقد أن في الامكان تكرار تجربة بومدين في السنوات العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين؟ باختصار، أن انتخاب بوتفليقة يبعث على الأمل، الأمل بالتأسيس لمرحلة جديدة في الجزائر.